إن طريق السلامة بيِّن و طريق الندامة أبين ، من أراد حياة قوامها الهدوء و السكينة فليتخذ من القانون بوصلة تحدد مساراته و تضبط اختياراته و إلا فإن أبواب المحاكم ستفتح على مصراعيها لتقتص من كل آثم مجرم ناهك لحقوق الأشخاص و المجتمع فالأمن على النفس و المال هو جماع النعم و مقصد الحق و العدل و إذا زال حل محله الخوف و الروع و الفزع. و من أبرز العوامل المنتجة لبذور الارتياع و الشقاء و الظلم ، الجريمة بكل أشكالها و أنواعها التي حولت البيوت الجميلة إلى أقفاص من حديد يسكنها ناس يفتقدون الاحساس بالأمان و بدلت مواقيت السمر و السهر في مدن كبرى كوهران فأضحى الغروب ساعة الإيذان بالهروب إلى البيوت خوفا من خفافيش الظلام و قطاع الطرق و الدروب . هذا التوصيف ذو المسحة التشاؤمية ما كان ليكون لولا العدد المهول للقضايا المعروضة على أقسام الجنح و غرفها و محكمة الجنايات بمعالجة يومية لملفات بين طياتها و بين أسطر أوراقها مآس ما لها آس ، قتل و تنكيل ، رشوة و محسوبية ، اختلاس للمال العام و سوء التسيير ، مخدرات و سرقات و ضرب للأصول و الفروع و ذوي الأرحام ، جرعات من المرارة يتناولها المشتغلون بحقل العدالة بشكل دائم لكن فسحة الأمل و الرغبة الملحة في التطهر من درن الشوائب و المصائب يفتح طريقا آخرا و منهاجا جديدا في النظر إلى ما يقع و يحدث داخل بيت العدالة من حكايات و كواليس و أصداء في إطار غير المألوف و الاستثناء المتغلب في كثير من الأحيان على القاعدة . لذلك ارتأينا الإفلات من قبضة اللغة الرسمية بكلماتها العامة و المجردة و استبدالها بحروف الوصف لرسم لوحات من قلب غرف المحاكم دون الاخلال بهيبة المكان و سيادة القانون و جلال المبتغى . [ المحامي و "العلك" ] دخل بسرعة يجر جبته السوداء مترامية الأطراف التي زادت بشساعتها ضآلة جسمه النحيف أصلا ، حاول مسابقة الزمن لكن سيف الوقت سبقه قاطعا عنه أي رجاء ،[ سيدتي القاضية من فضلكم لقد وصلت متأخرا بسبب زحمة السير الخانقة فقد حجزتني في طرقاتها لأكثر من ساعة و نصف ، عرفت من زملائي أنك ناديت على رقم القضية منذ 7 دقائق فقط فلو حبذا يعاد برمجتها اليوم و تلغي التأجيل لأعتبر هذا كرما منكم ]، بهذه الكلمات حاول المحامي استرضاء القاضية التي كانت منشغلة بمطالعة أوراق قضية أخرى . رفعت رئيسة الجلسة رأسها و حدقت بعينيها الطالة من خلف نوافذ نظارتها في وجه الأستاذ فوجت فكيه يتحركان بسرعة فائقة ، ركزت كثيرا و دققت مليا فاكتشفت أن الرجل كان مشغولا بمضغ العلك ، تغيرت ملامحها بسرعة البرق و اعتلى وجهها حمرة غضب جارف و قالت بأعلى صوت [ أيها الأستاذ إن للمحكمة وقار و احترام و وقت محدد يتغير في حال القوة القاهرة فقط و قانونا فإن زحمة المرور لا ينطبق عليها هذا الوصف و شكرا] . تراجع المحامي إلى الخلف بعد أن حاصره الاحباط من كل زاوية لكنه بقي متشبثا بعشقه للعلك . [ حامل ببطن غير منتفخ ] هل من النخوة و الشهامة أن تعتديا بالضرب و السب و الشتم على جارتكما الأكبر منكما سنا و الأدهى من ذلك أنها كانت حاملا بتاريخ الواقعة ، عوض أن تدافعا عنها في غياب زوجها المنشغل بعمله بجنوب البلاد كنتما السباقين في التهجم عليها ، أتعتقدان أن ما فعلتماه رجولة بل هو الجبن و الخسة و الوضاعة بعينها ، و ما هو الجرم الشنيع الفظيع الذي ارتكبته هذه المسكينة حتى توجهان لها عدة لكمات في الوجه و تصفعانها و تطرحانها أرضا ، و الأنذل من كل ما سبق أنكما تعاونتما في الاعتداء عليها و كأنها رجل ضخم قوي العضلات خفتما من أن يسحقكما بقبضة يديه ، هل ترضيان أن يفعل بأختكما ما فعلتماه بجارتكما ؟ . كعادة كل الجناة الماثلين أمام المحكمة كسر الشقيقان صاحبا ال 26 و 28 سنة قامتهما الفارعة و بقيت عيناهما شاخصتان إلى الأرض ، لكن أسئلة القاضي المتتالية و المتواصلة حاصرتهما من كل حدب و صوب و اخترقت أسوار صمتهما الذي شيده لهما محاميهما بإتقان لينفجر أحد الأخوين في وجه رئيس الجلسة بصوته القوي و نظرته القاسية و قال [ نحن رجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكننا لم نكن نعمل أنها حامل فبطنها لم يكن منتفخا بما فيه الكفاية ] . [ من قال أن " ريَّا و سكينة" حكاية مصرية ؟ ] لسنا ندري إن كانت قصة الأختين ريَّا و سكينة كتبت إعلاميا و أخرجت مسرحيا و سينمائيا من محض خيال المصرين أم أنها بالفعل واقعة حقيقية لكن المؤكد أن القصة التي حدثت بوهران و بالضبط بالسانيا هي حكاية لا ينفذ إليها الشك لا من قريب و لا من بعيد خاصة و أن المحكمة دونت أدق تفاصيلها و فصلت فيها لتكون عنوانا للحقيقة. شقيقتان سمراوان ، طويلتان ، ممتلئتان و متشابهتان شكلا و مضمونا ، لم تغادرا سن الشباب بعد بالرغم من أن علامات وجههما تقودان إلى حكم آخر ، أما نظراتهما ففيها الكثير و الكثير من القسوة الممزوجة بالقهر . وقائع القضية حسب ما سرده ممثل الحق العام أن المرأتين قامتا بترصد عجوز لم يبقى من رصيدها الحياتي إلا القليل، انتظرتا خروجها من مركز البريد محملة بأجرة تقاعدها المقدرة ب 20 ألف دينار ثم هرعتا لمساعدتها في قطع الطريق لبناء جسور الثقة معها ، تأخرت الحافلة في الوصول فكانت الفرصة مواتية لعرض أكثر من موضوع و حديث لينتهي الحوار بأخذ العجوز إلى بيت الحنونتين فقد رق قلبهما و ذرفت دموعهما من معاناة المسنة من كثرة الأمراض المزمنة فعرضتا عليها خدمة أختهما الطبيبة الأخصائية في كل العلل و الأسقام . وصل الثلاثة إلى الشقة ، أخذن قسطا من الراحة و حتى يقتلن الوقت إلى حين قدوم الحكيمة قدمت إحدى المضيفتين فنجان قهوة إلى الضيفة التي نامت بمجرد أن أكملت فنجانها ، قامت الأختان بأخذ الحقيبة بما حوت و تجريد المخدَّرة من حليها ثم الاتصال بشريكهما صاحب سيارة " الكلوندستان" الذي انتظر إلى أن أسدل الليل ظلمته ليرمي صاحب السبعين سنة فوق رصيف في مكان خال من المارة. [ " جوزفين و ما درتي فِيًّا" ] حينما طلب منه قاضي الجلسة الادلاء بآخر كلمة قبل تحويل مل القضية إلى المداولة ، رفع الواقف قرب منصة الحكم رأسه و ضبط موجات صوته على تردد الاستعطاف و الاسترحام و قال : [ أرجوك سيدي الرئيس أحكم لي بالبراءة و لا تدخلني السجن فقد اشتقت إلى زوجتي البلجيكية و أريد أن أعود إليها في أقرب وقت ، فأنا لا أستطيع العيش بعيدا عنها ] . هي قصة شاب جزائري في السادسة