إدانة دولية واسعة ومخاوف من انفلات أمني خطير زحف متمردو الطوارق في شمالي مالي أمس صوب الجنوب لاحتلال المواقع التي جلت عنها القوات الحكومية، في الوقت الذي قتل فيه 03 أشخاص على الأقل خلال الانقلاب العسكري الذي نفذه صغار الضباط ليلة الخميس. وأحدث ذلك سيلا من الإدانات والضغوط الدولية على الانقلابين لإعادة الشرعية إلى البلاد، إلا أن الانقلابين أعلنوا حظر التجول وقرروا إغلاق الحدود. وقالت مصادر إن المتمردين يقتربون من البلدات الواقعة في الشمال الصحراوي مستغلين فيما يبدو الفوضى التي خلفتها المحاولة الانقلابية في العاصمة باماكو من ضباط صغار غاضبين من أسلوب الحكومة في مواجهة تمرد الطوارق. وقال ضابط في بلدة كيدال الشمالية إن المتمردين احتلوا الثكنة العسكرية في أنيفيس (100 كيلومتر جنوب غرب) بعد انسحاب القوات الحكومية. وبدوره أكد مصدر في تيمبكتو -وهي بلدة رئيسية أخرى في الشمال- أن الجيش انسحب إلى (غاو) ولم تعد هناك أي قيادة عسكرية وأضاف أن المتمردين يسيطرون على البلدات في الشمال. ومن جهتها أعلنت منظمة العفو الدولية أن ثلاثة أشخاص على الأقل قتلوا برصاص طائش أطلقه جنود في باماكو كما جرح 28 شخصا تعرضوا لسوء المعاملة. وكان مصدر عسكري مالي قال إن عسكريا متمردا قتل وجرح آخر الأربعاء. وتحدث الصليب الأحمر عن سقوط حوالي أربعين جريحا بينهم مدنيون. إدانات وضغوط : سياسيا، دعا مجلس الأمن الدولي أمس إلى العودة الفورية للنظام الدستوري والحكومة المنتخبة ديمقراطيا في مالي. وجاء في بيان أن الأعضاء الخمسة عشر يدينون بشدة الانقلاب في مالي، ويطلبون من العسكريين المتمردين ضمان أمن الرئيس أمادو توماني توريه والعودة إلى ثكناتهم. ومن جهته قرر كل من البنك الدولي وصندوق التنمية الأفريقي أمس تعليق تمويل دولة مالي، وذلك حسبما ورد في بيان مشترك. وأدانت دول ومنظمات عدة الانقلاب في هذا البلد الواقع بمنطقة الساحل، والذي يشهد حركة تمرد للطوارق في الشمال، بينما كان يفترض أن تنظم انتخابات رئاسية فيه في أبريل المقبل. وأعلنت فرنسا تعليق تعاونها السياسي والاقتصادي والعسكري، لكن السفارة الفرنسية في باماكو ستواصل نشاطها على الرغم من تجميد المبادلات السياسية. وطالبت الولاياتالمتحدة بالعودة الفورية للنظام الدستوري في البلاد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني في بيان إن واشنطن متضامنة مع الماليين والحكومة المنتخبة شرعيا للرئيس أمادو توماني توريه. وفي أمريكا أيضا أكدت المتحدثة باسم الخارجية فكتوريا نولاند عدم اتخاذ قرار بتعليق المساعدات الأميركية لمالي لكن مسؤولين أشاروا إلى أن هناك توجها لتعليق المساعدات البالغة 137 مليون دولار في إطار ما يسمى برنامج مكافحة الإرهاب. في السياق دان رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ الانقلاب العسكري في مالي وطالب من منفذيه انهاء تحركهم. وقال بيان للاتحاد ان رئيس المفوضية يدين بحزم هذا التمرد الذي يضرب الشرعية الدستورية ويشكل تراجعا خطيرا لمالي وللعمليات الديموقراطية الجارية على القارة. ومن جانبه شدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو على ضرورة الالتزام بالنظام الديمقراطي والاحتكام لشرعية صناديق الاقتراع. وأعربت الجزائرمن جهتها عن قلقها الشديد من الوضع في مالي وأدانت بشدة اللجوء إلى القوة مؤكدة أنها ترفض التغييرات المنافية للدستور. إغلاق البلاد: وعلى الصعيد الداخلي فرض الانقلابيون حظر التجول، كما سمع إطلاق نار متقطع في عدد من أحياء في العاصمة باماكو، وسمع تبادل كثيف لإطلاق النار بين الحرس الرئاسي ومتمردين طيلة ساعات عدة فجر الخميس. وأعلن أحد العسكريين الانقلابين بعيد ظهر الخميس أنهم أغلقوا كل الحدود حتى إشعار آخر، وذكر مصدر ملاحي مالي أن مطار باماكو أغلق أمس وألغيت الرحلات الجوية حتى إشعار آخر. وعلق عدد من وزراء الخارجية الأفارقة -الذين توجهوا إلى باماكو لحضور اجتماع حول أمن الساحل في فندق- أشغالهم إثر الانقلاب، بعد اجتماع للاتحاد الأفريقي شاركوا فيه في العاصمة المالية. مصير مجهول للرئيس المخلوع؟ أما بالنسبة لمصير الرئيس المخلوع أمادو توماني توريه، فصرح مصدر عسكري موال له ومصدر آخر قريب منه بأن الرئيس موجود في معسكر للجيش مع أعضاء من الحرس الرئاسي. وقال المصدر الموالي لتوماني توريه إن الرئيس موجود فعلا في باماكو وليس في سفارة، وإنه في معسكر للجيش يتولى القيادة منه. إلا أن المتحدث باسم الانقلابين -الذين أطلقوا على أنفسهم اللجنة الوطنية لإصلاح الديمقراطية وإعادة الدولة- رفض الإفصاح عن مصيره وفيما إذا كانوا اعتقلوه أو عن مكان وجوده مكتفيا بالقول إنه سليم وفي مكان آمن. وكان عسكريون يرتدون الزي الرسمي ظهروا على التلفزيون الحكومي الذي احتلوه منذ الأربعاء ليعلنوا إسقاط النظام غير الصالح في باماكو، وحل جميع المؤسسات، وتعليق الدستور. وقال المتحدث باسم الجنود المتمردين إنهم تحركوا بسبب عجز نظام الرئيس أمادو توماني توريه عن إدارة الأزمة في شمال بلادنا، حيث تقوم حركة تمرد يقودها الطوارق وتنشط جماعات مسلحة منذ منتصف يناير الماضي.