سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد لبوخ. أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة الجيلالي ليابس ل " الجمهورية " : مصلحة فرنسا في بناء علاقاتها على البراغماتية و التخلي عن الايدولوجية
الأستاذ محمد لبوخ 1 تأتي زيارة الوزير الأول الفرنسي إلى الجزائر في اطار انعقاد اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى الفرنسية الجزائرية لكن هل ممكن أن تقدموا لنا قراءة سياسية لهذا الانزال الفرنسي الذي يضم 10 وزراء و ما دلالات ذلك. الأستاذ لبوخ : الجزائر دولة لها دبلوماسية نشطة في المجالين الإقليمي و الدولي، و أمر طبيعي ان تكون زيارات ثنائية بين الجزائر والدول الشريكة لها. فالموروث التاريخي و القرب الجغرافي بين الجزائر و فرنسا يعطي خصوصية للعلاقات بين البلدين من خلال تكثيف العمل الدبلوماسي التشاوري الذي يخدم مصلحة الطرفين. و تندرج زيارة الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس و الوفد المرافق له في إطار انعقاد اللجنة الحكومية المشتركة الفرنسية الجزائرية، حيث تأتي هذه الزيارة في ظروف استثنائية ذات بعد اقتصادي و أمني تعيشها كلتا الدولتان إضافة الى حل المشاكل العالقة و تقريب وجهات النظر حول الأوضاع الإقليمية المضطربة في ليبيا و سوريا. كل هاته القضايا ستكون محل نقاش و تشاور بين الطرفين. 2 شهدت فرنسا منذ أشهر عمليات ارهابية هي الأكبر في تاريخها و لا يزال الخطر محذقا بها نظير مواقفها الدولية من عدة قضايا ، في ما يمكن ّأن تكون الجزائر مفيدة لباريس في الظرف الراهن ( من الناحية الأمنية ) ؟ الأستاذ لبوخ : الكل تابع ما تعرضت له فرنسا من هجمات إرهابية عنيفة لم يسبق لها مثيل، نجحت خلالها المنضمات الإرهابية في اختراق المنظومة الأمنية الفرنسية لأكثر من مرة، و تأتي هذه الهجمات على فرنسا و اروبا عموما كرد على مواقف فرنسا تجاه بعض القضايا في المنطقة العربية و مشاركتها في التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد التنظيم الإرهابي المسمى داعش، و تدخلها عسكريا في ضرب مواقع التنظيم في ليبيا. في اعتقادي فإنّ مسئولي الإليزيه الآن في مرحلة إعادة ترتيب الأجندة السياسة الفرنسية في الداخل و الخارج و ذلك بالرجوع الى التعاون و استشارة الخبرة الجزائرية في التعامل مع المنظمات المتطرفة، فالمقاربة الجزائرية في مكافحة الارهاب هي نتاج تجربة عميقة خاضت خلالها الجزائر بشكل منفرد حرب طويلة الأمد ضد الإرهاب.
