تعود غدا الذكرى ال67 لاستشهاد باجي مختار في شهر الثورة المجيدة، واستنادا إلى العديد من الباحثين والأساتذة الجامعيين في مجال تاريخ ثورة التحرير الجزائرية والأرشيف الموجود على مستوى مديرية المجاهدين وذوي الحقوق بوهران، فإن الشهيد باجي مختار كان عضوا في مجموعة ال 22 المخططين لتفجير الثورة التحريرية المباركة، والذي استشهد يوم 19 نوفمبر 1954، حيث تمكن بفضل طول نفسه وصلابة عزيمته وقوته من زعزعة جيش الاحتلال الفرنسي الغاشم. وسجل الشهيد باجي مختار الذي لم يعش سوى 19 يوما من عمر ثورة التحرير الجزائرية بصماته في الملحمة العظيمة للشعب الجزائري، وكتب اسمه في سجِل الخالدين بحروف من نار ودم، بعدما وهب حياته وروحه في سبيل القضية الوطنية. ولد باجي مختار في 17 أفريل عام 1919 بمدينة عنابة، تربى في أحضان عائلته على الاستقامة والصلاح والأخلاق الحسنة، استقرت عائلته بسوق أهراس في مزرعة صغيرة تحولت بعد ذلك إلى أول مركز لقيادة فوج مسلح للثورة. والشهيد البطل باجي مختار من أسرة عريقة، والده كان موظفا بالمحكمة الشرعية آنذاك (باش عدل)، ماتت أمه وهو في الثامنة من عمره، بعدها حظي برعاية خاصة من طرف إخوته ووالده، فلم يُشعِروه باليتم وغمروه بكل الحب والاهتمام، انتقلت عائلته إلى مدينة سوق أهراس واستقرت هناك، فتربى بينهم ونضج وعيه ونما حسه الوطني رغم صغر سنه، فقد وجد باجي مختار في وسطه العائلي المناخ المناسب لإبراز شخصيته الثورية. تحصل باجي مختار على الشهادة الإبتدائية الخاصة بالجزائريين، ثم تحصل في السنة الموالية على نفس الشهادة لكن الخاصة بالفرنسيين التي سمحت له بالالتحاق في سنة 1936 بالمدرسة الثانوية، لكنه سرعان ما ترك مقاعد الدراسة بسبب التفرقة والعنصرية والتزييف للحقائق التاريخية من طرف الاستعمار. ولكرهه الخدمة العسكرية الفرنسية فرض الشهيد على نفسه حمية قاسية بالتزام الصيام، وعندما تقدم للخدمة كان في حالة صحية متدهورة فأُعفي عنه بصفة نهائية من الخدمة. في أوائل الأربعينات دخل الشهيد الكشافة الإسلامية، حيث أُسندت إليه مهمة الإشراف على فرع كشفي بالمدينة، كان هذا الفرع يضم فوجا واحدا يُدعى فوج الفلاح ويضم حوالي 100 شاب من الأشبال والكبار، وتمثلت مهامه في تربية الشباب تربية وطنية وإعدادهم كرجال الغد يعتمد عليهم في الدفاع عن وطنهم، بالإضافة إلى التعليم، واستمرت مهمة باجي مختار أكثر من 7 سنوات، بعد ذلك انضم باجي مختار إلى الحركة الوطنية في عمر مبكر، وكان لأحداث 8 ماي 1945 أثرها على نفسه، حيث عزّزت رفضه للاستعمار. بعد فترة من الزمن عُيِّن مسؤولا على فرع سوق أهراس الشرق الجزائري للمنظمة السرية فقد ساهم في تكوين هذه المنظمة وتقوية عضدها، كما كلف على مستوى سوق أهراس بتأسيس الأفواج الأولى الشبه العسكرية للمنظمة، حيث استمر نشاطه إلى غاية 1950. وفي هذه السنة أُلقي عليه القبض وعذب عذابا شديدا أحيل بعدها إلى محكمة عنابة وحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات. بعد الإفراج عنه استمر في نشاطه النضالي في صفوف الحركة الوطنية، ولم يؤثر انقسام حركة انتصار الحريات الديمقراطية على إرادته الفولاذية وروحه الثورية. كان باجي مختار من أوائل أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وكان من بين ال 22 الحاضرين في اجتماع شهر جويلية 1954 بالجزائر، أين اتفق الجميع على الإسراع في إعلان الثورة المسلحة ضد العدو الفرنسي. عندما عاد باجي مختار إلى سوق أهراس انكب على مواصلة التدريب العسكري في هذه الفترة، وانتقل بعض المناضلين من التدريب على البنادق إلى صنع المتفجرات والصواعق، وذلك في مزرعة باجي مختار الذي أُلقي عليه القبض مرة أخرى في 30 أكتوبر 1954، لكن رغم هذا استطاع أن يضلّل العدو فأُطلق سراحه، بعد ذلك استمر في نشاطه السري ينظّم أفواج المناضلين الثوريين، وقد قاد عدة عمليات عسكرية استهدفت عدة منشآت من بينها عملية تخريب جسر «عين سنور» ونصّب كمينا لقطار. في يوم 18 نوفمبر 1954 كان أسودا وحزينا على أبناء المنطقة الشرقية والتي فقدت قائدها البطل الشهيد باجي مختار، إثر معركة ضارية دارت رحاها بالمكان المسمى «مزرعة دالي بن شواف» الكائنة بمنطقة (مجاز الصفاء) ولاية ڤالمة حاليا، أحد الرعاة يعمل عند صاحب المزرعة هو من وشى بالمجموعة، والذي أعدمه بعد ذلك الشهيد طيبي إبراهيم بعد فراره من سجن الكدية بقسنطينة رفقة القائد الشهيد مصطفى بن بولعيد، يومها قام العدو الفرنسي بمحاصرة الفوج المكون من 16 مجاهدا من كل الجهات، استعملت خلالها كل الوسائل العسكرية المتاحة الخفيفة منها والثقيلة، دامت المعركة يومين، حيث استشهد خلالها 5 شهداء وفي مقدمتهم الشهيد باجي مختار الذي أصابته عدة رصاصات من رشاشات العدو، بالإضافة إلى جانب كل من الشهيد طرابلسي محمد، عنتر مسعود، محمد «لاندوشين» والشهيدة شايب دزاير، كما اعتقل الشهداء طيبي إبراهيم، بكوش محمد، العيفة بوقصة، روابحية لخضر، حجار السعيد، حراث شعبان، كليعي الطاهر، سنبل محمد لخضر وهوام إبراهيم.