سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة أبو بكر بلقايد ( تلمسان ) الدكتور عياد محمد سمير ل " الجمهورية " : بناء الأمن في المنطقة ، التحدي الأول للدبلوماسية الجزائرية
الجمهورية :من خلال تتبعك لمسار الدبلوماسية في الجزائر هل ثمة عصر ذهبي لها ؟ متى ؟ من قاده ؟ و ما هي القضايا التي تمّ حلها دون اللجوء إلى القوة أو وسائل أخرى لفض النزاعات ؟ الدكتور عياد : شكرا على الاستضافة ؛ أولا دعينا نقول أن العصر الذهبي للدبلوماسية الجزائرية كان نتيجة لمرجعية تاريخية وقيم محورية وثوابت إنسانية، حيث عملت الدبلوماسية الجزائرية على إرساء دعائم السلم والتعايش السلمي، كما سايرت مبادئ الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، لأن الجزائر المستقلة قد ورثت عن كفاحها الطويل رسالة إنسانية المضمون دعت إلى القضاء على جميع أشكال الاستعمار وتمكين الشعوب من تقرير مصيرها. فكان من الطبيعي أن تتمسك الجزائر بمبادئ وثوابت، حيث بنت على الساحة الدولية مكانة تميزت بسياسة داخلية وخارجية على درجة من الانسجام، تعكس التوجهات الكبرى لبيان أول نوفمبر، لذا لعبت على مرّ التاريخ دورا لمساندة القضايا العادلة وحل الأزمات والنزاعات الدولية. وهذا ليس بالغريب حيث استندت الجزائر في دبلوماسيتها على مبادئ وثوابت وهو ما نستشفه من الدستور الجزائري حيث نصت الديباجة على الالتزام بكل القضايا العادلة في العالم على رأسها مساندة الشعوب المقصورة في تقرير مصيرها، كما نصت المادة 26 على الامتناع عن اللجوء للحرب للمساس بسيادة الشعوب وكذا على التسوية السلمية للنزاعات الدولية حيث تعتمد الدبلوماسية الجزائرية مبدأ الحلول السلمية كثابت وتجنح إليه، أما المادة 27 فنصت صراحة على التضامن مع شعوب العالم بخصوص التحرر السياسي والاقتصادي، وحق تقرير المصير ونبذ التمييز العنصري، وجاءت المادة 28 لتؤكد على دعم التعاون الدولي أي تعزيز التقارب الثنائي ومتعدد الأطراف القائم على المصلحة المشتركة والرامي إلى خلق تبادل نفعي على جميع المستويات ، وأكدت أيضا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والالتزام بميثاق الأممالمتحدة. كما أظن أن السيد رئيس الجمهورية كان له الدور الأبرز في قيادة الدبلوماسية الجزائرية سواء بالنظر إلى ما تمنحه له المادة 77 من الدستور الجزائري التي تؤكد على أن السياسة الخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو من يرسم معالم السياسة الخارجية و يتولى الإشراف على نهجها، أو بالنظر إلى ما اكتسبه من خبرة طويلة حيث عين وزيرا للخارجية من 1963 إلى 1979. إن الجزائر التي لم تدافع أبدا عن أطروحات تجاوزها الزمن لطالما توفرت على القدرات التي تمكنها من التكيف مع تطور المؤثرات الجيو استراتيجية في المنطقة المحيطة بها وعبر العالم وهذا رأي عديد الخبراء والمهتمّين بالشأن الدبلوماسي الجزائري، حيث تميزت الدبلوماسية الجزائرية بالاحترافية طيلة مسارها فهي من بين أنجح الدبلوماسيات عربيا وقاريا والإشادة الدولية أحسن دليل على ذلك، فعلى سبيل المثال لا الحصر لعبت الدبلوماسية الجزائرية الدور المركزي في تحديد الحدود بين إيرانوالعراق حيث وقعت الاتفاقية في الجزائر عام 1975 بين صدام حسين الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية آنذاك وشاه