عرفت سنة 2021 نقلة سياسية جذرية تضمنت مجلسا شعبيا وطنيا جديدا ومجالس محلية منتخبة ليبقى الشوط الثاني والمتمثل في التغيير الاقتصادي الذي وعد به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، اعتبارا من سنة 2022 العنوان البارز للسنة الجديدة. تميّزت سنة 2021 بأحداث وطنية سياسية، اقتصادية واجتماعية جعلت من الجزائر محطّ أنظار العديد من الدول والمتعاملين السياسيين والاقتصاديين ولقد أضفت هذه الأحداث زخما نوعيا على المسار العام للبلاد خصوصا مع العهد الجديد الذي تمت مباشرته بعد تولي رئيس الجمهورية مقاليد الحكم في البلاد و انطلاق الورشات الكبرى التي أطلقها تنفيذا لالتزاماته ال 54 أمام الشعب الجزائري فكانت الانتخابات التشريعية المسبقة اللبنة الأولى في مسلسل إعادة البناء المؤسساتي الوطني حيث انبثق عنها مجلس شعبي وطني جديد ضم في طياته خيرة الكفاءات الوطنية ، فكان لعنصر الشباب الريادة في تبوء مقاعد الغرفة السفلى للبرلمان بعد أن شارك في حملة انتخابية وشرح أفكاره وبرامجه للناخبين. وبما أن البرلمان هو أهم هيئة تشريعية تسنّ القوانين وتناقش السياسة العامة كان لزاما ضخ دم جديد بها تلبية لمطالب الشعب لإحداث القطيعة مع الممارسات البرلمانية السابقة التي أفرغت الغرفة السفلى للبرلمان من محتواها ودورها الحقيقي ... ثم جاءت بعد ذلك الانتخابات المحلية البلدية و الولائية والتي عرفت تنافس عدد من الأحزاب والقوائم الحرة فكانت هي الأخرى عرسا ديمقراطيا للشعب. هذه المحليات التي أسالت الكثير من الحبر نظرا لارتباطها بالواقع المعيشي للمواطن كون البلدية هي الخلية الأساسية للنظام السياسي الجزائري ، قبل هذا وذاك كان لزاما على الدولة أن تعيد النظر في قانون الانتخابات الذي وجّهت له الطبقة السياسية العديد من الانتقادات في صيغته القديمة خاصة في شطره المتعلّق بتمويل الحملة الانتخابية وما انجرّ عنها من تلاعب وتدخّل المال الفاسد في الانتخابات و شراء الذمم والقوائم الانتخابية بالإضافة لمنح النفوذ المطلق في تنظيم الموعد الانتخابي للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، والذي تعهّد القاضي الأوّل في البلاد على إنهائه من الحياة السياسية إضفاء للشفافية وللعمل السياسي النظيف ...، وكان مسك ختام سنة 2021 تنصيب أعضاء المحكمة الدستورية التي جاءت بمقتضى الدستور المعدّل، هذه المؤسسة الدستورية الهامّة التي نصّبت أسوة بالنظم الدستورية الحديثة التي يعرفها العالم والتي تعدّ الجزائر جزءا لا يتجزّأ منه وستعرف سنة 2022 انتخابات تجديد أعضاء مجلس الأمة ، الغرفة العليا للبرلمان حيث كان رئيس الجمهورية قد استدعى الهيئة الناخبة لها مع نهاية سنة 2021. انتخابات تشريعية تفرز خارطة سياسية بعد حل البرلمان للمرة الثانية في تاريخ البلاد، جرت انتخابات تشريعية مبكرة أفرزت خارطة سياسية جديدة مليئة بالمفاجآت وإن أبقت الأحزاب المسيطرة مع بروز متغيرات "ثقيلة" بالمعادلة السياسية أبرزها "المستقلون" الذين باتوا القوة السياسية الثانية في بالبلاد، وهي نتيجة تاريخية لم تعرفها الخارطة الساسة في الجزائر. وتعهّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بإطلاق إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة تعيد البلاد إلى مصاف الدول المتطوّرة وتخرجها من غياهب الممارسات السياسية للعهد الماضي. أما محطة الإصلاح السياسي الأولى لسنة 2021 فكانت الانتخابات التشريعية لتجديد أعضاء المجلس الشعبي الوطني في 12 جوان 2021، بنسبة مشاركة بلغت 23.03 بالمائة. وتصدّر فيها حزب جبهة التحرير الوطني المرتبة الأولى ب 98 مقعدا من أصل 407، ثم المستقلون ب 84 مقعدا، وثالثا حركة مجتمع السلم ب 65 مقعدا، ليحدث المستقلون المفاجأة السياسية بتربّعهم على عرش المراتب الأولى في تاريخ الجزائر، وهو ما ينذر بالتغيير السياسي الجذري الذي تعهّد رئيس الجمهورية بتجسيده خلال عهدته الانتخابية. وأدلى أكثر من 24 