... الترميم هذا الحلم الذي تحوّل إلى حقيقة، استفادت منها بعض المباني والعمارات القديمة بوهران بعد طول إنتظار وترقب إلى أين وصلت نسبة الأشغال به، وهل سنحافظ من خلاله على خصوصية الوجه المعماري للمدن القديمة وعلى الجانب التاريخي فيها... كلها استفسارات وتساؤلات حاولنا الإجابة عنها في هذا الإستطلاع الخاص؟ توقفت أشغال ترميم وتهيئة البناءات القديمة بوهران بشكل ملفت للإنتباه، حيث تعطلت جميع الورشات التي باشرت العملية، وغادرها العمال وبقيت بها الأعمدة والسلالم الحديدية مغروسة تخيف السكان والمارة. قادنا هذا الفضول مرات أخرى إلى شوارع العربي بن مهيدي وخميستي ومعطى الحبيب، فضلناها لأنها تتوسط مدينة وهران، ولأنها كذلك، ما كان يجب أن يتعطل بها مشروع الترميم لسبب أو لآخر فكان يجب الالتزام بجميع القواعد والاساليب لإتمام مهمة حساسة ومتخصصة مثل هذه في أوقاتها المحددة، اختصارا لحركة المرور الصعبة التي تسببت فيها الاعمدة المغروسة على طول الأرصفة، التي أدت بالمارة إلى تفضيل المشي في الطريق المخصص للسيارات تفاديا لوقوع إصابات أو حوادث، كما حددت المدة التي تستغرقها الأشغال مابين 5 و6 أشهر. بحثنا عن المقاولين أصحاب هذه الورشات المتوقفة بأغلب الشوارع المذكورة فلم نعثر لهم على أثر، قيل لنا أنهم جمعوا أدواتهم وخصوصياتهم ورحلوا يطلبون مستحقات ما أنجزوه من أشغال لمواصلة وتكملة مابقي من ترميمات وإعادة تهيئة ولمسنا احتجاج السكان المعنيين والمواطنين بالمكان الذي تحول إلى فوضى عارمة يغمرها التراب والغبار. ويكون السبب الحقيقي وراء توقف ورشات الترميم عن عملها حسب مديرية البناء والتعمير التي تشرف على هذه المهمة رفقة ديوان الترقية والتسيير العقاري هو عدم مطابقة المؤسسات المقاولة لشروط إنجاز هذا النوع من الأشغال في جانب عدم توفر دفتر عرضها على أحد البنود المهمة التي تجيز لها دخول سوق الترميم وإعادة تأهيل المساكن القديمة، حيث تختص هذه المؤسسات في "كل الأشغال" (Tout corps d'état) وهو ما رأته المصالح المعنية بالمتابعة على مستوى الولاية غير مطابقا للقوانين والقواعد السائرة والمعمول بها في هذا الميدان، وطالبت المقاولات المعنية بإعادة مطابقة ملفاتها بإدماج بند أو تخصص التسقيف الكاتم للماء أو الحبيس للماء وهو ما يسمى بالفرنسية وبالمصطلح المعماري (étancheité) ويعني تقنية ترميم أسطح المباني حى لا تصبح عابرة أو نافدة للماء باستعمال الزفت والألمنيوم على ثلاث طبقات. وحسب المعلومات المستقاة من الجهات المعنية بالعملية، فإجراءات إعادة المطابقة تقترب من نهايتها وستعود مختلف الورشات إلى نشاطها مجددا كما ستتلقى مستحقاتها قريبا كما وعدتها المصالح الولائية. وفي هذا السياق يرى خبراء سوق البناء والترميم طرح إشكال كهذا بعد الشروع والإنطلاق في المشروع من سوء التخطيط والمتابعة فمثل هذه الشروط كان يجب التأكيد عليها قبل الإشهار بالمناقصات التي تم على أساسها اختيار المؤسسات العقارية التي تتوفر فيها شروط الكفاءة والمطابقة لإجراء مثل هذه الإنجازات والعمليات. وتهتم عملية الترميم لتجديد لوازم السباكة والسطوح لمنع تسرب المياه إلى الجدران والسقوف حتى لا يتأثر المسكن والأجزاء الرئيسية به وتصليح الأجزاء المشتركة كالسلالم والأروقة ومداخل العمارات، اضافة إلى تصليح واجهات العمارات والمباني وتصليحها وإعادة طلاءها. * تغطية مالية ب2200 مليون دينار وقد استفادت من عملية الترميم كما سبق الذكر 200 بناية قديمة كمرحلة أولى تتوزع على أحياء معطى الحبيب وخميستي والعربي بن مهيدي وستالين غراد وعدة بن عودة والصومام وبلاطو والمرسى الكبير وبلاطو، وكذا 400 بناية في مرحلة ثالثة تتواجد بشارع تلمسان وسان بيار وسيدي الهواري وخصصت الوزارة الوصية