3 يغلب على فرنسا في الآونة الأخيرة الهاجس الأمني و على الجزائر الهاجس الاقتصادي و على ضوء انعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين خلال هذه الزيارة التي يقود فيها فالس وفدا متكونا من 10 وزراء ما هي أولويات الدولتين ؟ الأستاذ لبوخ : يصعب في هذه المرحلة تحديد الأولويات كلا البلدين كون الأزمات متداخلة و معقدة فالجزائر الآن تمر بمرحلة اقتصادية حرجة نتيجة تندي أسعار النفط دفعت الحكومة إلى السعي لتنويع مداخيلها من العملة الصعبة خارج المحروقات، و بالتزامن مع ذلك هناك تحدي أمني يكمن في تأمين أكثر من6000 كلم من الحدود مع الدول التي تعرف نزاعات داخلية و التي تكلف أكثر من 8 مليار دولار كتجهيزات عسكرية للمراقبة، و من الجهة الفرنسية هناك تزايد للهاجس الأمني على خلفية الهجمات الإرهابية و ما تبعها من حزمة إجراءات أمنية و قانونية كان آخرها محاولة سن قانون نزع الجنسية الفرنسية من الاشخاص الذين يثبتون اشتراكهم في اعمال إرهابية و التي كانت محل تنافر بين المكونات السياسية و حتى داخل الحزب الاشتراكي ما انتهى باستقالة وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا. و من الناحية الاقتصادية فهناك زيادة في مستويات البطالة في ظل الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الفرنسي و التي بلغت أعلى مستوياتها أواخر السنة الماضية ب 10.6 في الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على البناء الاجتماعي الفرنسي ما دفع الحكومة الفرنسية الى توسيع مصادر خلق الثروة و ايجاد شراكة اقتصادية نحو الخرج قد تخفف العبء على الداخل،بو بالتالي هناك نقاط تقاطع مشتركة كلها تركز على العنصرين الامني و الاقتصادي. 4 في ما يكمن التنسيق الأمني بين الجزائر و فرنسا على ضوء المستجدات الأمنية الأخيرة ( اعتداءات بروكسل و أحداث باريس) ؟
الأستاذ لبوخ : الطبيعة العالمية للتهديد الارهابي حتمت على الدول تبني منظار موسع يكمن في التوجه نحو التعاون و التنسيق الثنائي و المتعدد الاطراف في مكافحة الظاهرة المتشددة، الأمر الذي بدأت الدول الأوروبية العمل به فعليا. في هذا الاطار يكمن التعاون الأمني بين الجزائر و فرنسا بشكل كبير في تبادل المعلومات و تكثيف العمل الاستخباراتي في إطار تنسيق السياسات الأمنية بين الطرفين، يأتي هذا التعاون في وقت أثبتت فيه التنظيمات الإرهابية قدرة كبيرة على زيادة تجنيد الأفراد و نسج شبكات معقدة من المتعاطفين المتطرفين في أنحاء العالم، متجاوزة بذلك الحدود الوطنية للدول. مما تطلب تكثيف الرقابة على الأفراد في مناطق العبور بين ضفتي المتوسط و بؤر التوتر في الشرق الوسط. في المقابل يسعى الطرف الفرنسي الى ايجاد آليات لتجاوز أزمة الاندماج التي عرفتها فرنسا في التعامل مع الجاليات المهاجرة و التي أضحت حاضنة للفكر المتطرف، فكون الجزائيين يشكلون أكبر الجاليات في فرنسا دفع الطرفين إلى اتخاذ اجراءات استعجالية للحد من هذه التهديدات آخرها إعادة تكوين أئمة المساجد في فرنسا لتفعيل دورهم في محاربة الفكر المتطرف. إضافة الى رغبة الطرفين الجزائري و الفرنسي في حل معضلة الهجرة غير الشرعية من خلال تبني مقاربة شاملة تركز على تدعيم السياسيات الاقتصادية و الاجتماعية لدول الجنوب. بالإضافة الى كون الجزائر دولة مصدر و عبور للمهاجرين القادمين من دول الساحل و منطقة جنوب الصحراء،. ما يتوجب على الطرف الفرنسي المساهمة الفعلية في دعم جهود الجزائر كونها تتحمل بشكل كبير يتجاوز قدراتها في الحد من تنامي هذه الظاهرة. 5 هل تعتقد أنه يوجد فعلا تنسيقا بينيا بين دول ضفتي المتوسط في المجال الأمني ثم الاقتصادي ثم الدبلوماسي أم أن الأمر يتعلق فقط بتعاون ثنائي تفرضه الظروف و المستجدات ، كما نلاحظ مثلا في مجموعة ال 5+ 5 التي غالبا ما تركز على الهجرية غير الشرعية حيث تطالب دول الشمال دول َ الجنوب بوقف زحف المهاجرين.
