تفتقد مناطق النشاط الصناعي بولاية وهران لأدنى الضروريات كونها تعاني من غياب كلي للهياكل القاعدية اللازمة التي تسهل لها الإنتاج بالكميات المطلوبة. فواقع المنشآت الصناعية حاليا يعكس النقائص المسجلة على مستواها والمشاكل التي تدخل فيها منذ سنوات طويلة. دون أن تتمكن من تجاوزها أو حتى معالجة جزء منها وبالطريقة التي تجعلها تحسن من خدماتها وتحقق لنفسها مسارا تنمويا بعيدا عن هذه العراقيل. فالإحصائيات المستقاة من الجهات الوصية والسّجلات الخاصة بمديرية التخطيط والتهيئة العمرانية تبثت أن ّ عدد الوحدات الإنتاجية بإختلاف تخصصها ونشاطها قد عرف ارتفاعا كبيرا في السّنوات الأخيرة بموجب عوامل إقتصادية ساعدت على تضاعف فئة المتعاملين الإقتصاديين عبر الوطن الذين اختاروا مساحات شاسعة لتشييد هياكل تجارية وإنتاجية تنشد بصفة مستمرة. وأمام هذا التغيير إتسعت رقعة المشاكل وتزايدت قائمة النقائص بعدة وحدات لا ترتبط ببعضها البعض وليس لها أي صلة مع بقية المنشآت إلا من حيث هذا الجانب الذي تحول مع مرور الوقت إلى واقع تعيشه كل المؤسسات وتشترك في قاسم واحد يترجمه غياب التهيئة بهذه المواقع. وإن كان المسيرون قد حققوا طيلة هذه الفترة أهدافهم وأثبتوا كفاءاتهم وخبرتهم المهنية في الميدان إلاّ أن هذا العائق ظل يفرض نفسه ويلازم مناطق النشاط الصناعي إلى يومنا هذا الدليل ماتشهده مختلف البلديات من تدهور بيئي بدرجات متفاوتة. وإذا حصرنا النقائص التي تلازم المنشآت المصنفة المتواجدة بمناطق النشاط الصناعي في غياب التهيئة فإن هذا يعني أنّ كل مظاهر الإهمال موجودة من إهتراء الطرقات، غياب الإنارة العمومية إنعدام شبكات الصرف الصحي والقائمة طويلة، فليس من المعقول أن تنشط هذه الوحدات على إمتداد عدّة هكتارات وتغرق السوق المحلية بمنتوجات متنوعة وهي لحدّ الآن تعتمد على طرق ترقيعية للتخلص من نفاياتها الصّناعية أو من المياه المستعملة في إنتظار تجسيد حلول تقضي على هذه الإشكالية حتى وإن إقتضى الأمر أن تنتظر طويلا لتجاوزها مادام ذلك لا يؤثر على نشاطها بشكل مباشر وهو ما وقف عليه والي الولاية في زيارته التفقدية لإحدى البلديات أين طرح سكانها بحدة هذه الإشكالية، بعدما تعذر عليهم الإستفادة من الإمتيازات التي تحققها الوحدات الإنتاجية وانشغوا بالواقع المتدهور لبلدياتهم. ثلاثون سنة من الإهمال ولا تختلف كثيرا المناطق الصناعية عن المواقع الأولى حيث تعاني هي الأخرى من غياب التهيئة بمساحات عديدة على مستوى بعض البلديات وهي النقطة الوحيدة التي تشترك فيها مع مناطق النشاط فيما تتباين من حيث نوعية النشاط فالأولى يصنفها القانون ضمن قائمة المنشآت المصنفة لإنتاج الأدوية الصناعة الغذائية وغيرها أما الثانية فتحوّل لها المراسيم التنفيذية أن تستقبل مساحات كبيرة في التخزين أو الحرف التقليدية ومع ذلك فإن العديد من المتعاملين لا يحترمون الإختلاف المنصوص عليه في القانون ولا يعيرونه أدنى إهتمام خاصة أنّ الكثير منهم إستغلوا غياب أجهزة الرقابة وراحوا ينشطون بأماكن غير مهيّأة لإستقبال نشاطات صناعية وأخرى كيميائية ويفضّلون مواقع هي في الأصل موجهة لمنتوجات بسيطة لا تحتاج لمواد كيميائية أو تركيبية معقدة. أسفرت الصيانة الميدانية التي أجرتها لجنة المنشأة الإقتصادية والتنمية التابعة للمجلس الشعبي الولائي عن تسجيل ملاحظات عديدة لها علاقة بنفس الإشكالية حيث تبين أن طيلة 20 سنة ظلت مواقع بمناطق النشاط