إيران محمد رضا بهلوي ، كما ساهمت الوساطة الجزائرية في إيجاد حلّ سلمي لأزمة الرهائن 52 الأمريكيين الذين تمّ احتجازهم داخل السفارة الأمريكية بطهران من عام 1979 إلى 1981 والتي كان من الممكن أن تأخذ أبعادا مأساوية بالنسبة للمنطقة برمتها، حيث أعرب وارن كريستوفر كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية في تلك الفترة عن امتنان الولايات المتحدةالأمريكية وشكرها للجزائر على مساهمتها الفعالة في عملية إطلاق المحتجزين، ووصف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الوساطة الجزائرية بالمنصفة معربا في كلمة متلفزة إلى الشعب الأمريكي عن شكره للجزائر على الدور الايجابي الذي لعبته أثناء المفاوضات الأمريكيةالإيرانية. كما نجحت الوساطة الجزائرية في حلّ النزاع الاثيوبي الاريتري حيث قام المبعوث الجزائري السيد أحمد أويحي -المعروف بحنكته في إدارة الأزمات الدولية- بجولة مكوكية بين أديس أبابا وأسمرة أسفرت عن توقيع اتفاقية وقف الحرب، حيث اعتبر الاتفاق أكبر نجاح حققته الدبلوماسية الجزائرية في حلّ النزاعات في إفريقيا، علاوة على كون الاتفاق تم بحضور شهود دوليين تمثلت في منظمة الأممالمتحدة، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدةالأمريكية، الأمر الذي يدل على مصداقية الجزائر في نظر العالم فيما يخص تسوية النزاعات الدولية. أستاذ أين تضع مكانة الدبلوماسية الجزائرية في المسار الإقليمي و الجهوي ؟ الدكتور عياد : في اعتقادي ، أثرت المتغيرات الحاصلة في البيئة الخارجية والمتمثلة في نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي على التوجه العام للدبلوماسية الجزائرية، حيث شهدت أعادة ترتيب في الأولويات من خلال التأكيد على الخيارات الجهوية عوض المبادئ العالمية: تحقيق الوحدة المغاربية ، تطوير التعاون مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، التعاون الإفريقي، مكان بعض الخيارات التي كانت سائدة تاريخيا كإقامة نظام اقتصادي جديد، ليتم التخلي عن الاختيار الاشتراكي كمحدّد في السياسة الخارجية. يجب أن نشير هناك بعدين كمرجعية للانتماء: أولهما معنوي يرتبط بالعروبة والإسلام و الأمازيغية ، وثانيهما مادّي قائم على الامتداد الجغرافي داخل المنطقة العربية والمتوسطية والإفريقية. وهذا ما نصت عليه ديباجة الدستور الجزائري: "إن الجزائر، أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية، وبلاد متوسطية وإفريقية...". دعينا نذكر أن الجزائر –جغرافيا- تمثل قلب منطقة المغرب العربي بامتياز، ساهمت مساحتها الشاسعة (39.42 % من مساحة المغرب العربي الكلية: 19 مرة مساحة تونس، 05 مرات مساحة المغرب الأقصى) وطول حدودها البرية 6343 كم، في ربطها بكل الدول المغاربية بحدود برية شرقا غربا وجنوبا، كما أن امتداد ساحلها 1200كم على أكبر جزء من الضفة المغاربية على المتوسط (بعد ليبيا) جعل منها بوابة شمالية لإفريقيا السوداء على البحر المتوسط، اقتصاديا؛ اقتصاديا يحتل الناتج المحلي الخام الجزائري المرتبة الأولى مغاربيا ، أما عسكريا فقد صنف المعهد الأمريكي للدفاع الاستراتيجي الجيش الجزائري على رأس جيوش المغرب العربي، إذن ساهمت المكانة الجغرافية الاقتصادية والعسكرية في تعزيز الريادة الجزائرية مغاربيا وفي "شرعنة" طموح دبلوماسيتها في