يستوقفنا التاريخ دائما عند أحداث بارزة من مسيرة الجزائر الخالدة على درب البطولة والكفاح، وقدم الشعب الجزائري أثناء مقاومته للمستعمر أكبر التضحيات وأروع ملاحم المجد والفداء، كي يبقى الوطن حرا منيعا، وفي غمرة حديثنا عن الثورة التحريرية، نشيد بالدور الكبير الذي قامت به منطقة وادي سوف التي كانت رافدا من روافد التسليح، وذلك لموقعها الاستراتيجي وفطنة ودراية أهلها بالمسالك الصحراوية مع حدود دولة تونس، وهذا ما شرف أهلها، بتزويد الثورة بالمال والسلاح والرجال. واليوم تحتفل الجزائر بالذكرى ال67 لوقوع معركة حاسي خليفة، فهي من بين المعارك التي في طليعة المعارك والملاحم الثورية على المستوى الوطني، نظرا لدورها في إشعال فتيل الثورة بالجنوب بعد 17 يوما من اندلاع الثورة التحريرية الكبرى في الفاتح نوفمبر 1954. وأكد محدثنا الدكتور سمير ناصري أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الجزائر، أن هذه المعارك التي شهدتها مختلف مناطق الوطن كان هدفها الأساسي تحرير الجزائر من براثن الاستعمار الغاشم، وتنمّ عن القيم الثابتة والمبادئ الراسخة لدى المواطن الجزائري، وتظل هذه الملاحم راسخة في ذاكرة الأجيال، مبرزا أن معركة «هود كريّم» بحاسي خليفة، تأتي في طليعة الملاحم الثورية على المستوى الوطني، وليس هذا فحسب بل شرفها في تفجير أول معركة بالمنطقة المعروفة بمعركة حاسي خليفة بعد 17 يوما من اندلاع ثورة نوفمبر. كان للمجاهد الراحل صالح صوادقية ابن المنطقة العائد من الحدود التونسية وزميله القائد حمه لخضر ودردوري خزاني الدور المهم في تجنيد الشباب وتكوين فوج من المجاهدين، كانوا من أوائل المفجرين لمعركة حاسي خليفة يوم 17 نوفمبر 1954. ومن أبرز الأسباب والعوامل التي فجّرت معركة «هود كريم»، عندما اتصل الفوج بأحد المواطنين بقرية السويهلة الذي كان لديه قطعة سلاح ليأخذوها من عنده، لكنهم لم ينجحوا بسبب المخبرين، فاشتبكوا مع العدو ليلا، لكن سرعان ما تسلّلوا بالظلام شمال «الدبيلة»، وصلوا الى حاسي خليفة عند طلوع الفجر فاختاروا الموقع الاستراتيجي المعروف ب«هود كريّم» جنوب حاسي خليفة (بحي الهمايسة حاليا)، لكونه مفصولا عن غابات النخيل ومحاطة به مساحات فارغة من كل جهة حتى يسمح لهم بالكشف، إلا أن المخبرين كشفوا أمرهم للعدو فاشتبكوا معهم، عند الساعة منتصف النهار وقتها انقسمت المجموعة إلى قسمين فريق يتمركز خارج الغوط في البساتين وآخر داخله. وفي الوقت الذي طوّق فيه العدو المجموعة التي هي داخل الغوط تقوم المجموعة الأخرى بفك الحصار. بعد الغروب ونزول الليل وشدة الظلام، نجح المجاهدون رغم قلة عددهم وعدتهم من الحاق العدو خسائر كبيرة قدرت بعشرات القتلى والجرحى. أما مجاهدونا البواسل جُرح منهم واحد وتم أسره وهو المجاهد شعباني بلقاسم. وقتها انسحبت المجموعة نحو الشمال إلى الجبال المجاورة للالتحاق بالمجاهدين المتواجدين هناك، وهذا حسب ما تضمنه أرشيف الخاصة بمديرية المجاهدين.