على الرغم من أن الجزائر بادرت منذ الإستقلال إلى إدراج العديد من المبادئ والأحكام ضمن منظومتها التشريعية بغية ضمان حماية للطفل في جميع جوانب حياته، حيث جسدت ذلك من خلال مصادقتها على الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا أن التطور السريع الذي يعرفه المجتمع اليوم وما تولد عنه من إحتياجات جديدة للطفل وخاصة الطفل الجانح، دفع بالجهات المسؤولة إلى التفكير في إعداد مشروع يؤمن حماية أفضل للطفل من خلال إشراكه في كل الإجراءات والتدابير والأحكام المتخذة بشأنه. والكثير من المختصين يطرحون سؤالا مفاده لما يرتكب الطفل جريمة قد تفوق في بعض الأحيان جريمة البالغين في بشاعتها، ولماذا يرفض الأباء التكفل بأطفالهم الذين يرتكبون الجرائم خاصة عندما يتعلق الأمر بالفتاة الجانحة؟ وهل قاضي الأحداث بمفرده قادر على إيجاد كل الحلول لمعالجة ظاهرة جنوح الأحداث؟ كلها أسئلة توصلنا إلى قناعة مفادها أن جنوح الأحداث هي قضية رأي عام تتطلب التعامل معها بحذر، ولا بد أن يكون القاضي الذي ينظر فيها غير عادي لأن الأمر يتعلق بالتعامل مع الأطفال. إن إنحراف الأحداث يضع الدول أمام تحد مزدوج ضمن جهة تواجه ظاهرة تفاقم الإنحراف وسط الأحداث ومن جهة أخرى تقف عاجزة في إيجاد الحلول لمحاربة الظاهرة بسبب قلة الوعي الثقافي وعدم فعالية أجهزة الإندماج الإجتماعي التي تساهم في إمتصاص الظاهرة ناهيك عن أن الأنظمة القضائية التي تتكفل بقضايا الجانحين من الأحداث أثبتت عدم فعاليتها ، وهو الأمر الذي تطلب وجوب التدخل السريع من أجل تعديل العديد من التشريعات المتعلقة بالأحداث من خلال التركيز على معالجة الظاهرة من الناحية الإجتماعية ذلك لأن الطفل ما هو إلا ضحية للوسط الذي يعيش فيه لذا فإن الوصول إلى ترقية حقوق الطفل من الناحية الواقعية لا يكون إلا بتجسيد فكرة عدم دخول الطفل إلى المحاكم بصورة نهائية وذلك من خلال الوقاية وإعادة الإدماج الإجتماعي. وعلى الجهات الخاصة بالحماية الإجتماعية أن تقدم مساعدات إلى الأسر الفقيرة حتى يتسنى لها التكفل بأطفالها. وكثيرا ما تكون الأسرة المفككة العنصر الأساسي في جنوح الطفل ويأتي بعدها الشارع الذي يؤثر بدرجة كبيرة على تصرفات الأطفال الذين يجدون سلوكات سلبية أمامها مثل تعلم بعض العادات لتصل إلى السرقة وإدمان المخدرات وغيرها، وهناك من يصل بالجانح إلى القتل وتلك هي الطامة الكبرى. وإذا تمكنت الدولة من دعم الأسر من خلال توجيهات سواء من خلال إجتماعات الأولياء في المدارس أو من خلال الجمعيات الإجتماعية فأكيد ستكون هي السبيل المباشر لحماية الطفل من الجنوح والسقوط في الهاوية ويصعب العلاج فيما بعد.