لعب دور الفاعل الرئيسي في المنطقة. انتهجت السياسة المغاربية للجزائر مبدأ حلّ النزاعات الحدودية بالطرق السلمية واعتبرته شرطا مسبقا لا نقاش فيه من أجل إرساء أية سياسة تعاون مع جيرانها، فاستقرار الحدود ضمانة للأمن المغاربي وهو ما دفع الجزائر لتوقيع عدة اتفاقيات في هذا المجال، فلا يمكن تطوير وترقية التعاون الاقتصادي إلا باستقرار الحدود في المنطقة. وتعتبر الجزائر قضية الصحراء الغربية قضية استعمار يجب تصفيته وفق المبدأ الثابت لها في حق الشعوب في تقرير مصيرها، حيث دافعت الدبلوماسية الجزائرية على خيار الاستفتاء، كما دعمت الدبلوماسية الجزائرية دور مبعوث الأممالمتحدة وبصفة عامة كل مبدأ وحل للقضية في إطار الشرعية الدولية ضمن احترام حقوق المواطن الصحراوي. كما نشير إلى أن الجزائر ركزت في مسعاها لاستعادة سمعتها الدولية على الدائرة الإفريقية، حيث سعت إلى لعب دور محوري بها، ويمكن أن ندلّل على ذلك بالتكريس المؤسساتي والمتمثل في إقرار وزارة للاتحاد الإفريقي وهو أمر يحمل دلالات واضحة على أن إفريقيا على قدر من الأهمية والخصوصية في دائرة اهتمامات الدبلوماسية الجزائرية.، وهناك جملة من المعطيات تدلّل على اهتمام السياسة الخارجية الجزائرية بالصعيد الإفريقي تتمثل في الزيارات المتبادلة حيث نسجّل في فترة ما بين 27 أفريل1999 إلى 20 ديسمبر 1999 فقط -وهي فترة وجيزة- استقبال الرئيس الجزائري ل 15 شخصية إفريقية بصفة مبعوث خاص لرؤساء أفارقة، وهي دلالة قوية على عزم الرئيس الجزائري في تعميق التشاور و خلق فرص مدّ التعاون بدول القارة. كما نسجّل ما قام به الرئيس الجزائري من زيارات بلغت ما يفوق 60 زيارة في الفترة ما بين 2000 و2007 ، واستضافت الجزائر ما بين 12 و 14جويلية 1999 القمة الإفريقية والملاحظ أن الجزائر تبنت الدبلوماسية المباشرة (ولم توجه الدعوات إلى القادة الأفارقة كتابيا فقط)، فتمّ تكليف 6 شخصيات وطنية منهم 3 رؤساء حكومات سابقين هم: السيد رضا مالك ، السيد بلعيد عبد السلام، السيد أحمد أويحي، إضافة إلى رئيس مجلس الأمة آنذاك وهو السيد بشير بومعزة ، رئيس المجلس الشعبي الوطني آنذاك وهو السيد عبد القادر بن صالح و رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الأمة آنذاك وهو السيد بوعلام بسايح ، في شهر جوان 1999 لحمل دعوات كتابية للقادة الأفارقة. وقد فّقت القمة في جمع 42 رئيس دولة ممّا عزّز فكرة أن الجزائر كسرت عزلتها في الساحة الدولية من خلال العودة الكبيرة إلى الساحة الدبلوماسية الإفريقية، كما دلّ على سعي الجزائر في إثبات دورها التقليدي في القارة. هذا ناهيك عن الدور الفعال الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية في تأسيس ودعم مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية القارة الاقريقية . وتمّ أيضا إقامة الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الافريقي بالجزائر بين 5 و20 جويلية 2009 تمّ حضور 51 دولة إفريقية إلى جانب الولايات المتحدةالأمريكية والبرازيل كضيفي شرف، هذا الحدث الذي أعادة الجزائر إلى الساحة الدولية عبر فضاء القارة الإفريقية مثلما هو الحال بالنسبة لانعقاد القمة 35 لمنظمة الوحدة الإفريقية 1999، إذن هو تدليل مادي و مهمّ على التواجد الجهوي و الاقليمي كخيار في التوجه الدبلوماسي الجزائري. 