الحديث عن «عرش أولاد أنهار» يعيد الذاكرة الى قرون خلت بشكل خارطة ولاية تلمسان في أقصى جنوبها محتلا مساحة شاسعة أغلبها جبال ومراعي وأراضي مردودها السنوي لا يحقق الإكتفاء الذاتي... معنى ذلك ان هذا العرش يعتمد أساسا على تربية المواشي، فهم عرب لاتزال التقاليد تهيمن على حياتهم رغم العصرنة والتحدث المفرط ولعل ما يتميز به سكان عرش أولاد أنهار تمسكهم الشديد بالعادات والتقاليد، فقد عرف عنهم كرمهم الخاتمي والتواصل الفعال. «أولاد أنهار» يعرفهم الكثير بالرقصة الشعبية «رقصة العلاوي» التي كان لها باع طويل في الداخل والخارج، والملفت للإنتباه أن (رقصة العلاوي) منتشرة بشكل واسع في «عرش أولاد أنهار» فلا تجد بيتا ولا حيا ولا قرية إلا وكان شبابها يتقنون الرقصة ويؤدونها وفق المواصفات والتقنيات التي ورثوها أبا عن جد أطفال، شباب كبار وحتى شيوخ يمارسون الرقصة الشعبية كلما سمحت الظروف خاصة أثناء الولائم والأعراس، وقد يكلف ممن تستهويهم الرقصة مشقة التنقل نحو جهة معينة من أجل حضور وليمة تزينها أنغام «الڤصبة» و«البندير» بل ليؤدي (رقصة) تحت أنظار المدعوين والجمهور الذي غالبا ما يزداد عدده عن المتوقع.. فرقصة العلاوي) تحرك في الشخص المولوع بها أشجانا داخلية لأنها تتم وفق إيقاعات البندير، ورغبات الراقصين من «عريشة» و«اسبايسية». مرفوقة بحركات الراقصين من هز للأكتاف وكرحات الأرجل المتناسقة لمجموعة من الشباب إرتدت لباسا عربيا موحدا ترصعه خيوط تعرف «بالحمايل» تتحرك بدورها شمالا وجنوبا وفي كل الإتجاهات كلما تحرك صاحبها... ويحز في نفسي وأنا أرى فرقا هاوية لا شأن لها (برقصة العلاوي) تتطفل عليها بداعي التطور الفني.. عجبا!!! فأين هو هذا التطور؟ اذا كان يحرف الأصل، فرقصة العلاوي تبنى على إيقاعات وحركات وسكنات ولا يمكن تغيير صورتها مهما تطورت الأزمنة، فالأصل أصل والأصيل أصيل والمعدن الأصيل لا يتغير لونه (رقصة العلاوي) لن تتأثر لأنها نابعة من أصول حية لا تموت، فإذا ذكر «عرش أولاد أنهار» ذكر (العلاوي) وما أدراك من العلاوي... ولا نغادر منطقة أولاد أنهار لنعرج على عادة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى متجذرة تكمن في ولع سكانهم بتناول الشاي الحاضر طيلة اليوم (فالنّهاري) قد يستغني عن أشياء كثيرة لكنه غير مستعد للتفريط في (جرعة شاي) ولذا عرفت قبائل «عرش أولاد أنهار» بتعاطيها الشاي كما تتعاطى مع الهواء، يقدم في كل الفترات دون استثناء مع فطور الصباح، منتصف النهار، مساء، ليلا وقد يزداد الإعداد له بين هذه الفترات حتى صار يطلق على سكان أولاد أنهار أنهم مدمنو الشاي والشاي عندهم له قواعده، فإعداده يتطلب (أولا) وسائل خاصة كالبراد والكؤوس والطبق الفضي واربيعة والزنبيل والمقراج وكلها أدوات يحرص النهاري على اقتنائها حتى ولوكانت بثمن مرتفع، فالعيب كل العيب أن يحضر الشاي في أدوات المذكورة آنفا والمعروفة في الوسط «بليقامة» فكل بيت لا يخلو من «ليقامة» فربيعة مستطيلة الشكل تخصص لوسع السكر الحجري أي (سكر القالب) والزنبيل لوضع الشاي، والبرّاد ينبغي أن يكون من النوع الجيد إما براد 16 او براد 24 والمقصود هنا الكمية التي يستوعبها البرد 16 كأسا أو 24 كأسا وفق عدد الحضور في الجلسة إضافة الى زنبيل آخر خاص يوضع فيه النعناع، أما (المقراج) فهو خاص بتغلية الماء وإعداد الشاي يتطلب مهارة كبيرة عند المعد والا سيعرض نفسه للتهكم والسخرية ولذا فغالبا ما يختار شخص معروف في الوسط بحذاقته في إعداد الشاي. وشاي أولاد أنهار ينبغي أن يكون داكن اللون يميل الى لون العسل وحلو مذاقه عذب، فإذا غابت هذه المواصفات اعتبر «اشلالة» وكأن الشاي يشبه المياه المستعملة في تنظيف الأواني المنزلية بعد استعمالها، ولذا فالكل يحرص على أن يتعلم كيف يعد الشاي من منطلق المحافظة على هذا الموروث الشعبي.