من عجائب وغرائب الأمور أن هذه الجزائر العاصمة، التي يقطنها ما يعادل خمسة ملايين نسمة أو أكثر، ليست بها سوى بناية مسرحية واحدة بنتها فرنسا وتركتها وراءها بعد انتهاء ظاهرة الاستعمار ،وبقيت كما هي ولم توسع أو تدخل عليها تعديلات حديثة طفيفة أو جذرية،أما البنايات المسرحية الجهوية فهي بدورها قليلة جدا ومركزة في البعض من المحافظات الكبرى مثل وهران، وبجاية، وتيزي وزو، وقسنطينة، وعنابة وهي أيضا من مخلفات فرنسا في الغالب، أما البلديات والدوائر الكبرى فإنها تخلو من المسارح الحديثة أو التقليدية وهذا يعني أن الأجيال الجديدة تعاني فعلا من انعدام النشاط المسرحي الذي يعتبر من بين ركائز الحياة الثقافية الإبداعية في أي بلد من البلدان. إضافة إلى هذا فإن الجزائر العاصمة وغيرها من المدن الكبرى تخلو من المراكز والمعاهد العليا للتكوين المسرحي المتخصصة في تدريس الفن المسرحي تاريخا، وإخراجا، وتصميما سينوغرافيا، وإبداعا للممثلين الهواة أو للأطفال. إن المعهد العالي للفنون الدرامية بمنطقة برج الكيفان الذي يعتبر الوحيد من نوعه في البلاد، يعاني بدوره من مشاكل ضخمة ومزمنة منها المشاكل الإدارية وتلك المتعلقة بضعف الإطارات المشرفة على التكوين والتدريس وخاصة بعد المحاولات التي قام بها المسؤولون لتحويله إلى معهد للسمعي البصري، الأمر الذي أثار سخط الطلبة والإطارات المكوَنة فيه معا. والملفت للنظر هو أن الجزائر تفتقد إلى معاهد متخصصة في تكوين الأطفال والشبان الصغار الموهوبين في جميع المجالات المتصلة بالمسرح، علما أن هذا النقص الفادح قد حاول بعض كبار رجال ونساء المسرح التصدي له دون جدوى إلى يومنا هذا، ومن بين هؤلاء الفنان المسرحي الجزائري الراحل منذ سنوات قليلة الأستاذ عبد القادر فراح الذي يعد من كبار الشخصيات المسرحية في العالم، والذي حاول مرارا أن يقنع المسؤولين على الشأن الثقافي والفني في الجزائر بإنشاء مدرسة وطنية خاصة بالأطفال والشبان الصغار لتكون لبنة أولية ونموذجية ينسج عليها في ما بعد على المستوى الوطني، وتكرس مهمتها في انتقاء وتكوين المواهب الجديدة وإعدادها منذ الصغر، ولتصبح هذه المدرسة النموذجية مع الوقت المصدر الذي يغذي الحياة المسرحية والسينمائية الجزائرية بالممثلين والمصممين والمخرجين الأكفاء، ولكن مساعي هذا الرجل وغيره قد عرقلت وذهبت أدراج الرياح مع الأسف.