ناقش المشاركون في الملتقى الوطني الثالث حول التراث الجزائري وحفظ المخطوط الذي نظمته جمعية مولود قاسم بسدي بلعباس على مدار يومين موضوع جهود علماء الجزائر في خدمة السنة النبوية المطهرة. وقد افتتح الملتقى الذي جرى تنظيمه بدار الثقافة كاتب ياسين الشيخ هشام بشير بويجرة رئيس جمعية مولود قاسم لإحياء التراث الثقافي والتاريخي والعلمي بكلمة قال فيها أن الحديث عن علماء الجزائر هو حديث عن سلسلة متواصلة من عطاءات هذه الأمة في مجالات العلم والفكر والواجب يقتضي إتاحة الفرصة لشبابنا المثقف كي يطلع عليها ويدرك منزلة هذه العلوم الإسلامية ويعرف قيمتها وقيمة الجهود الجبارة في تحصيلها وضبطها وتلقينها ونشرها . هذا وكان أول المتدخلين بدر الدين العماري من جامعة وهران الذي تحدث عن السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي معتبر إياها روح التشريع .فالصحابة كانوا ينزلون السنة منزلتها وقيمتا على قدر تشبثهم بها يعيشون بها ويموتون بها ولولاها لبطلت أحكام القران الكريم وجملة التكاليف الشرعية.أما الأستاذ بلقاسم ضيف باحث وخبير في المخطوطات من ولاية الجلفة فتطرق إلى اهتمام علماء الجزائر بخدمة السنة من خلال المخطوطات واستعرض عددا من المخطوطات المتواجدة في الخزائن منها "مخطوط الضعفاء" للإمام العقيلي ومخطوط "الإصابة بتمييز الصحابة" الموجود بوزارة الشؤون الدينية وهو كتاب ضخم غني عن التعريف ثم هناك مخطوط "المختار الجامع بين المبتغى والاستذكار"الذي عثر عليه بمدينة المدية وهو مكتوب على رق الغزال ناهيك عن مخطوطة "الإمام البخاري " وهي أيضا مكتوبة على رق الغزال بالإضافة إلى مخطوطات أخرى كثيرة كمختصر الإكمال والرصاع البخاري وفتح الباقي والحديقة منتهيا بالقول أن للجزائر أمة تحيي سنتها وسنة نبيها. بينما الدكتور الأخضر الأخضري من جامعة وهران فقد تناول في مداخلته المناهج النفيسة عند المحدثين والمناطقة والأصوليين والمقاصديين وملامحها في المدارس الجزائرية مركزا على الدور الذي لعبته مدرسة مازونة في هذا الإطار مستدلا في هذا السياق بالعديد من الكتب بينها كتاب "شرح السنن النبوية". وأثارت الدكتورة بن يحيى كلثوم من جامعة بشار في محاضرتها الشبهات المعاصرة حول السنة النبوية وساقت أمثلة عما تبثه المدرسة الحداثية المغاربية من خلال مؤلفات أنتجها مؤلفون من جلدتنا يتمتعون بلغة أجنبية قوية وقدرة في الإقناع وبخاصة إقناع الشباب حيث لهم مواقف خطيرة من الحديث والسنة متسائلة أين هم علماؤنا للرد على هؤلاء والكتابة للأخر بلغة أجنبية ؟ هذا وتواصل تقديم سلسلة المداخلات نذكر منها جهود علماء الجزائر في خدمة صحيح البخاري للدكتور محمد مبروك من وهران وبن مرزوق الحفيد وجهوده في خدمة السنة لعبد الحليم ثابت من قسنطينة وجهود جمعية العلماء المسلمين في خدمة السنة للدكتورة عقيلة حسين من جامعة الجزائر والعلامة الطاهر الجزائري وكتابه " توجيه النظر إلى أصول الأثر" للأستاذ مراد بن شاعة نائب رئيس جمعية مولود قاسم .ولعل المداخلة التي شدت اهتمام الحضور أكثر هي تلك التي تحدث فيها الدكتور عبد النبي محمد من جامعة الجزائر عن العلامة بن شنب سيرة محقق في نظر مؤرخ مشيرا إلى كتابه الذي يتعلق بتراجم الرجال الذين بلغوا صحيح البخاري إلى الجزائر حيث أورده ضمن الجهود التي بذلت من العلماء الجزائريين في هذا المجال .فألقى إطلالة على طريقة تحقيقه باعتبار أن بن شنب كان محققا ومؤلفا ألف مجموعة من الكتب وكان له حضور متميز في المحافل الدولية وأيضا في المدرسة الاستشراقية .فقد تأثر بهؤلاء وحقق كتبا على طريقتهم الى درجة أنه وصف بالوفي للمدرسة الاستشراقية والأوروبية .المحاضر حاول من خلال ذلك إثارة بعض التساؤلات علها تفتح أفاقا في المستقبل لطلبة العلم ممن يقفون على مؤلفات أخرى لهذا العالم الجليل حتى نفهمه أكثر والحقيقة –يخلص-تأخرنا في فهم علمائنا. ثم هناك الطاهر بلخير من جامعة وهران الذي كشف عن علماء الجزائر الذين ورد ذكرهم في كتاب " فتح الباري في صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني مركزا على سبعة منهم ويتعلق الأمر ب:أبو القاسم عبد الرحمان الوهراني ومحمد الناصر الداودي الذي يعتبر أول شارح لصحيح البخاري في العالم وعبد المالك البوني ومحمد بن عيسى التيهرتي وعبد الحق الاشبيلي البجائي وبن قرقول الوهراني وبن مرزوق الحفيد مؤدا بأن هذه الأسماء ساهمت في خدمة السنة النبوية سواء في نقلها أو شرحها أو ضبطها. وفي تقييمه للملتقى أوضح الباجي بن عودة وهو أستاذ في لسانيات الخطاب بجامعة معسكر للجمهورية أن علماء الجزائر الذين ورد ذكرهم في هذه التظاهرة كان لهم فضل السبق قبل أقرانهم في المشرق وأيضا في الأندلس في خدمة السنة النبوية مبرزا أهمية هذه الملتقيات في صيانة الأمة ووقايتها من الانحراف حتى تحافظ على خصوصيتها وهويتها الجزائرية في ظل العولمة وأدوات التأثير البالغة على العقول .ومشكلة فهم الدين مطروحة اليوم بحدة ومثل هذه الملتقيات من شأنها أن تحقق سد الذريعة أمام تدفق الأفكار سواء كانت أفكار الغلو باسم الدين أو ضد الدين كي نضمن الاستقرار في ظل المرجعية الدينية في الجزائر المذهب المالكي الذي يحافظ على وحدة الشعب الجزائري أملا في أن تلتقي جهود الرسميين مع جهود هذه الجمعيات في هذا الإطار لنحفظ للأمة أمنها الروحي والديني واللغوي والعلمي. تبقى الإشارة في الأخير إلى أن جمعية مولود قاسم لإحياء التراث الثقافي والتاريخي والعلمي تعتزم حسبما أبلغنا به رئيسها هشام بويجرة بشير تنظيم ملتقى أخر في ماي المقبل يخصص موضوعه لمناقشة اللغة العربية واقع وأفاق .