اهتمت الجزائر منذ الاستقلال بالطفل اهتماما كبيرا، من خلال المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية، الساعية الى الدفاع عن حقوقه والعمل على رفع الشعارات الماهضة لكل أشكال استغلال الطفل في مختلف المجالات الخطرة، كما سعت من جهة أخرى إلى تكثيف جهودها من أجل وضع جملة البرامج الوطنية لمكافحة عمالة الأطفال، من خلال التنسيق بين مختلف القطاعات. ومن أجل توفير حماية أكيدة للطفل الجزائري، صادقت الجزائر على أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالطفولة، لاسيما منها الاتفاقية الدولية رقم 138 المتعلقة بالسن القانوني للعمل بتاريخ 1984، الى جانب الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي صادقت عليها الجزائر سنة ، فضلا عن الاتفاقية رقم 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الاطفال والإجراءات الفورية، التي صادقت عليها الجزائر في 2000، وأخيرا الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، والذي صادقت عليه الجزائر في 2003. أما على الصعيد الوطني، فقد اتخذت الدولة الجزائرية كل التدابير التنظيمية والتشريعية من أجل تجسيد الحقوق المعترف بها لفائدة الطفل وفق المعايير الدولية. فبالنسبة للجانب التشريعي، نص القانون 90-11 المؤرخ في 1990 المتعلق بعلاقات العمل في مادته 15، أنه »لا يمكن في أي حال من الأحوال ان يقل العمر الادنى للتوظيف عن 16 سنة«، ويمنع ايضا استخدام العامل القاصر في الاشغال الخطرة، الى جانب أحكام الامر رقم 79-35 المؤرخ في 1976، الذي ينص على إجبارية التعليم ومجانيته لكل الاطفال إلى غاية 16 سنة كاملة، والسر وراء هذه النصوص، هو العمل على الاحتفاظ بالطفل في مقاعد الدراسة اطول وقت ممكن حتى يبلغ سن 16 سنة، ليتم توجيهه بعدها الى مراكز التكوين المهني مما يمنع استغلال الطفل نهائيا. من جهة أخرى، يظهر أن كل ما يخص الطفل في الجزائر يدخل ضمن ما يصطلح على تسميته بلغة الاجتماع، بالظاهرة الكلية، كون الطفل يحظى باهتمام كل القطاعات، وثبت في الجزائر أن الطفل محل اهتمام 19 وزارة معنية بالتكفل به، منها وزارة الأسرة، وزارة التربية والتعليم، وزارة العمل إلخ... فبالنسبة لوزارة الاسرة مثلا، تنطلق فكرة الاهتمام بالطفل من منطلق ان »الأسرة هي البيئة الأساسية لكل طفل«، لذا اخذت وزارة الاسرة على عاتقها مهمة تشجيع الأسر على التكفل بشكل جدي بالطفل وعدم التحجج بالفقر، للتنصل من مسؤوليتها كون ان الدولة الجزائرية تعمل جاهدة على دعم الاسر الفقيرة من خلال المنح العائلية ومحاربة كل اشكال التسول بالاطفال او استغلالهم في المساهمة في النفقات العائلية، ولا يقف دور هذه الاخيرة عند هذا الحد، حيث سعت ايضا الى المساهمة في نشر الوعي لدى العائلات من خلال تكثيف الحملات التحسيسية للتخلص من بعض العادات والمعتقدات البالية، والتي تدفع بالطفل إلى العمل مبكرا من اجل تهيئته لتحمل المسؤولية في المستقبل طامسة بذلك براءته وطفولته. من جهتها أيضا، كثفت وزارة التربية والتعليم الجهود الرامية الى توفير مقعد دراسي لكل طفل، على اعتبار أن التعليم مسألة إلزامية ومجانية. كما دعمت الدولة قطاع التعليم باعتماد مالي يقدر ب9،11 مليار دينار لرفع مستوى التعليم وجعل المدرسة فضاء محببا للطفل، من خلال إقرار مبدأ مجانية الكتاب المدرسي للأطوار الابتدائية وتدعيم القطاع بالمطاعم والمراكز الصحية، إلى جانب توفير النقل المدرسي، وذلك لتخفيف العبء على الأسر الجزائرية الفقيرة، وعلى العموم، فإن نسبة التمدرس في الجزائر ارتفعت الى97، وهو مؤشر إيجابي على نجاح جملة الإصلاحات التي باشرتها الدولة الجزائرية في هذا القطاع. وعلاوة على إقرار مبدأ الشراكة بين القطاعات المعنية بالطفل، بغية الوصول الى القضاء وبصفة نهائية على كل اشكال استغلال الاطفال، نجد أن الجمعيات كذلك حاضرة بقوة، انطلاقا من فكرة أن كل ما يخص الطفل يعد التزاما معنويا، وقد ثبت على أرض الواقع إنجاز شبكة تضم مائة جمعية موزعة على الصعيد الوطني، همها الوحيد الدفاع عن حقوق الطفل والعمل على ترقية ثقافة حقوق الطفل، مع مراعاة إشراك المجتمع المدني للمشاركة في حماية الطفل، الذي يعد مسؤولية الجميع، وذلك من خلال ما يسمى ب »الخط الأخضر« (3033) بهدف الاستماع إلى انشغالات الطفل حيث كان. وفي آخر المطاف، يمكن التأكيد أن الطفل الجزائري بالمقارنة مع اطفال دول العالم، يعد اوفر حظا، كون ان كل المعطيات تؤكد أن الوضعية في الجزائر غير مقلقة، على اعتبار أنها غير معنية بحالات أسوأ أشكال استغلال الطفل، وهو ما أقرته المنظمات الدولية.