»متى يقام الملتقى الدولي... للنقد والترجمة والأدب المقارن«؟! سؤال نطرحه إلى كل من يهمه الأمر، لأن فوضى الكتابة وعشوائيات المهرجانات وأسابيع التعارف المفتقرة إلى حسن الإعداد، وفعالية التنظيم ونوعية العرض إضافة إلى أن القطاع الثقافي بقصوره ومراكزه وبرامجه يفتقر إلى عناصر قيادية ذات سمعة وإنتاج وخبرة حتى تكون العناصر المناسبة في المواقع المناسبة والعطاء النوعي المناسب، لأن مساحة الثقافة يجب أن تكون مساحة للنوعية والتميز والإختلاف لضمان تجذير أطياف حرية التعبير وحق الإختلاف وأدب الحوار. وبالمناسبة نذكر بإشارات سجلها الأديب الصحافي الكبير أنيس منصور على ظهر كتابه »البقية في حياتي؟؟.. لوحات تذكارية على جدران الطفولة« جاء فيها »كأنني حجر متحرك، يتشكل ويتلوّن لأنه يتحرك ولأنه يتحرك فلا ينبت عليه العشب عشب الأمان وزهور المودة وثمرات الحب كأنني ولدت على ظهر سفينة وأظل شبابي أتعرف على الموج والشاطىء والرياح نحن مثل يونس (عليه السلام) الذي إبتلعه الحوت ليست معجزة للحوت ولكن المعجزة أن نبقى أحياء في بطن الحوت، وأن نخرج منه، ونحاول العمر كله أن نبتلع الحوت. والنقاد في بلدان لغة الضاد في فضاءات الإقصاء والإخلاء ابتلعهم سمك القرش البحري والتمساح النهري والمعجزة أن يخرجوا رغم أسنان القمع والمنع وأن يصطادوا رموز الخوف والتخويف لإعادة القيادة للنقاد والسيادة للنقد للقضاء على ظاهرة »البناء اللغوي القصديري« والإبداع الهش والمطامر النتنة في الطبع، والنشر والتوزيع التي سادت في غياب النقاد وتغييب النقد في شتى المواقع الجامعة، المراكز الثقافية، المهرجانات، الأسابيع الثقافية، إتحاد الكتاب، الجمعيات الثقافية. والناقد إلياس خوري في »الذاكرة المفقودة« دراسات نقدية - يشير في مقدمة المؤلف في إطار النقد والنص النقدي إلى مايلي: على الرغم من ارتباط العملية النقدية بمجموعه متعددة من العلوم الانسانية فإنها لا تستطيع أن تنطلق إلا من النص نفسه، فالنقد بوصفة لغة (ثانية) كتابة على الكتابة، ولغة على اللغة. لا يستطيع أن ينطلق إلا من إشكاليات (اللغة الأولى) أي من النص نفسه، فتقوم عملية نقد النص، باستدعاء مباشر لمعنى النص النقدي« والغريب في الأمر أن النقد حاليا له مدارس، ومناهج وتيارات ومرجعيات وثوابت ومتغيرات ومع ذلك سادت فوضى الكتابة وأخطاء المطبعة وشوائب التقديم والتقييم ولو أخذنا من العصر الجاهلي »المعلقات الشعرية« كنموذج مصغر يتضح للعيان بأن العناصر النقدية كانت في المستوى النوعي وهنا تتجذر وتتألق مصداقية - ميزان البيان - والإبداع الشعري بقصائده المختارة وعناصره المتصدرة للمشهد الشعري المرتكز على الميزان النقدي الذي لايمكن نسيانه أو تناسيه رغم مرور الايام والاعوام، وتلاحق العصور الشعرية (الجاهلي، الأموي، العباسي، الحديث) ومن يقرأ بنية القصيدة الجاهلية - الصورة الشعرية لدى امرىء القيس للدكتورة الباحثة ريتا عوض يتبين له جليا مدى ثراء وتميز القصيدة الجاهلية فعبر 392 صفحة نشر دار الآداب - بيروت - الطبعة الأولى 1992 تبحر ريتا في (سيرة ومسيرة) الشاعر لأنه أعظم شعراء الرعيل الأول من شعراء ماقبل الاسلام، بلغت لديه القصيدة العربية صيغتها الكلاسيكية ورسخت تقاليد فنية ولغة شعرية كان لها تأثيرها الخطير لا على الشعر الجاهلي فحسب بل على التراث الشعري العربي. وقد إستنتجت الباحثة المذكورة من تحليل شعر »امرىء القيس« تصورا لبنية »القصيدة الجاهلية« وهي بنية صورية بالضرورة يقول بالتشكيل المكاني للقصيدة الجاهلية وتزامن أجزائها ووحدتها البنائية العربية على اختزال البعث الثالث، وتحقيق رمزية التعبير الفني ولعل هذه الدراسة تكون لبنة في بناء منهج نقدي عربي حديث يعمق حس الإنسان العربي بتراثه، فيدرك أن الأمة العربية، لن تحقق نهضة ثقافية حديثة في هذا العصر، مالم تصل إلى وعي تراثها الثقافي والفني، بإعادة إحياء ذلك التراث. والغريب في الأمر أن المخطوطات بقيت أسيرة الخزائن والمكتبات ولم يتم تحقيقها وتقديمها وترتيبها الا بمجهودات فردية وبنسبة قليلة ومايقال عن المخطوطات المقصية المنسية يقال عن إنتاج المطابع من روايات ودواوين شعرية وقصص قصيرة حتى الكتابة للأطفال تكتب وتطبع وتنشر وتوزع في غياب وتغييب الرقابة النقدية لتخليصها من الشوائب اللغوية والصرفية والنحوية إضافة نقاط أخرى تربوية، فإلى متى تبقى السلطة النقدية على هامش الهامش والكتابة العشوائية تسود وتقود بلا قيود ولا حدود؟!