مليون ناخب بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية تشهدها البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي ، وتعتبر هذه الانتخابات هي سابع انتخابات برلمانية منذ 30 عاما. وفي مارس من نفس السنة، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون أمرا يحدد بموجبه الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد المطلوب شغلها في انتخابات أعضاء المجلس الشعبي الوطني أو الغرفة الثانية بالبرلمان والتي يبلغ عددها 407 وأعضاء مجلس الأمة المنتخبين البالغ عددهم 116. وتوزع المقاعد لكل دائرة انتخابية في انتخاب المجلس الشعبي الوطني بحسب عدد سكان كل ولاية، كما يحدد عدد المقاعد في كل دائرة انتخابية على أساس تخصيص مقعد واحد لكل 120 ألف نسمة على أن يخصص مقعد إضافي لكل حصة متبقية تشمل 60 ألف نسمة. وحدد القرار عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية للجالية الجزائرية بالخارج في انتخاب المجلس الشعبي الوطني ب8 مقاعد. وتمثلت المحطة الانتخابية الثانية في أجندة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في انتخابات محلية لتجديد المجالس الشعبية في 58 ولاية و 1541 بلدية والتي جرت في 27 نوفمبر الماضي، وكرّست الانتخابات حزب جبهة التحرير الوطني متصدرا لمجالس الولايات ب471 مقعدا، وحصل حزب جبهة التحرير في المجالس البلدية على 5 آلاف و978 مقعدا من إجمالي 24 ألفا 891، وفي اقتراع شكّل مرحلة حاسمة في تاريخ الجزائر أدلى الناخبون الجزائريون بأصواتهم في انتخابات محلية لتجديد المجالس المحلية بهدف الوصول إلى مؤسسات شرعية بأتم معنى الكلمة ، وكان رئيس الجمهورية قد عبّر عن تفاؤله بارتفاع نسبة المشاركة مقارنة بالانتخابات التشريعية مؤكدا، "أعتقد أن نسبة المشاركة ستكون أكبر في الانتخابات المحلية و الهدف هو الوصول إلى مؤسسات شرعية بمعنى الكلمة، وهو ما وصلنا إليه فلا أحد يمكنه القول أنه تم تغيير نتائج انتخابات المجلس الشعبي الوطني وهذا هدف وصلنا إليه". وتقدم لانتخابات مجالس البلديات 115230 مرشحا، بمعدل أربعة مرشحين عن كل مقعد، بينما ترشح للمجالس الولائية 18910 أشخاص، أي ثمانية مرشحين عن كل مقعد. ولا تمثل النساء سوى 15% من المرشحين، بحسب إحصاءات السلطة الوطنية للانتخابات، وقامت السلطات بحملة دعائية واسعة عبر المساحات الإعلانية في المدن ووسائل الإعلام تحت شعار "تريد التغيير، ابصم وأتمم البناء المؤسساتي" لحث الجزائريين على التصويت. وتعتبر الانتخابات المحلية ثالث انتخابات تجري منذ وصول عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجمهورية ،والذي تعهّد بتغيير كل المؤسسات الدستورية الموروثة . وفي 18 نوفمبر الماضي جرى تنصيب أول محكمة دستورية في تاريخ البلاد، نص عليها تعديل دستوري الذي جرى مطلع ذات الشهر من عام 2020. وتتشكل المحكمة من 12 عضوا، 4 منهم عيّنهم رئيس الجمهورية، بينهم رئيس المحكمة، بينما تنتخب المحكمة العليا عضوا واحدا، ومجلس الدولة أعلى هيئة للقضاء الإداري عضوا واحدا أيضا، وتستمر عهدتها 6 سنوات. أما الأعضاء الستة الآخرون فينتخبون بالاقتراع من أساتذة القانون الدستوري في جامعات البلاد. وعوّضت المحكمة الدستورية وبصفة رسمية المجلس الدستوري، كأعلى هيئة تشرف على مراقبة مدى دستورية قوانين الجمهورية وعلى رأسها نصوص الدستور، ويجسد هذا استقبال الرئيس عبد المجيد تبون، فريق المحكمة مباشرة بعد شروعه في مهامه. وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد وقع على مراسيم تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، طبقا للمادة 91 من الدستور، الفقرة السابعة، وكذا المادة 186 التي تتحدث عن كيفية تعيين واختيار تشكيلة المحكمة الدستورية، والمادة 188، التي تتحدث عن صلاحيات الرئيس في اختيار رئيس المحكمة الدستورية. واستنادا إلى نصوص دستور 2020، فإن المحكمة الدستورية ستحتفظ بكامل صلاحيات المجلس