3 -ثبطت سنوات الارهاب عزيمة الدبلوماسية الجزائرية وانصرفت الدولة إلى الاهتمام بالشأن الداخلي فكيف تستطيع الجزائر استرداد مكانتها على الصعيد الدولي ؟ د ع : إن الجزائر لم تكن بمنأى عما عاشته وتعيشه وتفرزه القارة من مشكلات أمنية نظرا لكون هذه الأخيرة عابرة للحدود وفق ما تؤكده العديد من التقارير، فمثلا 80 % من الأسلحة والذخيرة الحيّة التي تغدي نشاط الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل، تأتي من مناطق النزاع في غرب إفريقيا ووسطها، وحوالي 90 % من حالات الملاريا في السنوات الأخيرة سجّلت على مستوى ولايتي أدرار و تمنراست ومصدر العدوى هو بنسبة 95 % من مالي والنيجر. إن السياسة الجزائرية في مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة والهجرة السرية تتراوح بين العسكرية وغير العسكرية وتربط بين الأمن والنمو والاستقرار السياسي الاقتصادي والاجتماعي في القارة، وباعتبار الفقر وضعف التنمية من أهم مسببات التهديدات الأمنية الدولية ، وأن القضاء عليها مرتبط بتغيير البيئة الأمنية خاصة الإفريقية لتصبح أكثر إنسانية، واستجابة لتطلعات وحاجات الأفارقة، فإن الدبلوماسية الجزائرية في هذا الخصوص قائمة على إجراءات دعم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، بتنمية القارة خصوصا الأقاليم الأكثر تضررا عبر المطالبة بتمكين دول القارة من الانتقال من حالة التبعية والاستدانة المزمنة إلى حالة القدرة على التنمية تفعيلا لمبادئ التضامن الدولي. وفي هذا الصدد عملت الدبلوماسية الجزائرية على تسويق رؤيتها وإستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب حيث صادق وزراء العدل الأفارقة بالإجماع على الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب في 1999، بذلك تمكنت الجزائر من تسويق نظرتها إلى إفريقيا وضمنت عدم التعرض لحركات التحرر كالبوليساريو ومنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث يضع الجزائر في حرج نظرا لثوابت سياستها الخارجية المساندة لحركات التحرر، ومن جهة أخرى كسبت شرعية إدارة الأزمة وإعادة تلميع صورتها في إفريقيا. 4 -إنّ نوعية مساهمة الجزائر في حل النزاعات جعل منها بلدا ذا وزن على الساحة الدولية و هذا تأثير مؤسس على عوامل أخلاقية قد تعزز بالمزايا المتعددة التي تزخر بها البلاد فكيف للجزائر الحفاظ على هذه المكانة ؟ د ع : أعتقد أنّ الإرادة قوية والعزم جلي بينة لدى صانع القرار السياسي في الجزائر على حتمية عودة الجزائر لمكانتها الفاعلة على الصعيد الدولي، حيث تشير عديد من الدراسات المهتمة بالشأن الدبلوماسي الجزائري أنه على الجزائر أن تقوم بترقية الاعلام والاتصال الخارجي لما لهما من دور وقدرة على تبليغ المعلومة ورسم الصورة الصحيحة في الخارج حول الوضع الداخلي في الجزائري عن طريق التعاطي الايجابي مع وسائل الاعلام الأجنبية لما لها من دور في التأثير على الرأي العالم العالمي، كما يجب على الجزائر بعث علاقات صداقة والتعاون في الخارج لتمكين الجزائر من احتلال موقع في المحافل الدولية مما يقتضي تبني دبلوماسية نشطة تنتهج خيار البراغماتية مع الأخذ بعين الاعتبار متغيري الواقعية والثوابت الوطنية. كما يجب على الجزائر بعث التنمية داخليا وتنويع مصادر الدخل لتحسين الوضع الداخلي من منطلق أن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية. بالتالي لا بدّ على الدبلوماسية الجزائرية أن ترسم استراتيجية استباقية ويقظة للحماية من الأزمات المحتملة، كما يجب عليها أن تعمل مع دول الجوار لتطور حركيات تفاعل عسكري للإدارة المشتركة للحدود، بالإضافة إلى تطوير دبلوماسية وقائية نشطة لاحتواء التأثيرات المحتملة من أجل سلامة الوطن. 