الأستاذ لبوخ : رغم محاولات تفعيل مبادرة 5+5 بين دول الضفتين بهدف معالجة التحديات الأمنية في منطقة غرب المتوسط إلا أن الأوضاع السياسية و الأمنية الذي تعرفها كل من ليبيا و تونس من جهة و تشنج العلاقات الجزائرية المغربية على خلفية تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بشان قضية الصحراء الغربية من جهة أخرى كلها عوامل حالت دون تحقيق أهداف المبادرة ، يبدو أن طابع العلاقات بين دول الضفة الغربية للمتوسط يأخذ البعد التعاوني الثنائي المحض لعدم توفر إرادة سياسية حقيقية تخدم مصالح كل الأطراف و التباين الواضح في المواقف تجاه حل القضايا و النزاعات الإقليمية بالأخص في ليبيا.
6 أين هو التحالف من أجل المتوسط في خضم المستجدات الأخيرة ( الأزمة الاقتصادية و الهاجس الأمني ) أم أنه ولد ميتا ؟ الأستاذ لبوخ : وصول الحزب الاشتراكي بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند إلى سدة الحكم في فرنسا كان هو آخر فصل من فصول فشل مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي اطلقه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، و الذي أراد من خلاله أن يحتوي العديد من القضايا التي تخدم الطرف الفرنسي و الأوربي بالدرجة الاولى، أولها احتواء رغبة تركيا للانضمام للاتحاد الاوروبي، و تحميل دول جنوب حوض المتوسط تكلفة معالجة قضايا الهجرة و البيئة. فشل هذا المشروع السياسي جاء نتيجة النوايا غير الصادقة للقيادة الفرنسية آنذاك ، الأمر الذي أكدته آخر التصريحات الإعلامية للرئيس ساركوزي على خلفية الهجمات الارهابية التي تعرضت لها الجارة تونس. الاختلاف بين الجزائر و باريس واضح في ما يتعلق ببؤر التوتر الجديدة فالجزائر ترجح الحل السلمي المبني على المنهج السياسي و تنتهج فرنسا الحل العسكري فكيف يمكن التنسيق بين الدبلوماسيتين ؟ الأستاذ لبوخ : يمكن للطرفين تجاوز هذا التباين في المواقف تجاه القضايا الإقليمية و الدولية عن طريق التشاور الدائم و المستمر، و توفير الإرادة السياسية الجادة و الأخذ بالتجارب السابقة في حل الأزمات، و الرجوع إلى تبني الحلول النابعة من البيئة المحلية كما هو الشأن في تعامل الجزائر مع الأزمة في ليبيا من خلال تكثيف العمل الدبلوماسي و مساعدة أطراف النزاع على تجاوز الخلافات و ايجاد آليات عقلانية في التعامل مع كل الأطراف و هو ما دعت له الجزائر منذ بداية الأزمة، رافضة أي تدخل عسكري يمكن أن يزيد من تعقيد الاوضاع، و تغليب منطق الحوار لإيجاد بيئة حاضنة لجميع الأطراف المتنازعة بعيدا عن منطق التدخل العسكري بما يخدم مصلحة جميع الاطراف. نفس الشأن بالنسبة للقضية الصحراوية التي كان الموقف الفرنسي اكثر ميولا للطرح المغربي. أين يفترض ان يكون الموقف الفرنسي غير منحاز لأي طرف و التوجه نحو دعم قرارات الأممالمتحدة و أن لا تعمل على تقويض مخرجات المنظمة الدولية. 7 تتراجع مكانة فرنسا بشكل لافت في افريقيا لصالح الصين ما سبب ذلك و هل فرنسا فعلا لديها خطة عمل من أجل التموقع من جديد أم أنها تريد فقط تفريغ انتاجها في أسواق رخيصة ؟ الأستاذ لبوخ : جاء تراجع مكانة فرنسا كشريك اقتصادي أساسي لإفريقيا لصالح الشريك الصيني، نتيجة النظرة الاقتصادية الفرنسية القاصرة للشراكة مع افريقيا و التي طالما ركزت على النشاط التجاري غير المتكافئ، و الإبقاء على الأسواق التقليدية في افريقيا، بالإضافة الى بروز فواعل جدد في العلاقات الاقتصادية الدولية كالصين، و تركيا، و الهند و البرازيل، و التي بدأت فعليا في إرساء قواعد اقتصادية جديدة مع الدول الإفريقية مبنية على تكثيف الاستثمارات و بناء الهياكل القاعدية و تصدير الخبرات. يبدو في اعتقادي أن كل هذه المعطيات كفيلة بدفع المسؤولين الفرنسيين إلى اعادة النظر في فلسفة الشراكة مع افريقيا. هذه الفلسفة يجب أن تكون قائمة على خلق فرص استثمار حقيقية يمكن من خلالها الاستفادة من التطور التكنولوجي و نقل الخبرات التقنية و التدريب ، بالإضافة الى التعاون في مجال البحث العلمي، الصحة ، الفلاحة ، تحلية المياه ،الصناعات المختلفة، و الاستثمار محليا في ثروات القارة الافريقية بدل تصدير الموارد الاولية الى الخارج، وفق منطق رابح رابح. في السياق نفسه يمكن لفرنسا ان تكون شريكا حقيقيا لإفريقيا مستثمرة القرب الجغرافي الكبير، و البحث عن حلول جادة، و ابعاد الايديولوجيا قدر الإمكان و بناء شراكة فعلية مع احترام كل بلد بأفكاره. و الجزائر في هذه المرحلة يمكن أن تكون بوابة افريقيا الاقتصادية نحو أوروبا، خاصة أن هناك توجه وإرادة سياسية جزائرية واضحة في هذا الاطار، يجب أن تقابلها مواقف فرنسية جادة و عملية في منح الفرص، و فتح المجال لتنقل الأشخاص و تسهيل المهمة بإزالة كل تعقيدات منح التأشيرة. 8 في خطابه بمناسبة إحياء الذكري الرابعة و الخمسين لأحداث 19 مارس قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند : يجب أخذ التاريخ كما هو و نتعلم منه و نستذكر التاريخ ليس من أجل الانقسام و لكن من أجل الاجتماع و عظمة أي بلد عندما يكون قادرا على المصالحة مع تاريخ و مع نفسه ، و مع ذاكرته ، و البلد الكبير هو ذلك الذي يستطيع المصالحة بين كل الذاكرات . فهل هذا يعني أن فرنسا تخطو خطوات متأنّية في طريق الاعتراف بالثورة الجزائرية التي تسميها أحداثا و بالتالي بجرائمها. الأستاذ لبوخ : الرئيس فرانسوا هولند كان أفضل من سلفه من الرؤساء الفرنسيين في مسألة الذاكرة التاريخية و الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الجزائري اثناء الحقبة الاستعمارية، الآن لا زلنا في بداية المسار، أصبحنا نسمع عن مصطلح الثورة و الحرب الجزائرية في الخطاب الإعلامي و السياسي الفرنسي، لكن لا بد من المزيد من الشجاعة السياسية و التقدم الى الأمام نحو الاعتراف بجرائم المستعمر في إطار دبلوماسي أكثر انفتاحا في كشف الجرائم ضد الإنسانية بما يتوافق و توجه العدالة الدولية، و حماية حقوق الانسان. و بالتالي لا تكون الذاكرة حاجزا و عثرة أمام الشراكة الدائمة و تحقيق مصلحة الطرفين. 9 هل تتغلب لغة المصالح و ضرورة التعاون على عقدة الذاكرة بين البلدين؟ الأستاذ لبوخ : منطق المصلحة هو منطق براغماتي نفعي آني يركز على نقاط التقاطع المشتركة بين الاطراف، فهناك أشياء تأخذ بعدها التقني، لكن في المقابل يجب مراعاة مصالح الأطراف، و إرساء أسس التعاون على الاحترام المتبادل فجرائم الاستعمار لا يمكن أن تتبدد بالتقادم و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمحوها المصلحة الآنية.