قامت «الشعب» بجمع شهادات عن الشهيد باجي مختار من خلال ما قدمته لنا مديرة متحف المجاهد بقالمة السيدة سمية بوعقبة تمحورت حول نضاله السياسي والإعداد للثورة والعمليات العسكرية التي قام بها. كما كان للشعب لقاء مع أخت الشهيد خلال الندوة التي برمجها المتحف حول أحداث 11 ديسمبر، والذي نظّم بجامعة قالمة 08 ماي 45، حيث اطلعتنا فيها شقيقة الشهيد السيدة زهرة باجي على وثائق وصور احتفظت بها حول الشهيد وعائلته ، بالإضافة إلى صورة جمعت الراحل بن بلة بعائلة باجي حيث سلم لهم هدية من جمال عبد الناصر تكريما له . وفي هذا الصدد، قالت: «قد سجّل التاريخ عنه أنه كان ذات كلمة طيبة، فبعد استيلائه على منجم قرية برنوس قال للفرنسيين الذين كانوا يديرون المنجم: لا تخافوا فنحن لا نحاربكم كأشخاص، انما نحارب الاستعمار الفرنسي. فكانت لهذه الكلمات أثر طيب في نفس المسيرين لهذا المنجم، مما أزال دهشتهم وقلقهم وجعلهم يكتشفون نفسا جزائرية كريمة رحيمة مع من يريد لها الخير قوية وشديدة على من يريد إهانتها». وأضافت: «وهكذا عاش باجي يبغض الاستعمار ويدافع من أجل المثل العليا والقيم الفضلى النابعة من قيم الشعب الجزائري». وتحدثت زهرة عن حياة الشهيد الذي عمد على جلب السلاح من العراق ومصر من خلال الصحاري، وعمل على تعليم الكثير بإدخالهم للإسلام وعلمهم الأدب، «قصة طويلة» على حد قول زهرة باجي تحتاج لجلسات عدة. وبالمقابل، أوضحت مديرة متحف المجاهد بقالمة سمية بوعقبة أن باجي مختار استغل ظروف الحرب العالمية الثانية ليحتك بالجنود الألمان، ويتعرف على خباياها عن قرب، حادثة سقوط مروحية ألمانية مع طيارين ألمانيين داخل محيط ضيعة الأسرة ، فسارع رفقة أخته منانة بتقديم الإسعافات الأولية للطيارين وتخزين أسلحتهما بإسطبل الحيوانات، كما ضاعف مجهوداته لجمع السلاح والذخيرة. شارك في مظاهرات 08 ماي 1945 وتأثّر كثيرا من بشاعة القمع، وإصابة ابن أخته الطفل الكشفي الذي كان يتقدم المسيرة رافعا العلم الوطني بمدينة عنابة. استغل غطاء التجارة لإبعاد أعين الاستعمار عنه وبذلك زاد إصراره على النضال اضافت تقول مستغلا غطاء النشاط التجاري لإبعاد أعين الإدارة الفرنسية عنه، حيث دخل معترك الحياة السياسية عبر ترشحه في الانتخابات البلدية، وفازت قائمته بشكل واسع عام 1946، هكذا مارس السياسة بشكل علني، وفي الخفاء أسندت له مهمة الإشراف على الجناح العسكري «المنظمة الخاصة» مع كل من حسين كافي، محمود ولد زاوية ويونس بن عصمان. كغيره من مناضلي لوس يتعرض باجي لإلقاء القبض عليه بمقهى الرياضة في افريل 1950 دون أن تتعرف الإدارة الفرنسية على باقي أعضاء الأفواج التي تحت قيادته . وعن سجنه بدأ سلسلة استنطاقه في عنابة، وحسب ما أفادت به مديرة المتحف فقد اتسمت باستعمال العنف للضغط عليه من اجل الوصول إلى قدر كبير من المعلومات، تعرض خلال فترة الاستنطاق إلى التعذيب الجسدي المكثف والمتكرر رغم ضعف بنيته الجسدية. ليحول إلى سجن عنابة أين التقى بالعديد من مناضلي المنظمة الخاصة، ونسج علاقات حميمية زادته إصرارا على التمسك بالعمل النضالي لتحقيق النصر، فعمل على مناقشة الخطط العسكرية وزرع الحس الوطني في أوساط المساجين مع تقديم دروسا في محو الأمية. وواصلت حديثها قائلة أنه بعد فرار زيغود يوسف مع سجناء آخرين يوم 21 افريل 1951 أراد البقاء في السجن حتى لا يكشف أمر البقية، وبعد خروجه من السجن عام 1953، أعاد التواصل مع مناضلي «لوس» قصد الإعداد لتفجير