- أسرى جزائريون أُعدموا ليلة 13 فبراير بمنطقة "حموديا" هذه "رڤان الجزائر" تقف كل يوم من تاريخ 13 فيفري تواجه مخلفات جرائم استعمار مرّ عليها أزيد من 60 سنة، بعدما تناسيتم من أرادهم ديغول أن يكونوا فئران تجارب، فمزق أجسادهم وأعمى عيونهم وفرض عليهم وعلى أحفادهم المآسي إلى يومنا هذا. اثنان وستون سنة تمر على عار فرنسا في منطقة رڤان الواقعة على بعد 140 كلم جنوب عاصمة الولاية أدرار. في مثل هذا اليوم 13 فيفري 1960، استيقظ سكان منطقة رڤان على الساعة السابعة وأربع دقائق و38 ثانية، على وقع انفجار ضخم ومريع، جعل من 42 ألف مواطن من منطقة رڤان إضافة إلى مجاهدين حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للخبراء الصهاينة وجنرالات فرنسا على رأسهم الجنرال ديغول، حيث تذكر كتب التاريخ ومن بينهم الجنرال "لافو" الذي تحدث عن سبب اختيار منطقة رڤان لإجراء تجربة القنبلة الذرية في جوان 1957، وإبرازه في حديثه أن الأشغال بدأت سنة 1958، وفي أقل من ثلاث سنوات أوجدت مدينة حقيقية برڤان يقطنها 6500 فرنسي و3500 جزائري من سكان المنطقة، كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحددة لها، ليضيف الجنرال "لافو" أن تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية بلغت 1 مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الصهيونية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا والكيان الصهيوني في المجال النووي، بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا ستشهد سنوات الخمسينيات، أول مراحل التعاون في التراب الجزائري، بعد الصواريخ متوسطة المدى التي طورتها فرنسا للكيان الصهيوني وجربتها في منطقة بشار على مجاهدي الثورة التحريرية، والذي أطلق عليها اسم (باريحو) بالعبرية، ما يعني بلدة أريحا الفلسطينية باللغة العربية، فقد تم إنجاز هذا المشروع سنة 1957 بسرية وتكتم تامين. ففي صبيحة هذا اليوم المشهود تمت عملية التفجير تحت اسم "اليربوع الأزرق" تيمنا بلون علم الكيان العبري، وأول لون من العلم الفرنسي. هذا التفجير الذي سجل بالصوت بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير ب«حموديا" على بعد 60 كلم من مدينة رڤان. قبل التفجير بساعة واحدة فقط تم نقل الشريط مباشرة من رڤان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة. مدّ الكيان الصهيوني بالسلاح النووي أهم أهداف التفجيرات نجحت فرنسا ومعها الكيان الصهيوني في تجاربهما النووية المشتركة، وهما يدركان حق الإدراك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 24000 سنة حسب ما أكده الدكتور أوسيدهم مصطفى بمستشفى رڤان، من وقع الإشعاعات النووية التي لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين نبات وحيوان وإنسان أو حجر. ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك، بغية إظهار عظمتها للعالم مع مد الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سرا بأي ثمن. كانت أول قنبلة نووية سطحية وصلت طاقتها التفجيرية إلى حدود 70 كيلوطن، مأساة أطلق عليها مختصون اسم "اليربوع الأزرق" التي بلغت ثلاثة أضعاف تفجير قنبلة هيروشيما باليابان سنة 1945، في مشهد شدد الخبراء على أنه نووي بكل المقاييس. لاحظ سكان منطقة رڤان أن ثمة تحركات غير عادية للقوات الفرنسية التي اتخذت إجراءات صارمة ومراقبة السكان، استخدمت فيها الطائرات وازدادت حركة وتنقلات الآليات العسكرية، وتم إحصاء السكان وتسجيل وتصوير كل مكونات البيئة والمحيط ،من بشر وحيوانات ونباتات وخيم بسرية تامة. لم يخطر للسكان أنهم سيصبحون أهداف التجربة النووية، وأنهم فئران بشرية للمخبر الفرنسي. وزرع الفرنسيون والقائمون على التجربة كميات من البذور النباتية