يعدّ الجامع الكبير من بقايا دولة الملثمين الذي قاموا ببناء هذا المرفق الديني عام 1136 من شهر أفريل وقد تم التشييد على يد ثاني أمراء المرابطين السلطان أبو الحسن علي ابن يوسف بن تاشفين وأشرف على عملية البناء كما سجل وكتب على ذات القبة هذا النص: »بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما هذا مما أمر بعمله الأمير الأجل علي بن يوسف بن تاشفين أيد الله أمره وأعز نصره وأدام دولته وكان إتمامه على يد الفقيه الأجل القاضي الأوصل أبي الحسن عبد الرحمان أدام الله عزهم فتتم في شهر جمادى الأخير عام 530 هجرية« وهذا دليل على أن أعداء السلطان المرابطين لم يكشفوا إسمه من التاريخ الذي دوّن بهذه الكتابات التاريخية إثباتا لما قام به في عهده، حيث تم محو إسم ذات الأمر من السجل فقط من طرف المعادين له، وقد حكم بن تاشفين دولة المرابطين بالجزائر (تلمسان) بعد إتمام المسجد الكبير الكائن بوسط تلمسان تسعة أعوام فقط وأنتهت سلطنتها بمرور إحدى عشرة سنة فور الفراغ من جاهزيته، ويجد أي متمعّن بالجامع تدوينات أخرى بمنطقة المحراب فيها »بسم اللّه الرحمان الرحيم وإذا قرئ القرآن فإستعموا له وأنصتوا لعلكم ترحمون« وفي المربع الغربي للمحراب نجد »نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين« »يا أيها الذين آمنوا اركعوا وأسجدوا وأعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون« وفي المربع الشرقي له أي بالمحراب كتب: »في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه يسبّح له فيها بالغوّ والأصال رجال« أما في اللوحة المثبتة في جدار المسجد القبلي عند الزاوية الغربية الجنوبية »سجل«: أمر بعمل في الخزانة المباركة للسلطان أبو حمو ابن الأمراء الراشدين أيد الله أمره وأعز نصره ونفعه بما وصل ونوى وجلعه من أهل التقوى والتي جسّدت لوضع المصاحف الشريفة يوم الخميس الثالث ذي القعدة عام 760م، إن هذا الجامع الذي يعتبر من الكنوز الحضارية تقدر مساحته الإجمالية حوالي 4000 متر مربع ومساحة قاعة للصلاة تبلغ 2700 م2 واللتان بقيتا على حالهما منذ تشييد المرفق من طرف الأمير المذكور الذي قدّر طاقة إستعاب عدد المصلين 5400 مصلي وقد أنهى بناءه السلطان الزياني يغمراسن المسمى »بن زيان بن ثابت« مؤسس الدولة الزيانية التي كانت عاصمتها تلمسان بحيث ركز على بناء المنارة البالغ علوها 35 مترا وبني أيضا منارة المسجد الإدريسي بمدينة أغادير الواقعة بالجهة الشمالية لتلمسان ولا تبعد إلا بعض الأمتار القليلة جدا. ولم يترك للزياني إسمه كدالة على ذلك لإخفاق الصدقة وتواضعا لربه في فعل الخير عام 764م. بالإضافة الى هذا وضع الزياني بالقبة المركزية شكل جميل جدا يتدلى منه ثريا كبيرة والتي تحتوي على إيقاد الشموع أيام السنة كاملة ويتمتع الجامع بثمانية أبواب منها باب المقصورة وجميعها قائمة بقيام آثارها وحضارتها وموقع تاريخها ووزن بناءها بها زخارف ونقوش عليها آيات قرآنية ويحتوي المسجد على 72 سارية مربعة الشكل حتى قيل عنها أنها من الذهب الخالص، ويحكى عن الجامع أنه مشيد فوق بيت المال الملكي والمكتبة الزيانية وقد سبق وأن قصت لنا السيدة فاطمة ڤانة أنه عندما سكنت بالمحافظة المحادية للجامع رأت وكشهادة ترفعها أمام الله ثابوت من الذهب والكتاب الأحمر (مصحف شريف) لا يستطيع شخص واحد حمله سوى عشرة منهم أو أكثر وسيوف بني زيان وكنز ثقيل من النقود حتى أنها طالبت من الجهات المعنية للبحث وللكشف عن خبايا ما تحت الجامع الذي أمم عدة مرات بمساهمة المحسنين ودائما يحتاج لصيانة وحماية دائمة للمقصورتان والأقسام القرآنية وقاعة صلاة النساء وضريح الولي الصالح سيدي أحمد بلمرزوق (الحفيد). علما أن محراب الجامع الكبير يمثل الجزء المقعر من الجدار والذي يقف به الإمام وهو مستوحى من الفن الأندلسي ويمتاز بغنى زخرفته المليئة بالأشكال من طرود، مراوح ونخيل التي ترمز للوحة الأنيقة في إبقائها منسجمة بخطوطها تضاهي زخرفة قرطبة. ومن المرافق التابعة للجامع والتي تجري بها ترميمات كبيرة كونها لم تحظ قط من هذه الأشغال ونعني بها - دار القاضي - »MAHKMA« والتي تستحق الحفاظ على سماتها لأن جل أبواب المسجد تطل على ساحتها الذي به نافورتان ملبستان بالرخام الحر والذي كان يغطي جميع فضاء البهو وتم نزعه كليه وإستبداله بمربعات الخرف العادي والتي نراها جريمة في حق مخلفات الدولتين المرابطية والزيانية بصفتهما شريكان في المعلم من ناحية بناءه بصمة خالدة فكيف يقف وفد الحدث الثقافي لعاصمة تلمسان أمام عمل مفبرك أو بالأحرى تدمير وليس ترميم لأرضية فقدت أصليتها، لكن العيب لا يرجع للبنائين البسطاء الذين يعكفون حاليا على إتمام الخراب وتثبيت خزف عصري لا يتساوى إطلاقا مع القديم الذي وضع مكانه بإعتبار جودة ما طمس لن ترد الصبغة الحقيقة التي يأمل حتما الجيل الصاعد من أبناء تلمسان أن يتعرف على نوعية الحجر الخزفي الذي إعتمدت عليه الحضارات السابقة في تبليط وتزيين مبانيها الدينية فلماذا لا نحافظ على أمانة التاريخ بتأديتها إلى غيرنا كما وجدت فما بدل الله تبديلا؟