5 في رأيك أستاذ إلى مدى ساهمت الدبلوماسية الجزائرية في تدويل قضيتها الاستعمارية و تدوينها في هيأة الأممالمتحدة بعد مؤتمر باندونغ د ع : في مؤتمر باندونغ تمت دعوة الجزائر كعضو ملاحظ نتيجة لمساعي الحثيثة التي قام بها مكتب الاعلام الخارجي للثورة بجاكرتا، حيث قاد الوفد كل من أمحمد اليزيد وحسين أيت أحمد، وفي هذه المؤتمر لم يكن مسموحا للوفد الجزائري المشاركة في النقاشات، وهنا لجا الوفد الجزائري إلى خطة ذكية لتعريف الحضور بالجزائر حيث توجه محمد اليزيد إلى أمانة المؤتمر وطلب من القسم التقني بأن ينادي كل نصف ساعة لطلب الوفد الجزائري، فظل القسم التقني يكرر بت النداء طيلة أشغال المؤتمر وما إن حل المساء حتى نجحت الخطة وبدأت الوفود المشاركة تتساءل عن الجزائر، هذا مثال بسيط عن حنكة دبلوماسيينا، حيث تم إدراج الجزائر في المؤتمر وتدوين قضيتها. ونتيجة للحراك الدبلوماسي بدأت التوصيات بإدراج القضية الجزائرية ضمن مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالرغم من أنه لم يكن بالأمر الهين، ومنذ الدورة الحادية عشر للأمم المتحدة لم تعد الأطروحات الفرنسية تقنع الكثير، حيث تقدمت 22 دولة من المؤتمر الأفرو أسيوي بطلب قصد جدولة القضية الجزائرية ضمن أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة مرفوقة بتقرير عن الخروق الفرنسية في الجزائر وانتهاكات حقوق الانسان وجرائم الابادة الجماعية، وعرف الأداء الدبلوماسي الجزائري تقدما ملحوظا بدءا من الدورة الثالثة عشر. 6-صفّق كثير من المحللين السياسيين و الدبلوماسيين في سوق النفط للدبلوماسية الجزائرية التي استطاعت مؤخرا استجماع رأي دول أوبيك و أخرى غير عضوة ( في الندوة الدولية حول الطاقة التي احتضنتها الجزائر الأسبوع الماضي ) حيث تم اتخاذ قرار تاريخي بتخفيض انتاج النفط بحوالي 750 ألف برميل يوميا ليستقر في حدود ال 32.5 برميل يوميا . فكيف في رأيك استطاعت الجزائر توظيف دبلوماسيتها في هذا الشأن ؟ د ع : صحيح ، توصل اجتماع الجزائر غير الرسمي لمنظمة الأوبك إلى قرار تاريخي، حيث كشف رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط، القطري محمد صالح السادة بالجزائر أن المنظمة قررت خفض انتاجها إلى مستوى يتراوح بين 5ر32 مليون برميل يوميا إلى 33 مليون برميل يوميا. وبعدما أكد ان نتائج اجتماع الجزائر كانت تاريخية، كما ثمن السادة "الأجواء الإيجابية" التي سادت اجتماع الجزائر. وأشاد وزير النفط العراقي جبار علي حسين اللعيبي بدور الدبلوماسية الجزائرية الطاقوية الفاعلة لإنجاح قرارات الاجتماع مؤكدا أن حصة العراق من الخفض ستقرر لاحقا، من جهته نوه وزير النفط النيجيري ايمانويل ايبي كاشيكوو بالاتفاق "الجد ايجابي". هي شهادات من فاعلين في سوق النفط الدولية عن دور الدبلوماسية الجزائرية في إنجاح الاجتماع وتقريب وجهات النظر تمهيدا لقرارات مهمة أخرى سيتم اتخاذها في 30 نوفمبر 