موضوعة بصناديق وطلبوا من السكان توزيعها ووضعها على مسافات معينة متباعدة عن مركز نقطة التفجير المقرر تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة نصف كيلومتر ثم طلبوا من السكان جمعها بعد التجربة، رغم علم الفرنسيين بأبعاد الأخطار المدمرة لحياة هؤلاء السكان من اقترابهم للمناطق الملوثة بالإشعاع والذي لا يزال أثره باقيا حتى اليوم على مسافات معتبرة عن نقطة التفجير. وزّع الفرنسيون على السكان "حروزا" وأوهموهم أنها تقي من الإشعاع لقد أوهم الفرنسيون السكان بتعليق أفلام التجسس الإشعاعي على صدورهم، وإخبارهم أنها "حروزا" تقيهم من شر الإشعاع. تلك "الحروز" تم جمعها لتقدير كميات الإشعاع حسب المناطق وبعدها عن موقع التفجير. ونقل الفرنسيون عددا من الأسرى المجاهدين والسجناء وعددا من اللفيف الأجنبي، ووزعوهم بشكل مدروس ومقصود على مسافات معينة عن مركز التفجير، ويقدر العديد من الشهود أن عدد أولئك الضحايا يتجاوز 150 شخصا، كانوا كلهم متساوين أمام الموت بالإشعاع، رغم علم دعاة حقوق الإنسان ورافعي شعارات الأخوة والعدالة والمساواة. أحد الشهود العيان من الذين تواجدوا قرب القنبلة النووية الأولى على بعد أمتار قبل التفجير، عبد الله من مواليد 1928 يروي القصة متحسرا على أرواح أولئك الذين أعدمتهم فرنسا بأبشع الطرق الإجرامية، يقول أنه لم يكن يعرفهم، لكنهم كانوا جزائريين مثله ويتساءل اليوم بأي ذنب فعل بهم المستعمر هذا الفعل، يومها كان عبد الله يعمل في شركة تبريد وتهوية في موقع التفجير، فكتب له أن يكون شاهدا على جريمة حية من جرائم فرنسا، يضيف عبد الله قائلا: "أن المستعمر أحضر شاحنة عسكرية كان يصطف على مثنها عدد كبير من الجزائريين فهم السكان ساعتها أنهم مجاهدون من حكم عليهم بالإعدام"، ليضيف مؤكدا أنهم ليسوا من المنطقة بل من الشمال الجزائري، فقد منعوا الجميع من التحدث معهم كانوا واقفين مكبلي الأرجل والأيدي لا يمكنهم الحراك حتى رؤوسهم كانت مثبتة بواسطة قضبان حديدية تمنعهم من الالتفات إلى اليمين أو إلى اليسار، لكن عيونهم كانت تنوب عنهم في الكلام -يقول عبد الله-، كما كانت هناك خيم منصوبة في نقاط متباعدة من نقطة التفجير وضع فيها مجاهدون ومدنيون بالقوة، بعد أن طلب منهم الانبطاح على وجوههم عند صوت الطائرة فيما غادروا هم المكان باتجاه رڤان المدينة. وبعد عودتنا في اليوم الموالي من التفجير بملابس خاصة -يقول شاهد العيان عبد الله-، لم نجد أي أثر لجثث بشرية ولم نستطع التعرف على الشاحنة التي تحولت إلى كتلة من حديد، أما الخيام ومن كانوا فيها فلم نجد لها أثرا يذكر، فقد نجم عن التفجير جبل أسود من الرماد لم يكن هناك قبل أمس .. في ليلة 12 فبراير 1960 طلب القائمون على الجريمة من السكان الانتظار في المواقع التي حددت لهم سلفا، أوصوهم بعدم فتح عيونهم و التغطي بالبطانيات والبقاء في العراء حتى الساعة السابعة صباحا، يقول أحد الناجين من المجزرة: "أجبرنا الجيش الفرنسي على الخروج من بيوتنا ليلة قبل الحادث، وذلك عند غروب الشمس أجبرنا على التمدد على الأرض وجوهنا نحو التراب رجالا وأطفالا ونساء، وركزوا على توصيتنا بغلق عيوننا ووضع أيدينا على أذاننا عند رؤية الطائرة وسماع صوت الانفجار ورؤية وهج الضوء. حالات إجهاض وإصابات بالعمى وسط سكان رڤان يوم الواقعة وحدث الهول وانقلبت الدنيا بما فيها من عصف واهتزاز وتطاير التربة وصوت الانفجار، ونسي الضحايا كل التوصيات تحت هول الضوء الساطع والقصف النووي الذي وصل لحظتها إلى 80 كلم/ ساعة، صاحبته ريح عاتية وعاصفة وهول اهتزت له الصحراء، ووصلت آثاره المناخية بسقوط أمطار سوداء فوق البرتغال وشرق آسيا. كما خلق الانفجار هوة سحيقة تعدى مدارها مئات الأمتار، وظل أثرها سنوات عديدة، وبقي الموقع