لطالما كانت الثورة الجزائرية– ولا تزال- ملهمة لأجمل الأعمال السينمائية التي أسست لسينما جزائرية عانقت العالمية وتعلق بها المشاهد الجزائري جيلا بعد جيل ، مما رسخ لدى الكثير أن السينما الجزائرية لا يمكن أن تتألق إلا اذا مدت يدها داخل سلة التاريخ ، لكن رائعة "عمر قتلاتو الرجلة " للمخرج مرزاق علواش ، وهي الدراما الاجتماعية من سبعينات القرن الماضي ، تنسف هذا الطرح ، كيف لا ؟ وهذا الفيلم الذي أنتج قبل 40 عاما ، لا يزال يحظى بمشاهدات تفوق الأفلام التي أنتجت في السنوات الأخيرة ، وموقع اليوتيوب شاهد على ذلك . ويجمع الكثير من أهل الاختصاص أن تميز هذا العمل السينمائي يعود بالأساس إلى الانغماس الكلي في واقع المجتمع الجزائري ، فكل المعايير التي يراهن عليها أي مخرج سينمائي لصناعة فيلم متميز ، غابت في فيلم مرزاق علواش ، فلا قصة درامية مشوقة ، ولا أحداث مثيرة ، ولا طابوهات كسرت ، كل هذا غاب ، لكن الابداع كان حاضرا في كل مشهد من مشاهد الفيلم ، بفضل الفلسفة السنيمائية للمخرج مرزاق علواش الذي حرص في هذا الفيلم على الاقتراب والغوص قدر الإمكان في المجتمع . الفيلم يتتبع طيلة مدة عرضه يوميات شاب جزائري يعيش في باب الواحد رمز الأحياء المهمشة هذا الموظف الشاب يحيا حياة منمطة يتقاسمها معظم شاب الجيل الأول بعد الاستقلال ، نمط حياة يعكس رتابة العيش والروتين الذي بسط مخالبه على شباب السبعينات .عشق هذا الشاب للسينما الهندية وتعلقه بالموسيقى الشعبي حافظا على نسق حياته العادي،وبالرغم من تعرض جهازه الموسيقي للسرقة ، إلا أنه استطاع الحصول على جهاز جديد والعودة إلى وضعه السابق، دون أن ننسى الفتاة التي تسللت إلى قلبه من خلال شريط " كاسيت " بصوتها العذب ، الذي كاد أن يحدث تقلبات وارتجاجات في حياته ، لولا أن عاد أدراجه لوضعه الأول ، لينتهي الفيلم كما بدأ . " عمر قتلاتو" ليس فقط عنوانا لفيلم سينمائي، بل هو جزء من الثقافة الشعبية، يتداولها الكبار والصغار للتعبير عن مواقف اجتماعية مختلفة مستوحاة في الغالب من مشاهد الفيلم ، والكثير منهم يردد عبارة " عمر قتلاتو الرجلة "، دون أن يعلم أنها في الأصل عنوان لفيلم سينمائي، الفيلم لا يزال يلقى رواجا لدى الجمهور الجزائري ، ليس فقط لجماليته الفنية ، بل لسبب بسيط لا نكاد نجده في الكثير من الأعمال السينمائية الحالية ، ألاو هو نقل الواقع بصدق ودون مساحيق والتوغل في التفاصيل اليومية للفرد، ترجمة الواقع هي فلسفلة قائمة في معظم أعمال مرزاق علواش، نجدها أيضا في عمله الأخير" مدام كوراج " الذي سنتطرق إليه في موضوع آخر .