تطورت الأمم، وارتقت بفضل التربية والتعليم،حيث يحتل هذا القطاع حيزا هاما بل يتم التركيز عليه قبل غيره في المجتمعات التي تحتل اليوم دورا رائدا في مجال العلوم والتكنولوجيا بعدما كانت بالأمس ضمن الدول التي لا يسمع لها صوت. ولعل خير دليل على هذه الدول ،كوريا الجنوبية التي كانت إلى وقت قريب من الدول المغمورة لكنها بفضل حرصها الشديد على العلم والتربية والإستثمار فيه يزغ نجمها وأضحت تقارع الدول المتطورة ، في أهم الإبتكارات العلمية والتكنولوجية، وتصدر للعالم، أجمع منتجاتها. هذا مثال بسيط على كوريا الجنوبية وغيرها، حيث أثمرت مجهوداتها وأعطت ثمارها، نتيجة نظام صارم لا يتساهل مع المتلاعبين بمصير الأجيال، ويعتمد على الدقة والإنتقاء والحرص على التربية السوية قبل حشو العقول بمعلومات لا يفقهون معناها. وما حدث بكوريا الجنوبية الغربية الراقية عكسناه نحن في بلدنا، إذ نصب الإهتمام بالدرجة الأولى على الجانب المادي على حساب التربية والتكوين وانفصل التعليم عن التربية، فضاع الهدف وأصبحت الجزائر في المرتبة 100 عالميا فلا أنتجب المدرسة الجزائرية متعلما في المستوى يضطلع بما يدور حوله ولا مربيا يحسن إدارة شؤون المجتمع وكل ما نجحت فيه تحصيل الأرقام وجمعها لنتفاخر في النهاية بأرقام طويلة نعجز حتى عن قراءتها ، من التلاميذ ممن التحقوا بالمدارس أو تخرجوا منها، بشهادات عبارة عن ورق مقوى فارغة من المحتوى مثل فراغ عقل صاحبها وحاملها. فكثير من أبنائنا فازوا بالشهادات والتحقوا بالجامعات وتخرجوا منها في اختصاصات مختلفة، دون معرفة هذا الإختصاص أو إن لم نبالغ لايحسنون تحرير جملة سليمة، خالية من الأخطاء الإملائية والنحوية كما هو حال الكثير من طلبة الأداب. هذا في مجال العلم، أما التربية فأحوالها لا تطمئن كذلك إذ طغى العنف والتسيب على المؤسسات التعليمية، ولم يعد يقتصر على الثانوية أو المتوسطة، أنما طال حتى المدارس الإبتدائية التي لم يصل روادها سن المراهقة بعد. فأضحت تصرفات التلاميذ تبعث على القلق، لأنها تجاوزت في بعض الأحيان كل الأعراف والمبادىء وما كان بالأمس لايمكن للعقل تصوره، بات اليوم أمرا مألوفا، لاسيما الإعتداء الذي تجاوز كل مداه ليصل إلى المعلم، فكم من تلميذ ضرب معلمه أوأستاذه وأصبحت الأمواس والآلات الحادة تدخل إلى المدارس وتعوض الكراريس والكتب، وعليه لم يعد غريبا علنيا إذا سمعنا أن هذا الأستاذ تعرض لضرب مبرح من قبل تلميذ أو مجموعة من التلاميذ في هذه الولاية، أو ذاك التلميذ جرحه زميله بحديدة تسبب في وضع عشرة أو أكثر من الغرزات في وجهه، أو هؤلاء التلاميذ يحملون غازات مسيلة للدموع وسلاسل من حديد لإرهاب زملائهم في تلك القرية،فالعنف ساد كل المناطق ولم يعد يقتصر على مدينة أو قرية بعينها لنتساءل أين يكمن الخلل هل في الأسرة التي لم تعد تؤدي دورها، أم في المربي والمعلم أم في المنظومة، أم في المجتمع ، أم في كل هؤلاء مجتمعين لاشك أنه سؤال محيرّ ولا بد من إيجاد الجواب له ورحم الله زمانا، كان فيه التلميذ يغير الشارع أوالطريق الذي يسير فيه عندما يرى معلمه، لا شك أنه ليس خوفا فقط إنما إحتراما له.