* الجزائر ليست مجبرة على طلب الإستشارة الدولية لحل أزمة الرهائن الجمهورية : ماهي قراءتكم للعملية العسكرية للقوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي بموقع الغاز تيقنتورين بعين أمناس لتحرير الرهائن الجزائريين والأجانب؟ د. بوسلطان:في الواقع ما جرى بعين أمناس من حوادث لا يمكن فصلها عن الجو السياسي والأمني العام بمنطقة الساحل وبإعتراف الرئيس الفرنسي نفسه الذي أكد أن ما عاشته منطقة عين أمناس له صلة مباشرة بالعمليات العسكرية للقوات الفرنسية بمالي. وما قامت به قواتنا الخاصة التابعة للجيش الوطني الشعبي فاق كل التوقعات وبعيدا عن انتمائي لهذا البلد العزيز وكملاحظ ومختص في العلاقات الدولية فإن العملية العسكرية لهذه القوات الخاصة كانت ناجحة بالنظر إلى الإحترافية العالية التي أبانتها عناصر الجيش والتعامل الجيد والأمثل مع الجماعات الإرهابية . وكذا بالنظر إلى قلة الضحايا بما أن عدد الرهائن من الجزائريين والأجانب تجاوز 600 رهينة والمتوفين منهم أغلبهم تم اغتيالهم على أيدي المجرمين. الجمهورية : رغم نجاح العملية إلا أن الجزائر لم تسلم من الإنتقادات اللاذعة فما تفسيركم لهذا سيدي؟ د. بوسلطان: في الحقيقة الإنتقادات لم توجه للجيش بصورة مباشرة وإنما إلى السلطات الجزائرية ولعلّ الإنتقاد الوحيد المباشر والذي أزعجني هو الصادر عن اليابان التي استدعت السفير الجزائري لديها وأوفدت وزيرا لها إلى الجزائر قصد جلب أكثر توضيحات عن الحادث. الجمهورية : وماذا عما تناولته الصحافة الأجنبية من انتقادات للسلطات الجزائرية ساعات بعد الإعلان عن التدخل العسكري للقوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي؟ د. بوسلطان: يجب أن نوضح هنا أن الأمر ضخمته الصحافة التي وجدت فيه مادة دسمة أسالت الكثير من الحبر عبر صفحات الجرائد و تصدرت نشرات الأخباروالفضائيات الجمهورية : تعني هنا الصحافة الأوروبية باعتبار أن الإعلام الجزائري صبّ في قالب واحد وهو مصلحة البلاد؟ د. بوسلطان:أنا هنا أؤكد على الصحافة الفرنسية بالخصوص، لأنني تابعت بأكثر اهتمام الصحافة الأجنبية، فالاعلام البريطاني كان أكثر موضوعية في حين ذهبت بعض وسائل الاعلام الفرنسية الخاصة (المستقلة) إلى تشويه بعض الأخبار ومحاولة الاصطياد في المياه العكرة الجمهورية : دكتور بوسلطان هل حقا تدخل الجيش الجزائري جنب البلاد كارثة لا يحمد عقباها في حالة تأخرها عن التحرك السريع لاحتواء أزمة الرهائن ؟ د. بوسلطان: أكيد، هذا لا شك فيه لأن الإرهابيين أرادوا أن يكون ضحاياهم أكثر بالنظر لعدد الرهائن أجانب كانوا أو جزائريين، ناهيك عن التخريب الذي كانوا ينوون القيام به من تفجير الموقع الغازي لأن في ذلك تحريك للرأي العام الدولي وإحداث ضجة إعلامية كبيرة تحسب لهم، لكن التدخل العسكري كان الطريقة الأمثل، واستطاعت الجزائر من خلاله اسكاتهم بهذا الشكل وبهذه السرعة، لأن هدفهم من الحادثة إذا تطورت كما خططوا لها هو التأكيد على قّوتهم وتواجدهم. الجمهورية: العملية العسكرية الناجحة للجيش الوطني الشعبي فسرته بعض الأوساط بمحاولة الجزائر استعراض عضلاتها وأنها ليست دولة هشة يمكن اختراقها فيما ذهبت أوساط أخرى إلى تشبيهها (العملية) بالطريقة الروسية لاحتواء متل هذه الأزمات . فما تعليقكم ؟ د. بوسلطان: حقيقة كان هذا باديا على الصحافة الفرنسية الخاصة التي حاولت تشبيه تعامل الجزائر مع ما جرى بعين أمناس بالطريقة والنهج الروسي وأعطى مثالا على ذلك حيث ذهبت بعض التقارير الإعلامية الفرنسية إلى تسمية الإرهابيين عند حديثها عن موقعة تيقنتورين بالنشطاء والجهاديين في وقت وصفتهم بالإرهابيين عندما قصفت معاقلهم بمالي من قبل القوات الفرنسية ، وهذا يعني إعطاؤهم صفة الشرعية في حادثة عين أمناس ناهيك عن حذفهم لمقطع من خطاب ديفيد كامرون الوزير الأول البريطاني الذي يقول فيه (وتابعته مباشرة) «نحن نثق في الجزائر وإذا وقعت خسائر فإن المسؤولية يتحملها الإرهابيون» واكتفت هذه الصحافة بالتركيز على المقطع الأول لنفس المسؤول المتعلق بعدم استشارة الجزائر لبريطانيا في العملية العسكرية وغياب المعلومات من الطرف الجزائري . الجمهورية : وماذا عن الطريقة الروسية ؟ د. بوسلطان: نعم القوات الروسية تدخلت مرتين عسكريا الأولى عند اقتحام الارهابين للمسرح والثانية لمدرسة ولو تمكن الإرهابيون من المتفجرات لكانت الكارثة ، هذا وحاولت بعض الأوساط الإعلامية ربط زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر وسماح هذه الأخيرة للطائرات الحربية الفرنسية بإختراق أجوائها بموقف فرنسا الداعم للعملية العسكرية للقوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي لإحتواء أزمة الرهائن بمنطقة تيقنتورين، لكن فرانسوا هولاند برر دعم باريس للجزائر في تدخلها العسكري بما يجري في مالي وتواجد القوات العسكرية الفرنسية بالمنطقة لدحض الإرهابيين الهمجيين والطريقة التي تعاملت بها الجزائر مع هؤلاء الدمويين بعين أمناس هي المثلى ولا علاقة لها بالسماح للطائرات الحربية الفرنسية عبور الأجواء الجزائرية . س : وماذا عن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية المتردد من الحادثة ؟ ج : أمريكا مواقفها بطيئة إن صح التعبير فتصريحاتها الأولية لم تكن ضد تحركات الجزائر فقط قالت أنها لاتملك معلومات أوضح لاتخاذ القرارات وهذا معروف عن الولاياتالمتحدةالأمريكية والأمثلة كثيرة على ذلك فمثلا في وقت النزاع الليبي لم تعترف مباشرة بالثوار وإنما التزمت الصمت إلى حين وضوح الرؤية أيضا بمالي أخذت وقت للإفصاح عن موقفها مما يجرى نفس الشىء بالنسبة للثورة المصرية . س : ولماذا لانربط تأخرموقف واشنطن بمصالحها بالمنطقة ؟ ج : لالا أظن ذلك فالأمر متعلق بسياستها الخارجية وما هو معلوم أيضا أن مجلس الشيوخ الأمريكي « الكونغرس » يشارك رئيس الجمهورية في الإعلان عن المواقف وإتخاذ القرارات وتسيير السياسة الخارجية لهذا موقف أمريكا يمكن وصفه بالحذر ومحاولة أخذ الحيطة وهي ميزة السياسة الخارجية بواشنطن رغم أن الأمريكان يفكرون في مصالحهم الإقتصادية أكثر من الجانب الإنساني س : بصفة كم خبيرًا في القانون الدولي هل يسمح هذا الأخير للجزائر بتبني التدخل السياسي لحل مثل هذه الأزمات ؟ أم يلزمها إستشارة البلدان المعنية بالرهائن ج : الاستشارة هناك كانت بطلب من اليابات خاصة وبريطانيا قالت أنه حبذا لو تما اخطارها بما يجري وهنا وأعني إعلام دول المعنية بالرهائن من باب الصداقة أمر عاد أما وجوب الاستشارة فهذا مساس بالسيادة الوطنية وتدخل في شؤون الدولة . القانون الدولي يمنح كامل الصلاحيات كي تتعامل مح حدث مثل هذا النوع والمتعلق بأمنها الوطني وبترابها ومنشاتها بما تراه مناسبا وتحميل فرنسا وبريطانيا المسؤولية للإرهابيين إبعادها عن الجزائر يعني أنه لايترتب عليها أي إجراءات أو مسؤولية دولية * وهل يمكن أن تطالب الدول التي فقدت رعاياها خلال الحادثة ، الجزائر بالتعويضات؟ لا أظن ذلك والأكيد أن المؤسسات النفطية تتكفل بتأمين موظفيها في مثل هذه المواقع الغازية من كل الأخطار المحدقة خاصة وأن الأمن الداخلي لموقع الغاز بتيقنتورين كانت تتكفل به مؤسسة خاصة يسيرها أحد الفرنسيين الذي كان من بين الضحايا والجزائر ليس لديها أي مسؤولية في ذلك . * هل هناك مخاوف من تكرار مثل هذا السيناريو الإرهابي على موقع آخر للغاز أو النفط بالجزائر بعدما جرى ويجري بمالي ؟ الأكيد أن المخاوف موجودة منذ خروج الجزائر من العشرية السوداء وتسييرها الجيد للأزمة الخطر تضاعف بعد العملية العسكرية لفرنسا بمالي حتى ولو لم يكن للجزائر أي دور في ذلك أنه الضغط الذي ستفرضه القوات العسكرية الفرنسية على هذه الجماعات الإرهابية بمالي سيجعلها تحاول الخروج والهروب من مسرح العمليات إلى دول الجوار فالخطر هنا ليست الجزائر الوحيدة المعنية به وإنما كل دول الساحل لا سيما موريتانيا بشكل كبير وأكثر من الجزائر بإعتبار أننا نملك ما يكفي لصد تحركات الإرهابيين الدنيئة خاصة وأن حدودنا الآن هي محروسة بصورة جيدة وبإمكانيات جد متطورة * ألا ترى سيدي أن بعد حادثة تيقنتورين يجب على الجزائر إعادة النظر في إستراتيجيتها الأمنية المتعلقة بحماية المنشآت النفطية من أي اختراق؟ يهظر لي أن بعد العشرية السوداء قامت السلطات الجزائرية بتأمين مواقعها النفطية بالصحراء هذا لا غبار عليه وحتى إبان تلك الفترة حيث لم تشهد أي حوادث بإستثناء تخريب بعض أنابيب الغاز والأكيد أن بعد ما جرى بإليزي ستكثف السلطات إجرءات الوقاية وحماية مثل هذه المنشآت الاقتصادية الاستراتيجية الهامة.