في قانون المالية التكميلي غلافا ماليا قدره 2200 مليون دينار لتغطية تكاليف ومستحقات الترميم تتوزع بمبلغ قدره 700 مليون دينار للدفعة الأولى من المباني (200 بناية) ومبلغا قدره 1500 مليون دينار للدفعة الثانية المقدرة ب(400 بناية) التي لم يتم تحديد تاريخ بداية الأشغال بها، فيما تحددت المدة الكفيلة بانتهاء الأشغال بنسبة 6 أشهر على أكثر تقدير، وتشرف على هذه العملية ست (6) مكاتب دراسات وحوالي 10 مقاولين جزائريين. ويجدر الذكر أن عملية الترميم التي حظيت بها هذه البنايات عرفت في بداية عرضها في وجه المناقصات الوطنية والدولية دخول الطرف الأجنبي كمهتمين بالمعمار الجزائري القديم وعارضين لخدماتهم وتجربتهم في هذا الميدان وكان منهم مترشحون إسبان وفرنسيين وأتراك إلا أنهم أقصيوا لارتفاع أسعار عروضهم مقارنة بعروض الطرف الجزائري والتي بلغت درجة المبالغة فيها حدود ال7 وال8 أضعاف. ووقع الاختيار في الدفعة الأولى المعروضة للترميم على 24 عمارة بشارع العربي بن مهيدي من أصل 120 عمارة تم اختيارها بهذا الشارع وحي خميستي و49 عمارة بشارع معطى الحبيب و31 عمارة بحي سيدي الهواري. وقد تم تسجيل مشروع ترميم هذه البنايات والاحياء سنة 2007، حيث أحصت مديرية التعمير والبناء 25 ألف مسكن قديم 19 بالمائة منها رأت وجوب إزالتها نهائيا لما تشكله من خطورة على السكان و29 بالمائة صنفتها في وضعية متوسطة و51 بالمائة بنايات سليمة في حاجة إلى ترميم وإعادة تهيئة لإعادة تأهيلها بالسكان وهو ما سمته بالخريطة المعمارية للسكن القديم بوهران. * سيدي الهواري بداية نشأة الباهية وبنفس الخريطة أحصت مديرية البناء والتعمير نحو 1238 بناية قديمة بحي الحمري وخصصت لها غلافا ماليا يقدر بواحد مليار دينار كما خصص للشطر الأول المحظوظ بالترميم بحي سيدي الهواري غلافا ماليا قدره 1.4 مليار دينار جزائري. وعرف المشروع في بدايته عدة مشاكل أعاقت انطلاقا منه في الوقت المحدد كالشروط التعجيزية التي رآها بعض المقاولين عائقا لهم في جانب العروض والاعمال المقدمة وعوائق مماثلة اعترضت بداية سير هذه الورشات خاصة مع رفض سكان هذه البنايات لتقديم يد المساعدة للعمال، لكن سرعان ما أزيل هذا اللبس وتم التفاهم بين المقاولين وأصحاب البنايات من أجل الصالح العام. وفي ذات الموضوع فقد كلفت عملية تشخيص المباني القديمة بوهران نحو 5 آلاف دينار جزائري للبناية الواحدة في حين تم تقدير تكاليف الترميم مابين 300 مليون و400 مليون سنتيم، كما تم الاستعانة بهيئة مراقبة البناء لتدعيم عملية التشخيص التقني للبناء القديم والمعالم الأثرية التي تزخر بها الولاية. وعلى ذكر حي سيدي الهواري فما تزال الدراسات والابحاث جارية لإعادة تأهيله وبعثه والحفاظ عليه كموروث ثقافي وحضاري يمثل بداية نشأة مدينة وهران، يجب العناية به وترميمه بأسلوب وهندسة معمارية حديثة وراقية تحفظ له قيمته التاريخية والأثرية وتصنفه في خانة المحميات الأثرية القليلة في العالم على غرار عدد من الاحياء القديمة التي تتوفر عليها دول البحر الابيض المتوسط. وفي هذا السياق فقد سبق ل"معماريون بلا حدود" وهي منظمة اسبانية مختصة في الهندسة المعمارية، أن دعت في عدد من اللقاءات التي نظمتها بوهران إلى ضرورة حماية سيدي الهواري بالشكل والصورة التي تم تهيئة بها مدينة قرطاجة وتصنيفه ضمن المعالم الأثرية لما يمتاز به من خصوصيات معمارية تاريخية وهذا في إطار مساعيها لمزج الحضارة المعمارية لمدن ساحل الأبيض المتوسط. وتحز في النفس ونحن نتحدث عن حماية الوجه التاريخي لوهران، الوضعية المزرية التي توجد عليها بناية قصر البلدية، التي استفادت من عمليات ترميم سابقة لكنها لم تجد نفعا فبقي الهيكل دون روح تهدده التشققات من كل جانب وحسب منتخبين بالمجلس