انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسار الدبلوماسي قبل وبعد الاستقلال
إنجازات كرست مكانة الجزائر
نشر في المساء يوم 03 - 07 - 2013

نجحت الدبلوماسية الجزائرية في تكريس مكانتها الدولية قبل وبعد الاستقلال، من خلال سلسلة الإنجازات التي حققتها في سياق التحولات الدولية التي عرفها العالم، حيث انعكست المساعي التي تكللت بتحقيق الاستقلال والحرية على مرحلة التشييد والبناء التي خاضتها البلاد في سياق إعلاء صوت الجزائر عبر المنابر الدولية، ولعب دور فاعل في حل العديد من الأزمات الدولية .
وقبل التعريج على المرحلة الذهبية للدبلوماسية الجزائرية، يجدر بنا التذكير بالأبعاد التي عززت المسار الدبلوماسي للجزائر، من خلال دبلوماسية الثورة التي قادت البلاد إلى الاستقلال .ونشير هنا إلى مشاركة الجزائر في مؤتمر باندونغ سنة1955 التي مكنتها من التوجه نحو الكتلة الأفرو-أسيوية، نواة حركة عدم الانحياز، من خلال المطالبة رسميا بتسجيل القضية الجزائرية في هيئة الأمم المتحدة، وتوجيه إدانة للاستعمار الفرنسي والإعلان عن تأييد كامل لاستقلال دول شمال إفريقيا، ومن ثم تدويل القضية الجزائرية.
فقد سجلت القضية الجزائرية حضورها لأول مرة في أشغال هذه الدورة، وهي التي تميزت جلساتها الست باحتدام النقاش بشأن إصدار قرار حول أهلية أو عدم أهلية الأمم المتحدة لبحث القضية الجزائرية، مما عزز مكاسب الجبهة الداخلية وإضعاف الموقف الفرنسي بتدويل القضية الجزائرية. وقد أجرت الحكومة المؤقتة سلسلة مفاوضات مع السلطات الفرنسية، احتضنت أولاها مدينة مولان الفرنسية في جوان 1960، لتأتي مفاوضات إيفيان بمرحلتيها، الأولى ما بين 20 جوان و13 جويلية 1961، وقد شكل ملف الصحراء ومستقبل المعمرين في الجزائر حجر عثرة لإحراز تقدم في مسار المفاوضات، لتستأنف في لوغران الفرنسية في جويلية 1961، لكنها توقّفت للأسباب ذاتها، لتستأنف مرة أخرى في جولة ثانية ما بين 07- 18 مارس 1962. وتكرّس دور الجزائر الفعّال على المستوى العالمي بعد انضمامها إلى المنظمات الإقليمية والدولية، كما هو الشأن لهيئة الأمم المتحدة في 08 أكتوبر 1962، ودورها في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 ماي 1963 ثم الاتحاد الإفريقي في 09 ماي 2002 بجنوب إفريقيا، إضافة إلى عضويتها الدائمة في حركة عدم الانحياز وانضمامها أيضا إلى الجامعة العربية في 16 أوت 1962، إلى جانب أنها عضو مؤسس لمنظمة التعاون الإسلامي بقمة الرباط في 25 سبتمبر 1969، ومبادرتها في تفعيل مشروع المغرب العربي، الذي تجسد في قمة زرالدة بتاريخ 10 جوان 1988. كما تعزز دورها الإقليمي من خلال احتضانها لأهم الاجتماعات التاريخية التي كانت فعلا بمثابة دفع جديد للعمل المشترك، كما هو الشأن لاجتماع القمة العربية السادسة في 26 نوفمبر 1973، إذ أن أهم ما جاء فيها هو العمل على إمداد دول المواجهة سوريا ومصر بكل وسائل الدعم في حربهما ضد إسرائيل، وعدم التراجع عن تحرير كل الأراضي العربية المحتلة عام 1967، كما أن هذه القمة دعمت المقاومة الفلسطينية، إلى جانب تعهد عربي بإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فالدبلوماسية الجزائرية عملت على توطيد التعاون العربي – العربي.