الصناعي مهملة. رغم التحولات الكبرى التي شهدتها الولاية خلال هذه الفترة ولم تتمكن هذه الأخيرة من تجاوز العقبة. وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء وبالضبط في منتصف الثمانينات سُطرت برامج خاصة لفائدة البلديات وجهت من خلالها تعليمات لرؤساء المجالس تلزمهم فيها بتخصيص عقارات تتوفر فيها كل الشروط التقنية لإحتضان مثل هذه النشاطات لتفادي المشاكل الناجمة عن إحترام المعايير البيئية والعمرانية قصد حماية النسيج العمراني من السّموم التي تلفظها المصانع مع خلق توازن بين المناطق المخصصة للنشاط الصناعي والحرفي والأحياء السكنية. واعتمد البرنامج بالدرجة الأولى على إعادة تأهيل البلديات وتوفير مداخيل جديدة تثري بها خزينتها من خلال المشاريع المجسدة بالمساحات التابعة لها إقليميا وبعد مرور أكثر من عشرين سنة ظل البرنامج مجرد وثيقة ضبطت فيها كل المقاييس والإلتزامات وظلت البلديات تنتظر أن يطرح الملف جديد على طاولة نقاش المسؤولين . وبدلا من أن تستغل المساحات المهملة أنشطة صناعية وحرفية حولت إلى مفرغات عشوائية مناطق للرعي وأكثر من ذلك غيرت وجهتها نحو عقارات سكنية ضاربة عرض الحائط كل القوانين والأنظمة المسيرة لها خلال مدة زمنية طويلة وبذلك استغلت بطريقة عشوائية من طرف غرباء ليست لهم أي علاقة بالقطاع في الوقت الذي خصصت هذه المناطق لتجسيد أهداف اقتصادية وتحريك عجلة التنمية بالبلديات الفقيرة. وإستنادا لخبرة بعض المختصين فإن دائرة بوتليليس لوحدها تضم مساحة معتبرة تتجاوز 56 هكتارا عديمة النشاط ولم تتعد لحد الآن خانة الإهمال، إضافة إلى منطقة النشاط الصناعي بسيدي بن يبقى التي هي الأخرى تصارع نفس المصير . 1926 تجزئة و329 هكتار تنتظر مشاريع التهيئة مهما اختلفت المشاكل ومهما تباينت العراقيل فإن كل من الإهمال، الركود، غياب التهيئة، عوامل سلبية إنعكست على هذه المناطق وحولتها إلى أراضي بور تحتاج من يستصلحها ويشيد عليها مشاريع بقيت مجرد دراسات أنجزت ولم تجسد على أرض الواقع. ويمكن تقسيم هذه المواقع إلى 3 نقاط أساسية، الأولى خالية من أي نشاط والثانية ضفيفة جدا والثالثة تقترب من المتوسط موزعة عبر 6 دوائر بمجموع 1926 تجزئة وعلى امتداد 329 هكتار و92 آر فدائرة بئر الجير لوحدها تجمع ما بين بلدية بئر الجير وسيدي بن يبقى التي تضم 153 تجزئة على مساحة تساوي 21 هكتار، تم وادي تليلات 166 تجزئة و33 هكتارا، ڤديل ب 45 تجزئة و5 هكتارات، أرزيو ب 49 تجزئة و12 هكتارا وفي الأخير بطيوة ب 209 تجزئات و65 هكتارا. فمن حيث التهيئة فلا تجد سوى طرق مهترئة ومسالك وعرة ومعابر ضيقة خاصة تلك المؤدية إلى منطقة النشاط ببوتليلس ومسرغين ناهيك على غياب تام لشبكات المياه الشروب، الصرف والهاتف ثم الكهرباء والغاز. ولم يقتصر الأمر عند هذه العقبة فقط بل مس أيضا جانب آخر يتعلق بالتسيير الذي تعترضه أيضا مشاكل عديدة نظرا لغموض النصوص القانونية التي لم تحدد بشكل واضح الهيئة الوصية في حالة تقاسم الملكية بين مختلف المناطق أو الجهة المكلفة بمراقبة خطورة النفايات الصلبة والسائلة خاصة تلك التي تنتج مواد كيميائية أو تستعمل مواد معقدة في تركيباتها المتعددة. التشكيل أيضا يحظى بحيز كبير من المشاكل العالقة، خاصة إذا قلنا أن العديد من المؤسسات تلجأ إلى جلب يد عاملة مؤهلة من الولايات المجاورة بدلا من استحداث مناصب لفائدة شباب البلديات الذين يعانون من شبح البطالة رغم أن القانون