الشعبي البلدي للعهدة الماضية فقد استفاد السطح من عمليتي ترميم متنت من قابلية وقوة تحمل القصر لعوامل الدهر وثقله كما استفادت الجدران الخارجية من نفس العملية أكثر من مرتين، استعمل في الأولى مادة الإسمنت وهو ما يتنافى مع المواد المستعملة دوليا في الحفاظ على الوجوه التاريخية للمدن القديمة، فتوقفت الأشغال تفاديا لخسارة وضياع الوجه الجمالي للمبنى. * قصر البلدية: التحفة المنسية واستفادت البلدية من عملية ترميم ثانية استعملت فيها تقنية التنقية بالرمال لكنها لم تتطابق مع نوع الحجارة المستعملة في بناء وإنجاز هذا المقر مما جعل القائمون على عملية الترميم يجمّدون العملية إلى حين. ويرى ذات المنتخب أن نوع الحجارة التي تأسس بها مبنى ولاية وهران تحتاج إلى عملية تحليل بمخابر خاصة للبحث عن نوعية المادة الملائمة لعملية الترميم، وهو ما يحدث بأغلب المدن التاريخية بحوض البحر الابيض المتوسط على غرار مايحدث بمدينة روما الايطالية ومدينة مونبولييه الفرنسية وكلاهما مدينتان تناظران مدينة وهران في الهندسة المعمارية وطبيعة المواد المستخدمة في بناء وإنجاز المدن التاريخية القديمة. وحسب عدد من الخبراء في الهندسة المعمارية فالطريقة المثلى للحفاظ على مقر البلدية "التحفة" هو التحليل المخبري لطبيعة حجارته وإلا ستكون كل عملية ترميم يستفيد منها مجرد ضياع للمال العام ودرّ الرماد في العيون كما يرى ذات الخبراء أنه كان من الواجب أيضا عرض البنايات التي تقرر ترميمها على مخابر مختصة من أجل الوصول إلى دقة في الأشغال ومطابقة في الاوصاف عكس ما سبق وأن وقع والذي يعد مجرد تلبيقات في الوجه العام والصورة الخارجية للبناية. وينتقد الوهرانيون اقتصار عمليات الترميم على الشكل الخارجي دون الغرف الداخلية التي توجد في حالة تآكل وترهّل مزرية وهو ما دفع أحدهم يقول "يالمزوّق من برّة واش حالك من الداخل" ودفعت ذات الصورة العديد من المواطنين المعنيين إلى مطالبة المصالح المعنية، برفع هذا اللبس وتعميم الاستفادة على الاجزاء الداخلية من منازلهم. أما المقاولون فيرون طرح بند المطابقة كشرط للعودة إلى الأشغال مجرد عائق واهٍ وكان من الأجدر حسبهم "مطالبتنا بإعادة إدماج هذا البند بالتوازي مع تماشي العمل بالورشات التي تعرف تأخرا كبيرا حال دون تقدم الأشغال. ويرى الخبراء بالمعالم الأثرية بوهران وجوب العودة بمهام قصر البلدية إلى سابق عهدها، كأن تخصص لاستقبالات رئيس المجلس الشعبي البلدي وإبرام مراسيم وعقود الزواج، ويتم نقل المصالح التقنية خارجها بالمبنى الذي اشترته مؤخرا مجسدا في نزل شاطوناف، وهي المهام التي تمارس بأغلب القصور التاريخية من هذا النوع. وعلى ذكر نزل شاطوناف، نقف مشدوهين أمام هذا المبنى الضخم الذي أرادت له أيادٍ غير مسؤولة أن ينمو في وسط معلم أثري كقصر الباي، ولعدم تناسق البناء الحديث مع البناء القديم، بقي الهيكل دون روح لأزيد من عشرين سنة... وهكذا تتهاوى المعالم الأثرية عندنا... وبالقرب من قصر البلدية وقصر الباي، يقبع مكسب آخر يزيّن هو الآخر ساحة أول نوفمبر التاريخية، إنه المسرح الجهوي عبد القادر علولة الذي استفاد من عمليات ترميم كثيرة تعاقبت عليه تعاقب المجالس الشعبية البلدية لكنه يظهر للعيان مهملا ومهترئا لأنه هو الآخر في حاجة إلى تحليل نوعية الحجارة التي تشكله. وتشكل ساحة أول نوفمبر، مجموعة من المعالم الأثرية ذات وزن ثقيل تحتاج لدراسة شاملة وواحدة حسب الخبراء ووَجُبَ أن تمتد هذه الدراسة إلى البنايات التي تجاورها، بحثا عن شكل معماري متناسق على غرار مدينة مونبيليي التي يقال أنها تشترك مع مدينة وهران في الايادي المعمارية التي أنجزتها فالزائر لوسط مدينة الباهية يتخيل له أنه يزور هذه المدينة الفرنسية القابعة بجنوب فرنسا.