لقد كرم الله الإنسان وميزه بالعقل ليبدع ويعبر عن رأيه و مشاعره وأفكاره ويعيش متحررا من الظلم والاستبداد وظل يكافح عبر العصور للتمتع بالحرية والكرامة في ظل أنظمة سياسية تحاول بقوة إخضاعه لإرادتها والسيطرة عليه فحتى في أثينا القديمة باليونان مهد الديمقراطية حكم على سقراط بالموت بدعوى أنه كان يفسد عقول الشباب بأفكاره ؟. وجاء الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي ليخرج الناس من الظلمات إلى النور فحرر العبيد وحمى المرأة من الوأد وأعطاها حقوقها وشرع الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقام الحسبة لرفع الظلم وصرخ الخليفة عمر بن الخطاب قائلا (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟ وقال أعرابي للخليفة أبي بكر الصديق (والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا)؟ دون أن يتعرض للضرب أو الاعتقال لكن سرعان ما انقلبت الأمور وتحولت الخلافة إلى ملك عضوض وتشبه الحكام المسلمون بملوك الفرس والرومان فاحتجبوا عن الجمهور واستبدوا بالرأي ومنعوا كل صوت مخالف لهم وصار السلطان ظل الله في أرضه ودخل العالم الإسلامي في عصور الانحطاط والتخلف لقرون دون أن يجد طريقا للخروج منها بينما تلقفت أوروبا منه الأفكار النيرة عن طريق الاحتكاك به في الأندلس وصقلية لتخرج من ظلمات العصور الوسطى وتدخل عصر النهضة والإصلاح الديني وتفتح آفاقا جديدة للفكر فتخلصت من هيمنة الكنيسة وسيطرة الملوك الذين كانوا يدعون أن دماءهم مقدسة ليست كدماء شعوبهم فقامت الثورة في بريطانيا سنة 1688ضد الملك وصدر أول دستور يعطي حرية الكلام في البرلمان ثم بدأ عصر الأنوار بفرنسا في القرن الثامن عشر الميلادي عن طريق الكتاب الموسوعيين مثل فولتير وجان جاك روسو ومنتسيكيو الذين نادوا بالحرية وحقوق الإنسان في مؤلفاتهم مثل العقد الاجتماعي لروسو صاحب مقولة (لقد خلق الإنسان حرا لكنني أراه مكبلا بالأصفاد) والتي تذكرنا بمقولة عمر بن الخطاب السابقة كما ألف منتسيكيو كتاب روح القوانين وقد عجلت هذه الأفكار بقيام الثورة الفرنسية 1789التي رفعت شعار الحرية والعدالة والمساواة فأصدرت الجمعية الوطنية التأسيسية الوطنية بفرنسا إعلان حقوق الإنسان والمواطن في تلك السنة ودعمت فرنسا الثورة الأمريكية وأهدتهم تمثال الحرية وانتفضت شعوب أوربا مطالبة بالحرية والحقوق. وخلال الحرب العالمية أصدر الرئيس الأمريكي ديدرو ويلسون مبادئه الأربعة عشر التي تحدث فيها عن حق تقرير مصير الشعوب المستعمرة واعتمد الحلفاء الحريات الأربع (حرية التعبير وحرية التجمع والتحرر من الخوف ومن الحاجة )وفي 1919تكونت عصبة الامم التي نص ميثاقها على بعض حقوق الإنسان وهو ما تكرس في ميثاق الأممالمتحدة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية (1945) والتي تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10ديسمبر 1948بعد أن صوتت عليه 48دولةوامتناع 8دول عن التصويت ودون معارضة وذلك في قصر شابو بالعاصمة الفرنسية باريس وقد ساهم المحامي الجزائري الشهيد على بومنجل في إعداد إعلان حقوق الإنسان المكون من 30مادة الذي نص في مادته الثالثة على أن (لكل إنسان الحق في الحياة والحرية والأمان على نفسه) وقد أكد الإعلان صراحة على حرية التعبير في المادة 18بقوله (لكل الحق في حرية التفكير والضمير والدين ,,)ليفصلها في المادة 19(لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأخبار والأفكار وتلقيها ونشرها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية). وفي سنة 1966تدعم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوثيقتين دوليتين هامتين هما الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وضمتا للإعلان لتشكل معا لائحة الحقوق الولية للإنسان التي أخذت قوة القانون الدولي بعد المصادقة على الميثاقين سنة 1976 ورغم الدساتير والقوانين والمؤتمرات والخطب السياسية تظل قضية حقوق الإنسان مطروحة في ظل اختلاف الأنظمة السياسية والفواق التي بين الدول والهواجس الأمنية حيث يظل الرقيب يترصد الآراء والأفكار عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ولم يمنع صدور إعلان حقوق الإنسان سنة 48من تأميم وسائل الإعلام في دول المعسكر الاشتراكي والكثير من دول العالم الثالث حتى انهار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي سنة 91وظهور صحافة مستقلة في تلك الدول ورفع أمريكا والدول الغربية لشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان واتخاذه مبررا للفوضى الخلاقة وزرع الفتن والحروب الأهلية خاصة في المنطقة العربية التي تكتوي بنار ثورات الربيع العربي الموهومة المخربة للأوطان والمفرقة بين الأهل والأخوان فالحرية كالدواء جرعتاه الزائدة قد تقتل وهكذا حرية التعبير التي تبقى ضرورية في حدودها المعقولة.