يمنح الأولوية لهذه الشريحة ويضمن لهم أكبر نسبة ممكنة. أما المشكل الرابع والأخير فيرتبط بالتوزيع العشوائي للمنشآت المصنفة التي لا تحترم شروط الإنتاج والإستغلال وتنشأ وحداتها بطريقة فوضوية لا من حيث طبيعة نشاط المنطقة ولا من حيث الورشات وتخصصاتها فتجد ورشة للصناعة المعدنية بجوار مؤسسة للصناعة الغذائية أو وحدة لإنتاج مواد كيميائية سامة قرب مصنع لتعليب السمك والأمثلة عديدة مادامت هذه المؤسسات لا تعتمد في إستثماراتها على قواعد سليمة تضبط لها الأرضية الخصبة لممارسة نشاطها. كل هذه المشاكل والعراقيل التي تعيق المتعاملين الإقتصاديين لم تمنع هذه الفئة من إرتكاب مخالفات يعاقب عليها القانون وهو ما تؤكده الأرقام المستقاة من مديرية البيئة تسجيل 42 إعذارا وغلق وحدتين في 2010 ونظرا لإرتفاع حصيلة التجاوزات وعدم إحترام المتعاملين الأنظمة المسيرة التي تنص على ضرورة الحفاظ على المحيط البيئي باشرت مديرية البيئة في جملة من التدابير الإستعجالية بموجب برنامج ضبطته خصيصا لمراقبة المنشآت المصنفة المتواجدة بمناطق النشاط الصناعي والتي يتجاوز عددها 300 وحدة موزعة عبر 18 منطقة. وقد أسندت الإدارة الوصية هذه المهمة لهيئة تابعة لها أطلقت عليها إسم لجنة حراسة ومراقبة المنشآت المصنفة تتكفل بالتحقيق في الأضرار المادية الناجمة على الوحدات الصناعية وإلزامها بإجراء فحص بيئي والتوقف الفوري عن المساهمة في تلويث المحيط. وفي هذا الشأن فقد سجلت مديرية البيئة من خلال زياراتها الميدانية 42 إعذارا مع غلق وحدتين في سنة 2010 وهذا من بين 85 تدخلا أجرته في نفس الفترة الزمنية، حيث وقفت هذه الأخيرة على التجاوزات التي تتعمّد المؤسسات الإنتاجية إرتكابها إمّا لغياب أحواض الترسيب، عدم التصريح بالنفايات الصناعية أو عدم تسوية الوضعية الإدارية. أما فيما يخص الحصيلة الإجمالية لتدخلات مديرية البيئة فقد وجهت خلال السنة المنصرمة 50 إعذارا لوحدات صناعية لم تمتثل لتعليمات الجهة الوصية كما عالجت كذلك 10 شكاوي أودعها مواطنون تضرروا من الضجيج التي تحدثه هذه الوحدات أو من المواد السامة التي تلفظها الورشات فيما إستفادت 6 مصانع من شهادة الإستغلال التي ترخص لها عملية التسيير وممارسة نشاطها بصفة قانونية. نفس الإجراءات التنظيمية كانت مديرية البيئة قد سطرتها خلال السنوات المنصرمة، ففي ظرف 5 سنوات إستقبلت الإدارة 2000 ملف للإستفادة من رخصة النشاط تم رفض 80 طلبا لعدم إستكمال الملف أو غياب بعض الشروط التي تنص عليها الهيئة الوصية، أما فيما يخص حصيلة نشاط لجنة مراقبة المنشآت المصنفة خلال 5 سنوات فقد عاينت هذه الأخيرة 400 وحدة صناعية ووجهت 310 إعذار وأغلقت 22 مؤسسة فيما سلمت 150 شهادة مطابقة للوحدات المعنية بالعملية. ويمكن توزيع المؤسسات حسب الدوائر حيث أحصت دائرة بئر الجير خلال السداسي الثاني من السنة المنصرمة 129 مؤسسة بنسبة 9.77٪ ثم أرزيو ب 27 وحدة، بطيوة ب 23 وحدة، ڤديل 20، بوتليليس 16 و9 وحدات بوادي تليلات. تقسيم آخر تعتمد عليه مديرية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتوزيع المتعاملين الإقتصاديين حسب نوعية النشاط، حيث أحصت 56 مسيرا في قطاع التغذية والزراعة و65 في البناء والأشغال العمومية الري، 11 في الصيد البحري و24 في صناعة الأحذية، 13 في الكهرباء والصناعة الإلكترونية، 23 في صناعة الخشب والأوراق و24 في الإستيراد والتصدير و31 في مواد البناء والعتاد الطبي.