2016، كان مهمة الدبلوماسية الجزائرية تبدو شبه مستحيلة في البداية، خاصة بعد فشل عقد قمة لأوبك عام 2015 والتي بادرت فنزويلا بالدعوة إليها، كما فشل اجتماع الدوحة في أفريل 2016 في الوصول إلى اتفاق لإعادة التوازن إلى السوق، بسبب ما قيل عن خلافات بين إيران والسعودية حول مسألة الحصص في المنظمة. وهنا أكد خبراء اقتصاديون أن القدرات المميزة للدبلوماسية الجزائرية منذ أن رفعت مبدأ عدم التدخل وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، كما أن الجزائر لم تخل يوما بالتزاماتها اتجاه الأسواق أو اتجاه شركائها، وبقاء الجزائر على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة ، فالجميع ينظر للجزائر بعنصر الثقة والتقدير لقوتها ولأهميتها في المنطقة. إضافة إلى التهديد قريب المدى لمستوى الأسعار في فصل الربيع وهي عقود تتميز بهبوط الطلب بسبب تراجع الطلب على وقود التدفئة، وبحكم اعتمادها شبه الكلي على عائدات الطاقة في اقتصادها، وضعت السلطات الجزائرية مسألة بحث توافق لتثبيت الإنتاج وحتى خفضه على رأس أولوياتها منذ مطلع عام 2015 أوفد رئيس الجمهورية شهر فيفري وزير العدل السابق الطيب بلعيز المملكة العربية السعودية،وأوفد وزير الطاقة السابق يوسف يوسفي، إلى رئيس أذربيجان التي تعد قوة بترولية جهوية هامة في القوقاز الذي سلمه رسالة حول نفس الملف، من جهته بحث الوزير الأول عبد المالك سلال، خلال مشاركته في قمة الاتحاد الإفريقي بأديس بابا مطلع عام 2015 مع رؤساء البلدان الأعضاء في جمعية منتجي البترول الأفارقة ملف أسعار النفط، ويتعلق الأمر بكل من نيجيريا و الغابون و أنغولا والكونغو وغينيا الاستوائية و الجولات المكوكية لوزير الطاقة نور الدين بوطرفة مطلع شهر سبتمبر إلى دول مثل إيران وقطر وروسيا، إذن هي عوامل استثمرتها الدبلوماسية الجزائرية ورمت بكل ثقلها من أجل البحث عن توافق بين الدول المنتجة للنفط يفضي إلى تسقيف الانتاج لامتصاص الفائض في العرض، وهو ما حول اجتماع الجزائر إلى اجتماع استثنائي مستعجل خرج بقرارات تاريخية. 7-هل يمكن أن نعوِّل على مزيد من الأدوار لهذه الدبلوماسية لإعادة سوق النفط إلى مساره الأول خاصة أن قانون المالية ل 2017 اعتمد على أساس سعر مرجعي يساوي 50 دولار للبرميل ؟ د ع : إن إعداد حسابات الميزانية في مشروع قانون المالية 2017 على أساس سعر نفط عند 50 دولارا للبرميل بعد أن كانت تحتسب على أساس سعر مرجعي ب 37 دولارا منذ 2008 هي سياسة واقعية، فمع سعر مرجعي ب 50 دولارا، قريب جدا من السعر الحقيقي في السوق العالمي، ستصب العائدات النفطية مباشرة في الميزانية، وفي حالة تسجيل سعر أعلى من 50 دولارا فإنه سيتم توجيه كل الفوائض بشكل آني إلى الميزانية، وهو رأي مهتمين بالشأن الاقتصادي. حقيقة أن الجزائر لعبت دورا حساسا في الندوة، لكن لا بدّ علينا أن نعمل على تنويع الاقتصادي للخروج من التبعية للمحروقات، فالأسعار مرهونة باتفاق بين روسيا والعربية السعودية وإيران لتجميد الانتاج من أجل الخروج بحل للأزمة النفطية، لأن تجميد الانتاج حاليا سيقتصر على استقرار الأسعار في مستواها الحالي بين 45 دولار و49 دولار بالتالي على دول أوبك –ومنها الجزائر- تكييف ميزانياتها على حسب هذا السعر، فكل دولار ينزل فيه خسارة للجزائر بقيمة 60 مليون دولار، من هنا هذا الاتفاق سيعيد التوازن للسوق النفطية بحدود منتصف 2017 مما سيعرف الأسعار إلى ما بين 55 و 60 دولار للبرميل. 