في أول زيارة لها إلى وهران قدمت المخرجة الفرنسية كلوي سيالوم فيلمها الوثائقي الأول " نزهة كيدام ولامبدا بمتحف السينما، وهو العمل الذي أثار الكثير من الانتقادات والتساؤلات وسط الجمهور الجزائري الذي تفاجأ بطريقة تصوير المشاهد التي حصرت في نقل معاناة المشردين المغاربة في مارسيليا وطريقة عيشهم في الشوراع الفرنسية، هي مظاهر استفزت الكثير من المشاهدين العرب وجعلتهم يقرأون ما بين السطور ويطرحون تأويلات لا نهاية لها، كل هذا دفعنا للتقرب من المخرجة الشابة التي لم يكن لديها مانع في الاجابة عن تساؤلاتنا التي تمحورت مجملها حول هذا العمل الوثائقي: * الجمهورية : عند تقديمك للفيلم قبل عرضه بقاعة سينماتيك وهران أشرت الى أن القصة تدور حول شخصيتي كيدام و لامبدا لكننا تفاجئنا بتسليطك الضوء على الجالية المغاربية المهمشة في فرنسا فما هو السبب في ذلك ؟ - كلوي : فكرة الفيلم في الحقيقة تدور حول قصة الحب الكبيرة التي جمعت كيدام ولامبدا و خطة العمل التي اتبعتها في هذا العمل اقتضت مني إجراء مقابلات مع شخصيات حية تعيش في الشارع و لها دراية تامة بهذه القصة الحقيقية والأهم من ذلك أن هذه الشخصيات صورة مصغرة عن كيدام ولامبدا، إذ أنها تتقاسم مشاعر حب جميلة وتربطها صداقات قوية مما ينسيهم قسوة الشارع و مرارة العيش بهذه الطريقة، أنا لم أقدم هؤلاء الأشخاص على أنهم مشردين بل بالعكس حاولت أن أنقل للرأي العام انسانيتهم و عفويتهم و أكشف عن وجههم الحقيقي عكس ما يراه الناس فيهم على أنهم مشردين و لصوص، تصويري لهذه الفئة من الجالية المغاربية التي لم تستطع التأقلم مع النظام المعيشي للمجتمع الاوروبي , اذ أنني لم أجد مانعا في تصوير الحالة المزرية التي يعيشها بعض الجزائريين والمغاربة بكل موضوعية لاسيما وأن هؤلاء وجدوا أنفسهم مرميين في شوارع مارسيليا مشكلين ما يشبه " الجيتوهات " يتقاسمون فيها الحلو والمر، ما أريد إيضاحه أنني سعدت كثيرا بالتعامل مع شخصيات مغاربية و تحمست أكثر لتقديمي هذا الفيلم أمام الجمهور الجزائري لأنني متلهفة لمعرفة رد فعله بحكم أنه جمهور مغاربي . * الجمهورية : لكنك إعتمدت بكثرة على الشخصيات المغاربية باعتبارها شهود عيان وحاولت في نفس الوقت نقل معاناتهم في شوارع مارسيليا. فما هدفك من وراء هذه الاختيارات ؟ - كلوي :لا يوجد أي هدف أو نية سيئة بل بالعكس فأنا لم أختر هذه الشخصيات عن قصد بل حدث الأمر بفعل الصدفة , فعندما نزلت إلى شوارع مارسيليا التقيت بهم هناك و سرني كثيرا التحدث إليهم و الاحتكاك بهم، والأهم من ذلك أنني تفاجأت بالعلاقات الودية و الإنسانية التي تجمعهم وكأنهم أسرة واحدة، صحيح أنهم شخصيات مغاربية لكنهم مواطنين قبل كل شيء وأناس من لحم و دم وبطبيعة الحال لديهم مشاعر وعواطف، و الأهم من ذلك أنني أحببت فيهم رؤيتهم للحياة وتفاؤلهم رغم قسوة الشارع ومرارة العيش في الشوارع. * الجمهورية : ظهرت في بداياتك على خشبة المسرح وها أنت اليوم تلجين عالم الفن السابع من خلال هذا الفيلم الوثائقي، فكيف تقيمين هذه الخطوة وما هو الفرق بين الفن الرابع والسينما ؟ - كلوي :هذا صحيح فقد ولجت عالم الفن من خلال المسرح حيث أديت أدوارا عديدة في مجموعة من الأعمال المسرحية، وكانت بالبفعل تجربة مميزة بالنسبة لي كونها مكنتني من الوقوف أمام الجمهور و التواصل معه , كما سمحت لي بتفجير طاقاتي الإبداعية دون قلق أو خوف، والأهم من ذلك أن المسرح ساعدني كثيرا على الاحتكاك بالكثير من الفنانين الموهوبين في هذا المجال، أما السينما الوثائقية فالأمر مختلف تماما لأن هذا المجال يقتضي منا التقيد بمنهج واضح و شروط سينمائية معتمدة في عالم الفن السابع , و الأهم من ذلك العمل الوثائقي يستبعد الخيال و يستوجب سرد الحقائق بكل موضوعية دون إدخال العاطفة أو الذاتية. وأنا أعتبر السينما الوثائقية هامة جدا في تعزيز مسيرة أي مخرج سينمائي وأرضية صلبة للارتقاء في هذا المجال الصعب . * الجمهورية : هل وجدت صعوبات في تصوير هذا الفيلم الوثائقي ؟ و هل يمكن لها أن تجعلك تصرفين النظر عن إنجاز أفلام وثائقية أخرى وتتجهين نحو السينما الخيالية أو الإجتماعية ؟ - كلوي :لا أنكر أنني وجدت صعوبات جمة في انجاز هذا العمل الوثائقي بدليل أنني استغرقت عامين كاملين لإنهائه و عرضه أمام الجمهور , فالأمر لا يتعلق فقط بالفكرة التي عالجتها لكن هذا النوع من العروض السينمائية يقتضي الكثير من الموضوعية و الحذر في تصوير المشاهد ناهيك عن الالتزام بالمصداقية في تناول المواضيع و اجتناب كل ما يحرفها عن اتجاهها و غيرها من الأمور التي تعد من بديهيات تصوير الأفلام الوثائقية , و هذا تماما عكس أفلام الإثارة و الخيال التي تعطينا مساحة أوسع لتوظيف الخيال و التلاعب بالشخصيات و ربما لن يأخذ تصويرها كل هذا الوقت، وعليه فقد رأيت أنه من الضروري أن أدخل تجربة السينما الوثائقية من أبوابها الواسعة حتى تكون عندي أرضية خصبة للإبداع في مجالات فنية أخرى. ولا أفكر بتاتا في الإبتعاد عن السينما الوثائقية فمن الممكن أن تروني في أفلام أخرى خلال الفترات المقبلة ولم لا ؟؟ * الجمهورية :هل هناك مشاريع سينمائية أخرى في أجندة كلوي سيالوم ؟ - كلوي : نعم، أنا أعكف حاليا على تحضير فيلم سينمائي جديد من نوع الخيال بعنوان "لي غريغور"، والذي من المنتظر أن يعرض بقاعات السينما الفرنسية خلال الربيع المقبل، وهو أول فيلم خيالي أقوم بإخراجه طبعا مما يجعله تجربة جديدة لي في عالم الإبداع السينمائي الخيالي، الفيلم الذي باشرت في تصويره منذ ثلاث سنوات تدور أحداثه حول مجموعة من المسلمين الذين يعيشون في قرية معزولة ويتقاسمون مجموعة من الأحلام , فيعيشون أحداثا خيالية ومثيرة تغير من نمط حياتهم و تجعلهم يكتشفون أمورا كانوا يجهلونها من قبل.