التمسك بمبدأ حق تقرير المصير
إفريقيا، سعت الجزائر التي تعد عضوا مؤسسا للاتحاد الإفريقي عند ترؤسها منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1999على تحديث وظائف هذه المنظمة، وهذا ما أدى بها وبالتعاون مع دول إفريقية أخرى إلى إنشاء الاتحاد الإفريقي سنة 2002 بجنوب إفريقيا، إدراكا منها بأن هناك ضرورة للانتقال إلى مستوى آخر من التعاون بين الدول الإفريقية، وبالتحديد في المجال الاقتصادي. لتكون بذلك الجزائر إحدى أعمدة هذا الاتحاد. وفي سياق تمسكها بمبدأ حق تقرير المصير ودعمها للحركات التحررية، فقد اعترفت الجزائر بجبهة البوليزاريو ممثلا وحيدا للشعب الصحراوي وبالجمهورية الصحراوية في السادس مارس 1976، كما امتدت مساندة الدبلوماسية الجزائرية لتشمل حركات التحرر الوطني في المستعمرات البرتغالية، ولم تتردد الجزائر في رفض نظام الأبرتايد في جنوب إفريقيا.
ولدى ترؤسها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، عملت الجزائر على كسب اعتراف أممي بمنظمة التحرير الفلسطينية، في حين تم في 15 نوفمبر 1988 الإعلان في الجزائر عن قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
وخلال احتضان مدينة لاهور بباكستان، القمة الثانية لمنظمة المؤتمر الإسلامي في فيفري 1974، أكد الرئيس الراحل هواري بومدين على ضرورة التضامن مع الشرق الأوسط، لاسيما القضية الفلسطينية، مؤكدا على حتمية تطبيق القرارات المتخذة خلال هذه القمة، في الوقت الذي يجدر فيه التذكير، بأن الجزائر قد عملت على تعزيز التعاون بين البلدان الأعضاء في المنظمة.
ولم يقتصر دور الجزائر على المستوى السياسي، بل شمل أيضا الجانب الاقتصادي، حيث احتضنت قمة الأوبيك في مارس 1975، وأكدت خلالها على سيادة الدول على ثرواتها، مع الدعوة لعقلنة سياسات المحروقات، ومواجهة جشع الشركات العالمية الكبرى اللاهثة وراء الذهب الأسود بثمن بخس، كما مهدت القمة لإنشاء صندوق التنمية الدولية كدعم للدول الأقل نموا، لتبين الدبلوماسية الجزائرية بذلك تلك العلاقة الوطيدة بين السياسة والاقتصاد.
وفي سياق إحداث نقلة نوعية لنهج الحركة، احتضنت الجزائر القمة الرابعة لحركة عدم الانحياز في سبتمبر 1973، حيث لم يعد الصوت السياسي اللامنحاز كافيا للتموقع بين قطبية ثنائية، بل أن التوجه الاقتصادي أصبح هو الآخر البعد الآخر لمفهوم عدم الانحياز.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة، إلى أن عبارة النظام الاقتصادي الدولي الجديد دخلت القاموس السياسي عبر بوابة حركة عدم الانحياز منذ مؤتمرها بالجزائر عام 1973. كما عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة السادسة الاستثنائية في أفريل 1974 بعد دعوة الجزائر لذلك، بهدف مناقشة المشاكل الاقتصادية للدول النامية. لتصدر الجمعية العامة سنة 1974 قرارين، الأول يتضمن إعلانا لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، والثاني وضع برنامج هذا النظام، وهو ما يثبت دعم الجزائر الدائم لقضايا الدول النامية.

الوساطات لتسوية النزاعات
وقد لعبت الجزائر دورا بارزا في تسوية النزاعات، من خلال الوساطات التي قامت بها كما هو الشأن لمسألة تحرير الرهائن الأمريكيين في إيران سنة 1982، وإيجاد حل للنزاع بين العراق وإيران سنة 1975، واتفاق السلام بين اثيوبيا واريتريا في سنة 2000.
ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها الجزائر خلال العشرية السوداء وغياب دورها على الساحة الدولية، إلا أنها سرعان ما استعادت مكانتها بعد انتخاب رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 . ونذكر في هذا الصدد، المؤتمر رفيع المستوى حول الأمن والتنمية والشراكة بين دول الميدان والشركاء من خارج المنطقة الذي احتضنته الجزائر في سبتمبر 2011 بالجزائر العاصمة، وشارك فيه كل من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر، فضلا عن وفدين رفيعي المستوى يمثلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد أكدت الجزائر على العلاقة الوثيقة بين التنمية والأمن في المنطقة، مبرزة الحاجة إلى إيجاد مقاربة إقليمية لمكافحة التطرف.كما شاركت الجزائر في أغلب قمم مجموعة الثمانية منذ 1999، حيث كثيرا ما كانت تغتنم الفرصة لطرح قضايا إفريقية على طاولة النقاش مع الدول المتقدمة، إلى جانب قمم مجموعة الخمسة عشر كترؤسها إحداها سنة 2004، وأخرى بهافانا بكوبا سنة 2006، كما حضرت قمة طهران بإيران سنة 2010، وكثيرا ما كانت تؤكد على ضرورة تعزيز تعاون جنوب - جنوب. وفي سبتمبر 2012، استلمت الجزائر رئاسة مجموعة( 77 + الصين) من قبل الأرجنتين، حيث عملت على تقوية التعاون والثقة بين الأعضاء، مع جعل الشراكة والحوار كآليتين لمواجهة مختلف التحديات، دفع الحوار جنوب - جنوب، تفعيل تنمية حقيقية في الدول النامية والدعوة إلى الانسجام في العمل دوليا .وشكلت التحديات العالمية كالبيئة، التنمية المستدامة والتسلح من أبرز اهتمامات الجزائر، فكانت من بين الدول السباقة إلى التوقيع على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بالتغير المناخي في مؤتمر ريو دي جانيرو سنة 1992 وكذا مشاركتها في مؤتمر الأطراف بالدوحة في ديسمبر 2012، لمناقشة قضايا المناخ، إضافة إلى تأكيدها على ضرورة تفعيل التنمية المستدامة. كما عملت الجزائر على الحد من انتشار الأسلحة في منطقة الساحل الإفريقي، لإدراكها بأن استقرار هذه المنطقة وأقاليم أخرى مرهون بعقلنة استخدام الأسلحة، لتكون بذلك الجزائر من الدول التي تسعى دائما إلى تقديم حلول واقعية للمشاكل التي تواجه الإنسانية.

محاربة الإرهاب وعدم التدخل في الشأن الداخلي
من جهة أخرى، طغت التحديات الأمنية الدولية وكيفية مجابهتها على نشاط الدبلوماسية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، مركزة جهودها على الدعوة إلى ضمان تنسيق أكبر بين المجموعة الدولية في محاربة الإرهاب وضمان الأمن، لا سيما في ظل التحولات التي عرفتها المنطقة العربية أو ما اصطلح على تسميته ب''الربيع العربي''، إلى جانب إفرازاتها التي أدخلت العالم في حسابات لا متناهية.
ورغم أن فكرة الدعوة إلى التجند الدولي من أجل التصدي للإرهاب ليست وليدة اليوم، باعتبار أن الجزائر كانت السباقة إلى مطالبة المجتمع الدولي بتنسيق الجهود والتحسيس بخطورتها، إلا أن مسألة الإرهاب والبحث عن سبل مكافحتها أخذت حيزا من نشاط الدبلوماسية الجزائرية، من خلال احتضان الجزائر لاجتماعات عالية المستوى، كما هو الشأن للندوة الدولية الأولى حول الشراكة والأمن والتنمية التي انعقدت يومي 7 و8 سبتمبر الفارط، والتي جمعت بلدان الميدان والشركاء من خارج الإقليم، الذين زادت مخاوفهم من تنامي الظاهرة، لا سيما وأن منطقة الساحل تشكل مرتعا خصبا لاختطاف الرعايا الأوروبيين ومطالبة الإرهابيين بالفدية مقابل الإفراج عنهم.