الثورة غير مبالي بمضايقات الإدارة الفرنسية التي وضعته تحت المراقبة المكثفة. وبتاريخ 23 مارس 1954 ينشأ اللجنة الثورية للوحدة والعمل، والتي كان هدفها الكفاح المسلح. وبالموازاة مع ذلك، شارك في اجتماع مجموعة 22 في 25 جويلية 1954، بعدها عاد إلى سوق أهراس ليباشر التنظيمات والتحضيرات للثورة، كون أول فوج عسكري أسندت قيادته في أول الأمر إلى بدري محمد طرابلسي ثم إلى الحاج علي وعين رؤساء القطاعات عن الونزة ابن زيني بوبكر، عن مشروحة امحمد امسرار ، عن بوشقوف زنطار سليمان ، وعن منطقة الناظور عبد الله نواورية وكون ايضا اللجان المحلية كان دورها التعبئة، التموين، الاتصال، المراقبة وعلى رأسهم حريرش قدور، حمايدية حسن، بوطياب التجاني، ابن عزة قدور، نوري عبد الكريم، حمادة محمد الصالح ، وبوحوش الطيب. وأبرزت محدثتنا في هذا الاطار أنه قبل اندلاع الثورة توجه باجي مختار لعنابة للحصول على خريطة عسكرية، وبعض التجهيزات واللوازم فألقى عليه القبض من طرف الشرطة الفرنسية ليحققوا معه خاصة بعد شراء الآلة الراقنة، وأطلق سراحه في 31 أكتوبر 1954 ليعود مباشرة إلى سوق أهراس، ويعلمه الطبيب شوشان بقدوم ديدوش مراد إلى الناحية ويبلغه بالتعليمات، وهكذا تأخر باجي مختار في تفجير الثورة ليلة أول نوفمبر 1954. وعن تحطيم الجسر الرابط بين سوق أهراس والمشروحة قالت سمية بوعقبة كان بعد الهجوم على منجم البرنوس، حيث توجه الفوج إلى عين سنور وذلك لتهديم الجسر الذي يربط بين سوق أهراس والمشروحة عن طريق السكة الحديدية .بعدها تم تحطيم الجسر الرابط بين عين تحميمين وعين نقرة . ووقعت اشتباكات بمزرعة دالي بن الشواف قرب مجاز الصفا، في منتصف ليلة 20 نوفمبر 1954 وكانت بعد انسحاب باجي مختار ومن معه بعد تنفيذ العملية السابقة ، حيث تحركت قوات العدو وطوقت المزرعة وهذا على اثر وشاية من الخونة فحدث اشتباك بين الطرفين واستخدمت فيه القوات الفرنسية الأسلحة الأوتوماتيكية ومدافع الهون وطائرة حربية. انتهت المواجهة بسقوط باجي مختار شهيدا في ميدان الشرف والى جانبه كل من طرابلسي محمد، عنتر مسعود، محمد لندوشين وآخرين، واستشهدت معهم فتاة في السادسة من عمرها تدعى «شايب دزاير»، فكانت أول شهيدة جزائرية وتم أسر بكوش محمد، طيبي إبراهيم، هوام إبراهيم، حجار السعيد، بوقصة العيفة، روابحية لخضر، حراث شعبان ، كليعي الطاهر ، سنبل محمد لخضر ، ونجى من المعركة عبد الله نواورية وبلقاسم كركوب. وتتدخل شقيقة الشهيد زهرة لتحدثنا عن عائلتها قائلة: «الأم ففاني بوزمود من مواليد عنابة يوم 12 فيفيري 1886 تنحدر من أسرة برجوازية عريقة، والوالد هو حسان من مواليد يوم 22 جويلية 1882 بضيعة خاصة بالعائلة بمدينة عنابة ، جده حسان المدعو خليفة رجل فقه وأدب، أما الأب فله من الثقافة العربية والفرنسية، ما أهلّه ليشتغل في المحاكم كباشا عدل في كل من عنابة ،القل والذرعان وأخيرا يستقر بسوق أهراس أين تمتلك هذه الأسرة ضيعة كبيرة محاطة بأراضي زراعية واسعة تقدر ب 40 ار تعرف ببرج جوسي القريبة من المستشفى المدني . فقد باجي أمه في سن الثامنة ليتزوج أبوه مرة ثانية من يمينة رحمون بنت إحدى الأسر الريفية المشرفة على زاوية بني رحمون مقدمها الشيخ سي مسعود والد يمينة. مختار هو اصغر إخوته، مروان الأكبر فمحمد و06 اخوات من الزوجة الثانية للأب، ففي أحضان هذه الأسرة الكبيرة، نشأ على ما ينشأ عليه أبناء البيوت العلمية، وهي تقوم دائما على استقامة السلوك ومتانة الأخلاق.