8- كثير من القضايا الدولية و الاقليمية التي طفت إلى السطح بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي كان يمكن تجنب اتساع دائرتها و تحولها إلى بؤر توتر لو استعمِلت فيها الدبلوماسية و ترجيح الحلول السياسية ، فكيف تتعامل معها الدبلوماسية في بلادنا ؟ د ع : صحيح ؛ مثلا تتعامل الدبلوماسية الجزائرية وفق استراتيجية محكمة لإيجاد حلّ لمختلف الأزمات خاصة المحيطة بنا، كشمال مالي وهذا وفق مسارين: مقاربة تنموية ومقاربة عسكرية، حيث أكدت على الحوار السياسي المباشر مع جميع الحركات المطلبية المؤثرة في الأزمة، كما قامت الدبلوماسية الجزائرية بعقد عدة لقاءات لدراسة طرق التكفل بمطالب مناطق سكان المناطق الحدودية من أجل خلق بيئة تنموية محفزة للسلم والاستقرار، دون تجاهل المقاربة العسكرية لمنع تسلل الجماعات الجهادية. هذا ونقر بأن الجزائر تعتبر أن الفقر وضعف التنمية هي مسببات التهديدات الأمنية الآتية المحيط الاقليمي ، بالتالي فالقضاء عليها حسب الرؤية الجزائرية مرتبط بتغيير البيئة الأمنية الإقليمية لتصبح أكثر إنسانية، من هنا لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا فعالا في دعم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي بتنمية القارة الإفريقية. وعلى صيد التحولات السياسية التي عرفتها دول الجوار أكدت الدبلوماسية الجزائرية على أن عملية الاستقرار لا يمكن أن تحدث إلا في إطار نظام سياسي قوي ومعارضة قوية ومجتمع مدني قوي. 9- من مالي إلى سوريا مرورا بليبيا أظهرت الجزائر موقفها الثابت حول الحل السياسي للنزاعات دون استعمال القوة ( و الجميع يعرف أطماع الغرب في هذه البلدان و التخطيط لرسم خارطة جديدة ) ألا يجلب ذلك للجزائر متاعب في السياسة و الاقتصاد و حتى الأمن من قبل القوى العظمى؟ د ع : دعيني أشير في البداية إلى التنافس الدولي -أو في بعض الأحيان تقاسم الأدوار- بين القوى الكبرى والقوة العظمى في النظام الدولي حول بعض المناطق الإستراتيجية وللأسف عدم استقرارها يؤثر بصورة مباشرة على الأمن القومي الجزائري، فمثلا الموارد الخام والموارد المعدنية توجد في 28 بلدا افريقيا ، النحاس والفوسفات في 16 دولة افريقية، النفط في 20 دولة افريقية، الذهب في 22 دولة افريقية، استثمرت شركات النفط الأميركية أكثر من 40 مليار دولار في وسط أفريقيا وغربها، ترتبط 100 ألف وظيفة في الولايات المتحدةالأمريكية بالنفط الافريقي ، تعتبر النيجر ثالث مصدر لليورانيوم في العالم... هي مؤشرات تبين أهمية المنطقة بالنسبة للغرب، لذا تريد القوى الكبرى أن تكون الفاعل الأول فيما يحدث بالمنطقة وفي رسم معالمه المستقبلية، والدبلوماسية الجزائرية تعتقد يقينا أي تدخل عسكري على حدودها يؤثر على أمنها بصورة مباشرة، وإذا أخذنا مثال مالي نرى أن وجود حدود على طول 1376 كم بين مالي والجزائر يجعل تأثر الجزائر أكيدا لا سيما مع وجود حركات ارهابية ناشطة في المنطقة، انعكاسات متعددة إنسانية مع فرار عشرات الآلاف من الماليين بسبب العنف إلى الجزائر والتي تكون مجبرة على تقديم المساعدات الغذائية والطبية الضرورية، انعكاسات أمنية حيث يؤدي التدخل العسكري إلى نقل عدد كبير من الأسلحة