و الثلاثين من العمر يحب زوجته البلجيكية بطريقة جنونية و لا يمكنها الاستغناء عنها ، و هو ما ردده في أكثر من مناسبة كلما بادره القاضي بسؤال ، و ما كان ليعود إلى أرض الوطن لولا مرض والدته التي بقي ملازما لها لعدة أشهر إلى أن شفيت من علتها بعد عدة عمليات جراحية ، و بحكم أن وضعيته القانونية كمغترب لم تسوى بعد فاضطر حسب تصريحاته إلى تزوير تأشيرة السفر لكن لسوء حظه تم توقيفه من قبل المصالح الأمنية بمطار أحمد بن بلة الدولي بالسانيا . قصته تشبه كثيرا الأغنية العاطفية الخالدة "جوزفين و ما دري فيا " لكن بصورة معكوسة . [ الطيور على أشكالها تقع ] حينما قضت عليهما محكمة الجنح بالسجن مدة 6 أشهر حبسا نافذا دفن الزوج وجهه بين كفيه أما الزوجة فغرقت في دهشة تحولت في وقت قصير إلى دموع منهمرة لم تسدها مواساة أبويها و كل أقربها و أصهارها ، لكن ما هي يا ترى التهمة التي أدت بالزوجين إلى دخول قفص آخر غير القفص الذهبي . بدأت القصة حينما ولجت أقدام الزوجين مقر محكمة الجنح بحي جمال الدين لاستخراج وثائق رسمية تتمثل في شهادة الجنسية و شهادة السوابق العدلية ، تقدما بطلباتهما و ظلا ينتظران ز كلما مر الوقت إلا و نفذ الصبر ، نادى الموظف على اسميهما لأخذ أغراضهما فوجدا خطأ ماديا في اللقب حينها خرج البعل عن وعيه و نزع ثوب الحلم و بدأ يصرخ ، يسب و يشتم و يلعن كل شيء ، و في ظل هذا الوضع الهستيري تدخل رجل شرطة بما يمليه عليه القانون من واجب لإعادة الهدوء و ضبط ما انفلت ، لكن الزوجان ازداد طيشهما أكثر و قاما بالاعتداء على الشرطي بالضرب فما كان من الضحية إلا أن قام بإيداع شكوى بعد أن تمكن زملاؤه من السيطرة على الوضع . [ " الطاعن المطعون " ] بعد عمق تفكير و طول تنظير اهتدى إلى أنجح تطبيق و أنجع تدبير فهو مضروب لا محالة و كرامته ستهدر و دمه سيسفك إن عاجلا و آجلا و لا قبل له برد الصفعة و لو بربعها ، لذلك قرر أن يشبع جسده ضربا مبرحا و يطعنه في الفخذين ثم توجه مباشرة إلى مصلحة الاستعجالات كأي ضحية أعتدي عليه بخنجر الغدر من قبل جاره . تحرك رجال الأمن و ألقوا القبض على الجاني المزعوم المسبوق قضائيا فمجرد الاطلاع على صفحة ماضيه العدلي ينتابك الروع و الارتياع ، لكن التحقيقات و التحريات أثبتت أن الرجل في هذه القضية بالذات بريء براءة الذئب من دم يوسف و ما أكد أكثر هذا الحكم هو تقرير الطبيب الشرعي الذي جزم بأن الضحية هو الجاني . حينما واجه القاضي الطاعن المطعون بهذه الحقائق حاول الالتفات يمينا و شمالا للتهرب من الاعتراف لكنه في الأخير سلم بخيبة تدبيره و سذاجة تفكيره مقرا أن خوفه من جاره معتاد الإجرام و الذي يدين له بمبلغ من المال جعله يفكر في التخلص منه و بما أنه مسبوق قضائيا فإن مسألة اتهامه بالاعتداء عليه تكتسب مصداقية و شرعية إنقاذا لرجولته و شرفه الذي كان على شفا جرف هار فهذا الجار معروف أن سلاحه الفتاك هو بإفقاد ضحيته أعز و أطهر ما تملك . [ يداوي الأصحاء و هو مريض ! ] معلوم أنه مع اقتراب موعد الامتحانات الدراسية يرتفع الضغط و يستشري القلق في أنفس التلاميذ و أوليائهم خاصة المقبلين على امتحانات البكالوريا