ولا يزال مهجورا تغطيه طبقة من الغبار الذري تغوص به الأرجل حتى الركبتين. النتائج الأولية لهذه التفجيرات كانت مفزعة، 35 حاملا أجهضن وعدد كبير من سكان القصور أصابهم العمى الوهجي الذي طال من هم على بعد أكثر من 30 كيلومترا وأصيبوا بأمراض بأمراض عقلية. نقل الكثير من الأهالي إلى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم فقط دون إعطاء علاج. رقاني محمد بن هاشمي من مواليد 1937 كان وقتها يشتغل ممرضا بالقطاع الصحي الفرنسي رفقة الطبيب "بيشودوغي"، كان آنذاك الموظف الجزائري الوحيد ضمن القطاع الصحي الفرنسي بالمنطقة، يؤكد أن فرنسا تعمدت استعمال سكان القصور كفئران تجارب، خصوصا بعد إحصاء السكان لمدة 04 أشهر قبل التفجير دون استثناء أحد، قبل أن تخرجهم للعراء غطاؤهم يوم التفجيرات كان السماء تاركين بيوتهم خالية مفتوحة النوافذ والأبواب وهم وسط الصحراء. كما يروي محمد الرقاني أن الأرض التي وقع بها الانفجار أجدبت ولم تنبت عشبة واحدة منذ ذلك الوقت، وأن الحيوانات ماتت جميعها، كما أن الناس هناك ممن بقي حيا لاحظوا بعد العملية غرائب في ولاداتهم الجديدة وأمراض حصدت أرواحا عديدة، منها تقرح الجلد والسرطان، ولم يجد السكان تفسيرا لهذه الأمراض والظواهر الصحية الغريبة، ولم يعرف أولئك السكان البسطاء أن الأمر برمته نتيجة مباشرة للانفجار الذي اختارت فرنسا أن تكون أرضهم موقعه وأن يكونوا هم كباش فداء. إن شهادات من عايشوا فصول الجريمة النووية الفرنسية في رڤان وما بعدها، يؤكدون أن السلطات الفرنسية قد حفرت العديد من الأنفاق وجلبت الجرافات وأدوات الحفر دفنت فيها الكثير من المواد الملوثة والمستخدمة في التفجيرات. ولا يستبعد أن تدفن السلطات الاستعمارية بقايا النفايات النووية والضارة في مدافن الصحراء خلال تلك الفترة ،مما سيترك العديد من علامات الاستفهام عن المستوى الحقيقي للتلوث الناتج عن أربعة قنابل ذرية ونفاياتها الأخرى. جمعية 13 فبراير 1960 تجدّد مطالب تصنيف الجريمة وتطهير المنطقة والتعويضات وعشية الذكرى الأليمة، جددت جمعية 13 فبراير 1960 برڤان بولاية أدرار دعوتها إلى تصنيف التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا الاستعمارية بمنطقة "حموديا" قبل اثنين وستين عاما جريمة ضد الإنسانية بالنظر لما خلفته من آثار مدمرة على صحة الإنسان والبيئة. وأكد رئيس الجمعية سيد أعمر الهامل على مطلب الفعاليات المدنية بالمنطقة المتمثل في تصنيف التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء الجزائر جريمة ضد الإنسانية، معربا عن رفض كل أشكال التهرب والمماطلة التي تنتهجها فرنسا في مسار الاعتراف بهذه الجريمة النووية البشعة التي ارتكبت ضد الإنسان والبيئة. وأفاد المتحدث، بأنه يتعين إدراج هذه التفجيرات النووية ضمن البرنامج الدراسي بالمؤسسات التربوية كجزء هام من الذاكرة التاريخية للوطن. وأشار إلى أن المخلفات الإشعاعية الناجمة عن تلك التفجيرات النووية برڤان لا تزال تشكل كابوسا مرعبا يؤرق الحياة اليومية لسكان المنطقة . وفي هذا الإطار شدد سيد أعمر، على أن تكون التعويضات متوافقة مع حجم المعاناة الجماعية لهذه الجريمة، من خلال توفير مرافق وهياكل عمومية نوعية تساهم في الحد من تعرض السكان لمختلف الأمراض الناجمة عن الإشعاعات النووية بمنطقة رڤان. وأكد رئيس الجمعية أن الاعتراف بالجريمة وتطهير منطقة "حموديا" من مخلفات الإشعاعات النووية يبقى وحده العامل الكفيل بحماية البيئة العامة للمنطقة، وإنهاء مسلسل الخوف الذي ظل ملتصقا بحياة سكان المنطقة لا سيما في ظل توفر التكنولوجيات الضامنة لتحقيق ذلك. ومهما يكن فإن الواجب الوطني والقومي والإنساني يطالبنا جميعا بالكشف عن أبعاد الجريمة النووية الفرنسية فوق الأرض الجزائرية.