الدستوري، من قبيل السهر على ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية، والنظر في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية والمحلية والاستفتاء والإعلان عن النتائج النهائية لكل هذه العمليات، إلى جانب إخطارها بالدفع بعدم الدستورية، بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة. وتمّت إضافة صلاحيات استشارية جديدة لها، كما جاء في المادة 98 التي تتحدث عن استشارة رئيس الجمهورية للمحكمة الدستورية، في القرارات التي يتخذها أثناء الحالات الاستثنائية، لإبداء الرأي بشأنها، كما أضيفت صلاحية أخرى للمحكمة الدستورية وفق ما تنص عليه المادة 151 من الدستور، والتي تتحدث عن أخذ رئيس الجمهورية برأي المحكمة الدستورية عند تعذر إجراء انتخابات تشريعية خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، في حال قرر الرئيس حل المجلس الشعبي الوطني قبل ذلك. الصلاحية الأخرى التي أسندت للمحكمة الدستورية، هي تلك التي تضمنتها الفقرة الخامسة من المادة 94 من الدستور، والتي تتحدث عن الأخذ برأي المحكمة الدستورية، في حال تمديد أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية إلى التسعين يوما انية، في حال تعذر تنظيمها في تسعين يوما الأولى. التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمّة آخر محطّة لم يتبق من الاستحقاقات الانتخابي، سوى التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة والتي حدّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون موعدها في 5 فيفري المقبل. وجاء في القرار الرئاسي أنه "بمقتضى المادتين 121 و122، الفقرة 02 من الدستور، وقّع الرئيس عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا يستدعي بموجبه الهيئة الناخبة للتجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، الذي حُدّد تاريخ إجرائه يوم 5 فبراير 2022". وتجديد نصف مجلس الأمة يتم بخطوتين وفق مقتضيات الدستور، الأولى: عن طريق المجالس المحلية التي تنتخب ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 144 مقعدا، أما بقية الأعضاء فيعينهم رئيس الجمهورية وفق ما يسمى بالثلث الرئاسي. ويلزم الدستور رئيس البلاد بالدعوة لتجديد أعضاء مجلس الأمة بعد الانتخابات المحلية، ليستكمل بذلك أجندته السياسية بعد إجراء انتخابات تشريعية ومحلية، وهي الانتخابات التي أفرزت مشهدا سياسياً جديدا لم يعد فيه لأحزاب السلطة أثرا ودخلت عليه قوة بارزة هي المستقلون وصفوة القول ..أنّ السنة المنصرمة كانت سمتها البارزة التجديد في كل المجالات لاسيما من خلال إصلاح جميع القوانين المرتبطة بالشأن العام والتي ستساهم لا محالة في محاربة البيروقراطية وأساليب التسيير الإداري البائد الذي كان يشجّع الفساد ويعطّل المصالح الإستراتيجية للجزائر والتي خسرت من جرّائه الكثير من الاستثمارات .. لقد كان رئيس الجمهورية يشدّد في كل اجتماعات مجالس الوزراء التي شهدتها سنة 2021 على إحداث إقلاع تنموي حقيقي يكون الاقتصاد المتنوّع المتحرّر من هيمنة العلاقات العنوان الأبرز فيه فتجنّدت الحكومة برئاسة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان بصفته بتجسيد كل هذه التوجيهات الرئاسية العامة من أجل تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع مع مراعاة مقاييس الجودة والإتقان ، ذلك لأن الاقتصاد الوطني اليوم بحاجة إلى صناع حقيقيين وليس إلى رجال مال وأعمال همّهم الوحيد استهلاك القروض العمومية . و السنة الجديدة التي ستدخلها الجزائر ستكون بنظرة سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة يكون شراعها الصناعة التحويلية والغذائية والصناعة التجهيزية لا لشيء سوى أن عالم اليوم لا يرحم الاقتصاديات المهلهلة التي يأتي غذاؤها ودواؤها من الخارج الأمر الذي تفطّنت إليه الجزائر وبدأت رحلة الميل بأوّل خطوة استراتيجية وهي صناعة اللقاح المضاد للكوفيد محليا .