ولم تنحصر أهداف الندوة في التحسيس بخطورة ظاهرة الإرهاب، بل تعدت إلى الدعوة إلى إعطاء دفعة جديدة وقوية للتعاون بين دول الساحل والصحراء الإفريقية، ليس في مسائل مكافحة الإرهاب فحسب، بل أيضا بخصوص الجريمة المنظمة والفقر، وإنعاش الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما أمام الأزمة الليبية التي خلقت وضعا جديدا في المنطقة، مع التداول المكثف للأسلحة وعودة الرعايا الأجانب إلى بلدانهم، مما يشكل تحديات جديدة لهذه الدول.
وكل ذلك، تم في سياق تأكيد رفض الجزائر للتدخل الأجنبي، لما لذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة، حيث التزمت بهذا الموقف طبقا لمبادئ سياستها الخارجية التي دعت من خلالها إلى ضرورة وقف إراقة الدماء والعنف وإيجاد حلول توافقية بين أبناء الشعب الليبي من أجل الوصول إلى المصالحة الوطنية المنشودة.
وغير بعيد عن الوضع العربي، فقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية في المدة الأخيرة دورا ملحوظا فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث أن الجزائر أدت ما عليها في الدفاع عن حق الشعب السوري في الحرية، وكذا في عدم التدخل في شؤونه الداخلية وحقه في إيجاد حل سلمي مقبول للأزمة التي يتخبط فيها، وهذا باعتراف العديد من الأطراف، وقد فضلت الجزائر دائما الحل العربي للأزمة السورية ودفعت كثيرا في هذا الاتجاه، رغم مواقف بعض الدول العربية التي كانت تفضل تدويل الملف السوري.
كما أن أبرز ما ميز الفترة الأخيرة، هو التطورات الخطيرة التي شهدتها مشارف الحدود الجنوبية للبلاد، بسبب الأزمة في شمال مالي وذلك في أعقد قضية عرفتها المنطقة، بسبب التداعيات الخطيرة التي قد تنعكس لا محالة على كافة مناطق الساحل، وقد ركزت الجزائر كثيرا على إيجاد حل سلمي لهذه الأزمة وتفادي التدخل العسكري التي ستكون نتائجه وخيمة على المديين القريب والبعيد بشهادة جميع الخبراء والمحللين.وإذ حرصت على إبعاد الخيار العسكري في التعاطي مع هذه الأزمة، في الوقت الذي يحظى فيه بإجماع من قبل بعض الدول الإفريقية والقوى الكبرى، فإن الدبلوماسية الجزائرية لم تفقد الأمل من أجل التوصل إلى إيجاد تسوية سلمية رغم مصادقة مجلس الأمن على لائحة تجيز التدخل العسكري بشروط .
ويأتي ذلك في الوقت الذي عاشت فيه الدبلوماسية الجزائرية أصعب الظروف بعد الترويج لأخبار عن مقتل الدبلوماسي الجزائري طاهر تواتي من قبل حركة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا. وهي الأخبار التي لم تثبتها أو تنفها وزارة الخارجية، بسبب عدم وجود الأدلة الكافية. ورغم هذه التطورات، إلا أن الدبلوماسية الجزائرية لم تأل جهدا في الدعوة إلى تكثيف الجهود ودعوة دول الساحل والشريكة لها من أجل التصدي لظاهرة الإرهاب، من خلال التذكير والتحسيس بأهمية تجريم دفع الفدية بعد خوضها لمعركة دبلوماسية تكللت بموافقة أممية ودعم من قبل مجموعة الثمانية مؤخرا، على اعتبار أن الأموال المتأتية من الفدية تشكل أحد أبرز مصادر تمويل الجماعات الإرهابية سواء في الساحل الإفريقي أو في الصومال أو أي منطقة تشهد نشاطا للجماعات الإرهابية.
