تقول لي : - حدثيني عن سر الرقم 568 في يدك اليسرى -حسنا دعيني أتنفس أوّلا, لكن أخبريني قبل كل هذا كم علينا أن نموت حتى تموت الحقيقة , تلك الحقيقة المتوارية خلف ضحكة كحكمة أودعها الله في فم قديس إنها كفيلة بأن تجعل شاحنة تمرّ من فوق قدمي دون أن أتألم من شدة ذهولي , فيها حزن غريب ,إنه كلما ابتسم تفتّحت في مكانٍ ما أمنية وهوى نجمٌ وتشكّلت من الغيم محيطات ,ابتسامة واحدة منه تجعلني أركض حتى الجهة المقابلة من الكرة الأرضية دون إعياء أنه وسيم بشكل محرج , لقد كانت عيناه تحكي قصة لا أعلمها , كلما فهمته أنها جميلة بصورة غير محددة , صورة أخرى تقذفني نحو المجرّة -لما الحزن إذن؟ -الحزن ..؟هل جربت أن تشعري بحرارة دمعك في قلبك عوضا عن وجهك ؟ هل جربت كيف تبدين صلبة جدا من الخارج بينما تتهاوى بك الحياة من الداخل وتنشطر؟ الرب وحده يعلم كم مره خاطبت نفسي أرجوها ان تكفّ عن هذا الأمر وأن تتجلى خطواتي عنه ومن دون أن أشعر ألقاني عند بابه يسكنني شعور هائل بالذنب تجاه كل تلك الأمور الجيّدة التي لم اقلها له. - ربما كل ما لا نقوله هو ما ينقذنا في الحقيقة من شيء ما -وربما لا, ماذا لو قلت له مثلا أنت جميل، ومن المخزي وجودك في عالم بائس كهذا أو أن أردد وهو ينظرني كيف امكنه أن يقف علي حافة قلبي في كل مره دون أن يسقط ؟ ربما لكنت الآن أقل ثقلا على ذاتي -هل أحبك؟ - لقد قال يومها أحبك، كما لو أنه يعتذر عن كل الحماقات الذي سيقوم بها لاحقا ,تحسّست وجهه فتذكرت مقولة نيتشيه لا يوجد سطح مدهش بدون عمق مرعب , شعرتُ وقتها بفَقد يكسر قلبي وأنه من الممكن لأي انكسارٍ في هذا العالم أن يكون انا -ثم ماذا؟ _ثم إني اواري الخطى أمضي حتى أخر الشارع بلون أخر, أتخفى مني ومنه وأردد يا إلهي أهذه حياة أم حقل ألغام ؟ أركض باستمرار في الطريق الخطأ بعزيمة رصاصة لا تملك إلا أن تمضي في ذات الاتجاه, لكنني لا أخترق إلا قلبي , أهرب منه , أبكي شيئا ليس لي كأنني قشة تشعر بالذنب من أجل كل اللذين غرقوا في عرض المحيط -وهو؟ -هو سريعا يمرّ في الشارع كأن الأمر لا يعنيه مع أن الأمر كلّه أنّه يمرّ الآن في الشارع , ومثل سؤال الغريب الذي ضيّع الدرب، كنتُ أنزلق على وجه المدى بلا أجوبه - دائماً هناك شخص يمر في حياتك، يجبرك على ارتكاب الحماقات من جديد -نعم كأن ألوّح بكل ما أوتيت من حزن لتلك القوارب البعيدة , علّها تعبر ضفاف العمر تحمل ما خلّفه رحيله من غرقى في صدري , كأن أراه يمر ,يربك تفاصيل ذاتي فأضع يدي على قلبي أردد يا رب لا شتات ولا خيبة ظن ،يا رب طمأنينة لا سقوط ولا اختلال ولا تعثّر كم تمنيت يومها وأنا قريبة منه حد الحياة بعيدة عنه قدر أمنية أن أقول نحن كما ترى اثنان وأنا كما لا ترى وحدي أنا ألف موتٍ و رغبةٍ و ارتطام سيحدثون كلهم عندما تذهب, سيحدثون بي وحدي, نحن اثنان عالقان لكنني وحدي أتساقط كهزيمة,وحدي تحلّ علي ألف لعنه وأنت تلغي المسافة والأوطان والأيام و تمر مني دون إن تراني وأنا أرفع أطراف الطريق و أمر بحذر خشية أن أدوس على دمعي فأندثر , لا تراني وأنا كلما رأيت رأيتك , إنك لا ترى رأسي حين أفكّر بك، يتناقله الجحيم مثل حديثٍ محتدم,لا ترى سيل الرجفات الهائل وهو يشلّني، فتسيل إليك روحي على عكاز , إنك لا تراني و أنا أرفع حياتي و أمشي إلى صوتِك مثل فوات الأوان, لا تراني أهرب من أقدامي إليك. و لا ترى صوتَي و هو يصير نارا في جوف الحطب ,ورب عيناك يا رجل ما هذا الذي أردته أبدا .. لقد كانت الخطة أن تكون رجلا عاديّا و ممكنا , لكنت سأمر بمحاذاتك ثم أكمل حياتي بذات اللامبالاة, لكنك رجل معقد أكثر من ألف درس مرّ بي في علم الجريمة المنظّمة , لماذا أنتظرك كل ليله كأنه لا يوجد شعور آخر؟ رحمتك فأنا لا سقف لي سوى ما يحدث في الساعة 22,30 ؟ لما كلما ارتاح قلبي من صوتك تنتهك حرمته بالمرور عمدا ؟ ليتك تدرك كم هو مؤلم أن تقف خلف النافذة للاطمئنان على الأشياء التي كانت تجعل منك شخصاً موجودا , أيها البعيد الان لا يُناسبني أن أحبس كل هذا الشعور في رسالة بحجة القلم الذي بين يديك الان , أني وربّك, رب الصّدف والشارع والأمنيات قلِقة جدا عليك ، قلقة من رجوعي المستمرّ إليك من اللهب الّذي يقشّر خطواتي و أنا أرجع, من الّذي حدث في الطريق ومن الّذي لم يحدث بشدّة كأنّه حدث.. -ماذا عن الرجوع وأي سبيل ستسلكين؟ -إنه وبكل سهولة ما من سبيل , سأرحل كما رحل ,سأنسى كما نسى وأعبر الحزن إلى الضفة الأخرى -وإن رأيته؟ -بالفعل رأيته في عز الحاجة إليه ,رأيته وأنا في قمة الانكسار والخذلان والخوف والمطر , رأيته ولم يمد يده لقد كان يْأثث وقتها الفراغات في صدره وأرجو أن لا يكون ضمن الأثاث "بشر" آخر ما ينقصه مقبرة جماعية . -أخر ما تفكرين به؟ - سأنفضه مني, لقد اكتشفت أخيرا أنه كان يحبني من طرف خوفه وأنني أحببته من طرف حزني -و ال 568 ؟؟ -ليست بشيء , إنها كذبته لصيد أخرى بعدي -أنت مجنونة -هو قال وأنا أعلم...