واقع الخدمات السياحية المتدنية بالجزائر و شروط الإقامة الغائبة و ظروف الاستقبال السيئة و النقائص التي لا تحصى كانت وراء اختيار أكثر من 70 بالمائة من الجزائرين السفر خارج الوطن و قضاء عطلهم و لاسيما عطلة الصيف، و كل سنة يتكرر نفس المشهد رغم كثرة الحديث عن التحضيرات لموسم الاصطياف إلا أن الواقع يعكس أبشع الصور لشواطئ متسخة و استقبال مرعب فضلا عن غياب أسواق لائقة تشجع السياحة الى جانب الغلاء الفاحش كل هذا و عوامل طرد أخرى كانت كافية لتجعل المواطن يفكر في الهروب إلى الخارج و استثمار مبلغ قليل يتطلب توفير أضعافه لقضاء أسبوع بإحدى الولايات الساحلية. و تعتبر تونس و تركيا الوجهتين الأكثر إقبالا و تأتي بعدهما مصر و المغرب و تليها دول الخليج و بعض دول أوروبا و إن كانت اغلب الرحلات التي كانت مبرمجة نحو اسطنبول و أنقرة قد ألغيت هذه الصائفة بسبب الأحداث الأخيرة مما سجل تراجعا في عدد السواح إلا أن العروض لازالت متوفرة خاصة نحو اسطنبول التي تستهوي الزوار و تسجل عدد رحلات معتبر رغم أن الأسعار لم تعرف انخفاضا كما كان يتوقع الجزائريون و بقيت تتراوح ما بين 10 مليون سنيتم حتى 15 مليون سنتيم قيمة الإقامة لمدة أسبوع كامل باسطنبول. ذلك لم يلغ إصرار الجزائريين في قضاء الصائفة في بلدان مغايرة واضعين حجم التكاليف جانبا نظرا لما يقابلها من خدمات راقية انطلاقا من أماكن الإقامة و الفنادق المتوفرة بكل المستويات و الأسعار و بنفس الرفاهية إلى جانب خدمة الإطعام و المعاملة الجيدة و الاستقبال الراقي الذي يعتبر أحد أهم عوامل جدب السواح التي تتخذها الدول العربية على وجه الخصوص كعنصر أساسي في ترقية و تطوير السياحة و ذلك ما يتكلم عنه كل الجزائريين الذين قصدوا من قبل بعض الدول لقضاء العطلة على غرار تركيا و تونس و المغرب و مصر و دبي و قطر التي تتراوح تكلفة السفر و الإقامة فيها ما بين 20 مليون سنتيم حتى 40 مليون سنتيم فكانت رحلاتهم من رحلات الأحلام التي لا تنسى. و تعمل بعض الوكالات السياحية على تشجيع ذلك من خلال برامج العروض المغرية نحو الخارج و هي تدرك جيدا ما يستهوي زبائنها و تعرف كيف توازن بين الطلب و العرض و لم تمنع حتى المشاكل الأمنية في بعض الدول السواح عن الخروج من البلاد و تغيير الوجهة بحثا عن المتعة و الاسترخاء بعيدا عن سماء الوطن. سوس و الحمامات بأسعار مغرية ذكر العديد من المواطنين الذين وجدناهم ببعض مكاتب وكالات السياحة و الذين تأخروا عن الحجز أنهم اختاروا هذه الصائفة الاتجاه نحو تونس انطلاقا من وهران خلال شهر أوت المقبل و اغلبهم من الفئات المتوسطة الدخل عمال و جدوا ضالتهم في برنامج العروض و الأسعار المغرية لرحلات سوس و الحمامات و التي تراوحت هذه الصائفة مابين 35 ألف دينار حتى 48 ألف دينار حسب عدد نجوم الفندق و نوع الغرف و الخدمات الأخرى ففضل الجزائريون إلا أن يغتنموا الفرصة و يعيشوا المتعة بأقل تكلفة، ومن جهتهم أرجع أصحاب وكالات الأسفار انخفاض أسعار الرحلات نحو تونس إلى انخفاض تكاليف الإقامة و الإطعام و اعتماد الحكومة التونسية استراتيجيات جديدة لجلب أكبر عدد ممكن من السواح و يعتبر الجزائريون من أكثر الوافدين إلى تونس في كل العطل و يتزايد الإقبال خلال الصائفة و أكثر الفئات التي تستهويها المدن التونسية هم الشباب ثم العائلات و إن كان العدد الأكبر منها يتجه نحو المغرب التي تتراوح تكلفة رحلاتها إلى كل من أغادير و مراكش من 135 ألف دينار إلى 149 ألف دينار و هي مرتفعة بالنسبة للموظفين و الفئات متوسطة الدخل إلا أن الأسعار المغرية لرحلات تونس كانت عاملا مهما لجدب العائلات التي قام معظمها بحجز أماكنها منذ أشهر. 40 ألف دينار لا تكفي للسياحة الداخلية ينظر غالبية الجزائريين إلى السياحة الداخلية من زاوية ضيقة جدا ويصفها بالمنعدمة تماما لإهمال السلطات و غياب الاستثمار في هذا الجانب، و ان كانت معظم ولايات الجزائر الساحلية منها على وجه الخصوص تستعد كل موسم لاستقبال السواح من خارج و داخل الوطن من خلال تجهيز الهياكل الفندقية و تجنيد كل الإمكانيات البشرية لاستقبال الزبائن إلا أن الجزائري يعيش حالة تذمر لا تنتهي من مستوى الخدمات الرديء الذي تقابله أسعار خيالية تجعل السائح يفضل السفر خارجا على قضاء عطلة متعبة بإحدى المدن حيث ذكر احد المواطنين الذي قدم من الجنوب رفقة زوجته و أولاده لقضاء عطلته أن 40 ألف دينار لم تكفه لقضاء ثلاثة أيام في فندق عادي جدا و اشتكى بدوره من المعاملة و الاستقبال الذي لم يرق إلى حجم الجمال و الموقع السياحي الاستراتيجي لبلادنا و نفس الإشكال يطرحه غالبية المواطنين الذين أكدوا أن هروبهم نحو الخارج خلال العطلة ليس لان الجزائر لا تتوفر على مناطق للاستجمام و المتعة فالعالم كله يدرك المواقع الطبيعية الخلابة التي تزخر بها كل ولايات الوطن إلا أن العيب الوحيد هو تلك الخدمات السياحية المتدنية التي لا تليق ببلد غني من كل الجوانب فضلا على نقص الاهتمام بالاستثمار و التهيئة الخاصة ببعض المواقع التي تستحق أن تستغل لخدمة و تطوير و ترقية السياحة الخارجية و الداخلية. و من جهتهم أشتكى أصحاب الفنادق بوهران ذات 3 و 4 نجوم من اقتصار نشاطهم على بعض التظاهرات الوطنية و الدولية التي تجلب لهم عددا معتبرا من السواح غير ذلك فان الفنادق شاغرة طيلة أيام السنة و نفس الشيء بالنسبة للفنادق بكل الولايات و السؤال المطروح في هذا الشأن هو كيف يمكن الوصول الى أرقى مستوى للخدمات و الهياكل و المواقع السياحية في الجزائر؟ و لما لا نستفيد من خبرات و تجارب الدول الأخرى التي تعيش فقط من مرود السياحة على طول السنة؟