كما استطاعت الجزائر من خلال الاتحاد الإفريقي، تقديم مشروع قانون نموذجي إفريقي لمكافحة الإرهاب، مما يعني أن هناك إمكانية لطرح المبادرة على المستوى العربي والبحث عن صيغة للتوصل إلى توحيد التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، بما يمكن الأجهزة الأمنية العربية من تكثيف الجهود لمحاصرة الإرهاب، يأتي ذلك في الوقت الذي أثبتت فيه الجزائر تحكمها في محاربة الإرهاب. والدليل على ذلك تحرير عدد كبير من الرهائن عقب الاعتداء على المنشأة الغازية بتيقنتورين بإليزي.

إقرار بفعالية المقاربة الأمنية والسياسية للجزائر
ويمكن القول إنه تم الإقرار بالمقاربة الأمنية والسياسية التي تتبناها الجزائر على المستويات الإقليمية والجهوية والعالمية، إذ تقر القوى الكبرى بجدوى المقاربة الجزائرية التي ترتكز على الحوار لا التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعلى التنسيق الأمني والمساعدة التقنية (التكوين والسلاح الضروري لمكافحة الإرهاب)، وكان لهذا الإقرار أن تخلت الإدارة الأمريكية عن تنصيب القاعدة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، لتتحول بعدها مباشرة الجزائر العاصمة، إلى قبلة للقادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين والبريطانيين، الذين اعترفوا بالدور الريادي للجزائر في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما أكده القائد السابق لأفريكوم الجنرال، وليام وورلد في زياراته للجزائر، حيث اعترف بالدور الحاسم للجزائر في إرساء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة. كما أن العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الجزائر وأمريكا شهدت تطورا، عكسته زيارة وزير الخارجية السيد مراد مدلسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، السيد عبد القادر مساهل الذي ترأس أشغال الدورة العادية الأولى للحوار الاستراتيجي بين الجزائر والولايات المتحدة بواشنطن، رفقة نائب كاتبة الدولة الأمريكية المكلفة بالشؤون السياسية ويندي شيرمان. وذلك في انتظار أن يعقد الاجتماع القادم بالجزائر سنة 2013 .
ويعد هذا الحوار الاستراتيجي تتويجا لإرادة مشتركة لدى الطرفين الأمريكي والجزائري بالنظر لكثافة العلاقات التي كانت تستدعي التنظيم والتأطير ومزيدا من التوضيح. إذ من شأن هذا الإطار الجديد إضفاء دفع جديد للعلاقات الجزائرية الأمريكية، ومن ثم التمكين من المضي إلى أبعد من الشراكة في مجال المحروقات لتوسيع مجال التعاون إلى كل الميادين لا سيما الصحة والسكن والصناعة والفلاحة والري والثقافة والتعليم. كما تعززت العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وفرنسا، لا سيما من خلال العديد من الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين لاسيما زيارة الدولة الأخيرة التي قام بها الرئيس فرانسوا هولاند إلى الجزائر بدعوة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وعلى مستوى التعاون الإفريقي، شهدت الساحة الدبلوماسية الجزائرية، انتعاشا ملحوظا من خلال احتضانها مؤخرا لاجتماع مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، والذي خصص موضوعه للمصالحة الوطنية، باعتبارها الحل الأمثل للنزاعات، وتم في هذا السياق الإشادة بتجربة الجزائر .
كما أن أبرز حدث للدبلوماسية الجزائرية، يكمن في تدشين المقر الجديد لوزارة الخارجية، التي تعد أكبر وزارة منذ الاستقلال، وذلك عرفانا للدور الذي قامت به، سواء خلال الثورة التحريرية بإعلاء صوت القضية الوطنية عبر المنابر الدولية أو بعد الاستقلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.