الثقيلة على الحدود بين البلدين وإمكانية دخول هذه الجماعات الارهابية إلى الجزائر، انعكاسات اقتصادية نتيجة للتكلفة الناجمة عن نقل وتجنيد الجنود عبر الحدود. هذا ناهيك عن أن التدخلات العسكرية المادية في مختلف مناطق العالم لم تبن أمنا وسلما بقدر ما خلقت فوضى كالتدخل العسكري في في الصومال 1992، في هايتي 1994، في صربيا 1994، في أفغانستان 1998، في العراق 2003، في ليبيا 2011 والذي أدى إلى تفكك المجتمع الليبي وتفكك الدولة ككل، وهو ما تأكد بعد مرور خمس سنوات على التدخل. من هنا يمكن أن أقول أن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في التقليل من حدة التهديدات الأمنية وخلق نوع من الاستقرار الأمني في المنطقة سيؤدي إلى فقدان القوى الكبرى لمبررها بالتواجد وبالتالي عدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية. 10-ما هي تحديات الدبلوماسية الجزائرية الراهنة جهويا و اقليميا و دوليا ؟ د ع : تواجه الدبلوماسية الجزائرية تحديات كبرى مستقبلا، يرتبط أهمها بالمحيط الإقليمي على غرار الأزمات الأمنية في ليبيا ومالي، وهشاشة بعض الأنظمة السياسية، وهو ما يطرح رهانات متعلّقة بالوساطة الجزائرية لحل تلك الأزمات متعددة الأبعاد. فالدبلوماسية الجزائرية ستكون أمام تحديات صعبة، إقليمية متعلقة بالأساس في كيفية بناء أمن الذي أصبح حاجة وغاية ومعضلة وتهديدا في نفس الوقت، كيف يمكنها بناء مركب أمني جهوي عن طريق ربط اقتصاديات دول المنطقة بشبكة متينة من العلاقات على غرار ما حدث في منطقة جنوب شرق آسيا، وهذا بالاعتماد على معادلة 4P: حماية PROTECTION، وقاية PREVENTION، استباق PRECAUTION، ترقية PROMOTION. كذلك ستواجه الجزائر تحديات تتعلق أساسا بحث الأطراف المتصارعة في الجوار على ضرورة إقامة حوار سياسي مع الحركات المطلبية دون التساهل مع الحركات الإرهابية قداسة الحدود الموروثة عن الاستعمار والوحدة الترابية لدول المنطقة غير القابلة للمساومة أمام التدخلات العسكرية الأجنبية. 11-كأستاذ متخصّص في العلاقات الدولية هل لا تزال الدبلوماسية ( بصفة عامة ) باستطاعتها تجنيب شعوب و دول الحروبَ أم أنّ دورها تحصيل حاصل بعد وقوع هذه الحروب وتتدخل لمجرد تسجيل الحضور د ع : على العكس من ذلك، الدبلوماسية الوقائية تدل على الجهود المبذولة لمنع نشوب النزاعات أصلا، تعتمد على صنع السلم الذي يرتكز بدوره على التوفيق بين الأطراف المتنازعة عن طريق الوسائل السلمية بشكل رئيسي، فهي تشير إلى الإجراءات الدبلوماسية المتخذة للحيلولة دون تصعيد التوترات إلى نزاعات وللحد من انتشار النزاعات عند حدوثها.عن طريق التواجد بمناطق الأزمات بغرض تشجيع الحوار والتوصل إلى حلول توافقية وتسوية التوترات بالوسائل السلمية. من هنا تعمل الدبلوماسية الوقائية على بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة للإعراب عن النوايا الطيبة وعن الرغبة في دعم العلاقات الثنائية، كما قد تعتمد الدبلوماسية الوقائية على تقصي الحقائق أي جمع المعلومات عن أطراف النزاع من أجل أن يكون هناك إنذار مبكر فعال عن طريق بناء شبكة للمعلومات في جميع أنحاء العالم ترصد كل المؤشرات الدالة على حدوث نزاع دولي أو إمكانية حدوثها لكي يتم بناء إجراءات لازمة للوقاية من الآثار السلبية للنزاعات كل ذلك من أجل بناء سلام مستقر.