تراهم كالهائمين على وجوههم عندما يبدأ العد التنازلي ليوم التكريم أو الامتهان . هذه الظروف المشحونة بالتوتر الطاعنة في الترقب استغلها الموقوف أمام العدالة أحسن استغلال و عرف من أين تؤكل الكتف فقبل موعد الامتحانات بشهر بدأ يتردد على بعض الثانويات الواقعة بالمنطقة الغربية لوهران و بدأ يروج وسط التلاميذ لمحلوله الخارق الذي يرفع من معدلات الذكاء بنسب مذهلة و يقوي ذاكرة التلميذ بطريقة فولاذية لا يتسلل إليها النسيان مهما قوت تحرشاته و مراوغاته و بحكم أن التلميذ حاله كحال الغريق يمد يديه لأي طوق نجاة فقد باع المشعوذ كميات هائلة من منتوجه بمبلغ 1000 دينار للقارورة الصغيرة الواحدة فمصائب قوم عند قوم فوائد . ذاع صيت الرجل فتحرك بعض من الأولياء الذين تعرض فلذات أكبادهم إلى تسمم غذائي و تقدموا بشكاوى إلى مصالح الأمن التي بدورها و بعد أخذ الاذن من ممثل النيابة العامة داهمت منزل المشعوذ و ألقت القبض عليه و ضبطت داخل مقره الكثير من قارورات المحلول و طلاسم و كتب سحر . حينما واجه رئيس الجلسة المحبوس بوقائع القضية الموثقة بالأدلة الملموسة رد صاحب الخمسة و الأربعين سنة بأنه لا ينكر شيئا مما قيل إلى وصفه بأنه مشعوذ فهذه الصفة لا تنطبق عليه و أن محلوله يحتوي على سر رباني يرفع نسبة ذكاء التلميذ و يقوي ذاكرته و يساعده على تجاوز عقبة الامتحانات . هذه الإجابة القاطعة المانعة استفزت القاضي فوجه سؤالا آخر ما هو مستواك العلمي أنت و أبنائك ؟ أبنائي تم طردهم من الدراسة بعد فشلهم في تجاوز امتحانات المتوسط أما أنا فلم أجلس على الاطلاق على مقاعد الدراسة ، لكن أميتي لا تمنعني من فهم الهدف من سؤالك سيدي الرئيس ، أنت تريد أن تقول لو كان هذا المحلول له فعل السحر كما أجزم بذلك لاستفدت أنا و أبنائي منه ابتداء ، هذا صحيح و لكن ما لا تعرفه أيها القاضي أن هذه الحكمة نتوارثها نحن في العائلة أبا عن جد و محرم علينا استعمالها للفائدة الشخصية . [ " جا يسعى و دَّر تسعة "] محاكمة مخيفة لأسباب سخيفة فالمحامي الذي من المفروض أن يقف بجوار موكله خلع جبته السوداء و ارتدى ثوب المتهم فإما أن تبرئه المحكمة أو تزج به في السجن كأي خارق للقوانين منتهك للشرائع فالعدالة عمياء لا تنظر إلى الأسماء و الألقاب و لا إلى مناصب العمل و الصفات و لا تتخذ إلا من الأدلة القاطعة مجهرا تكشف به الوقائع و تكيفها إلى قانون . بدأت القضية حينما توجه المحامي إلى محل خصم موكله يحاول الصلح ما استطاع بين الطرفين فالثلاثة أبناء حي واحد و كلهم نالوا صفة الكهولة بعد أن غادرهم الشباب و فتح لهم الشيب أذرعه الأخطبوطية ، استعمل الأستاذ مفتاح التسامح و الرحمة و العشرة الطويلة و الذكريات الجميلة لفتح قلب التاجر لعله يتنازل عن الدعوى التي رفعها ضد مدينه الذي يدين له بمبلغ 200 مليون و الذي سلمه شيكا بلا رصيد . حينما باءت محاولات الأستاذ بالفشل رمى مفتاح الوعظ و المحبة و أشهر سيف التهديد و الوعيد ضد التاجر مؤكدا له أنه في حال لم يسحب شكواه سيستعمل نفوذه و معارفه لينغص له حياته و يسود عيشته ، التاجر و بصفته ابن سوق مصقول بالمنح و المحن ضغط على زر التسجيل في هاتفه بعد أن زاد من جرعات الاستفزاز ضد الأستاذ الذي رفع من سقف تهديداته الممزوجة بالسب و الشتم . [ عاشق المرسيدس ] بالرغم من أنه تخطى عتبة الثلاثينات إلا أنه بقي محتفظا بوسامة قل نظيرها بشعره الأسود الناعم المتحرش بكتفيه و هندامه المضبوط على إيقاع "المودا" و ساعة سويسرية تشي بمدخراته المالية و مشية مفعمة بالخيلاء تكشف الطبقة الاجتماعية التي يسكن بها. تقدم بخطوات متثاقلة محاولا اصطناع الثقة لما نادى القاضي على اسم قضيته استقبله محاميه الذي عادة لا يتواجد إلا في القاعة الخاصة بمحكمة الجنايات لكنه اليوم قرر مساعدة رجل الأعمال للخروج من محنته فللمنحة المالية المخصصة سلطان على برنامجه الزمني . بعد أن تأكد القاضي من اسم و لقب و العناصر المشكلة للمتقاضي شرع في تلاوة قرار الاحالة الذي يفيد أن الرجل كان يقود سيارة من نوع " مرسيدس " من مواليد 2015 سوداء اللون و أن سبب توقيفه هو الافراط في السرعة في طريق ولائي لا يجب أن تتعدى فيه السرعة 80 كلم في الساعة إلا أنه كان يطير بسرعة 140 كلم في الساعة مهددا سلامة الكثير من مستخدمي هذا الطريق . تعثرت كلمات الرجل الأنيق و لم يجد من يسعفه لمنعها من السقوط في منحدر اللامنطق فقد قال بعد طول تردد و انتظار [ كما تعلمون سيدي الرئيس فالسيارة جديدة و هي من النوع الرفيع و عندما تكون بداخلها تنسى نفسك و تبقى مدهوشا مجذوبا بفخامتها وقوتها فلم أنتبه و لم أرى السرعة التي كنت أقود بها ] . حاول المحامي صاحب الصيت الذائع قدر المستطاع الدفاع عن موكله لكن كل كلماته تلاشت في رحابة الأدلة و حينما طلب القاضي من المتقاضي الادلاء بكلمته الأخيرة غرق في التغزل و مدح سيارته الفاخرة ذات القوة الباهرة و السرعة الخاطفة . [ شاهد أكل البرقوق على الساعة الثانية عشر ] ابتلع ريقه و قفز من مكانه كفأر باغتته مكنسة ربة بيت حين نادت رئيسة الجلسة على اسمه بصفته شاهد الإثبات الثاني في القضية ، هرع يمشي بغرابة و كأن كل طرف من جسده قرر المشي في اتجاه معاكس ، هذه المشية الحلزونية جعلت القاضية تدقق في ملامح الشاب صاحب 27 سنة للحظات كانت الأطول في حياة الشاب مما زاده غرقا و ضيقا. هل تعلم لما أنت هنا ؟ بادرته القاضية بالسؤال بعد أن تأكدت من هويته قال لها يا أختي ، قاطعته لست أختك أنا رئيسة الجلسة هنا نادني باسم وظيفتي السيدة الرئيسة ... زاد ارتباك الشاب و تاهت حروفه و جميع مفردات قاموسه و بعد جهد جهيد تذكر أنه حضر للمحكمة للإدلاء بشهادة حضوره حفل زفاف المدعي و المدعية اللذان يحاولان إثبات نسب ابنهما لأنهما تزوجا بالفاتحة فقط و يلزمهما حكم قضائي لإثبات زواجهما بأثر رجعي. هل تتذكر تاريخ الفاتحة ؟ كان على الساعة الثانية عشر سيدتي الرئيسة أنا أسألك عن التاريخ و ليس عن التوقيت قبل عيد الأضحى بأيام لكن لا أتذكر بالتحديد كم كانت قيمة الصداق ؟ لم أفهم السؤال المهر كم كانت قيمته ، ماذا دفع العريس ؟ في الحقيقة سيدتي الرئيسة ، وصلت متأخرا و فاتني الكثير و لم ألحق إلا على طبق البرقوق . لجمت القاضية غضبها بصعوبة كبيرة و اكتفت بالقول للشاهد بأعلى صوتها [ أخرج من القاعة ] .