إن الإنتقال من أدرار الى بشار يتطلب منك قطع مسافة 600 كلم، تكتشف فيها الكثير من المناظر السياحية الطبيعية الساحرة والثروات الوطنية، ويمثل فم الخنق نقطة الفصل بين الولايتين أي بشار وأدرار، ويمر وادي مسعود بالولايتين ويصل حتى رڤان، ومن أجل أن تجري فرنسا تجاربها النووية وتفجير أول قنبلة ذرية لها، لجأت الى وقف هذا الوادي بوضع كتل صخرية تزن أطنانا في مساره، وهذا حتى يغيّر الوادي مجراه، واليوم عندما تنزل أمطار غزيرة وطوفانية ينقطع الطريق الرابط بين أدرار وبشار، وهناك حاليا عدة أشغال هي على قدم وساق ومنها بناء سد ينتظر تدشينه قريبا، ويبقى مستخدما هذا الطريق تحت رحمة هذا الوادي خاصة عندما يفيض حيث يصعب كثيرا التحكم فيه. وبعد قطع 250 كلم تصل الى كرزاز، وهنا لا يتوفر الأمان لأن الوادي عندما يفيض يأتي على الأخضر واليابس، حتى أن وسط مدينة كرزاز لا يزال يحتفظ ببقايا خسائر الأمطار القوية الأخيرة، حيث خرج الوادي عن مجراه مما نتج عنه شلل كلي لجزء كامل من المدينة بين فم الخنق جنوبا ووادي العبادلة شمالا وعلى بعد 50 كلم عن كرزاز تبقى بلدية أولاد خضير معزولة عن العالم، ويضطر سكانها في تنقلاتهم الى عبور هذا المجرى المائي مشيا على الأقدام، وقد طالت هذه الوضعية. وعلى جانبي الطريق الرئيسية التي تقسم كرزاز الى جزءين، توجد محلات تجارية ومحطة لتوزيع الوقود وهذا لحسن الحظ. كما أن الجبال المحيطة بكرزاز تجعل توسيع المدينة أمرا عسيرا، وقبل أن نغادر كرزاز نجد أنفسنا مضطرين للمرور بنقطة مراقبة أمنية، وهي مراقبة دائمة ومستمرة على بعد 60 كلم نصل الى دائرة الواطة التي يوجد بها ثانوية ومتوسطة، وهي مدينة صغيرة تناسب القصر القديم الذي يوجد هنا، والذي لا يزال سكانه يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، حيث أنه لا تزال هناك منازل عتيقة وقديمة قائمة تقاوم الزمن. وتستقبل متوسطة الواطة المبنية من البناءات الجاهزة عددا كبيرا من التلاميذ وتوجد في المدينة الصغيرة الناشئة مقاهي ومطاعم ومحلات تنشط الحياة، كما تتدفق عليها حافلات عديدة على إعتبار أن الواطة هي همزة وصل بين أدرار وبشار وعلى بعد 30 كلم توجد دائرة بني عباس المعروفة بإحتفالات عيد المولد النبوي الشريف، والتي تستقطب عددا كبيرا من الزوار، وتتميز بني عباس بنوعية مياهها الجيدة التي هي قديمة ب 5 آلاف سنة، وبها فوائد جمة للجسم، ويدهشك الصمت الشامل المسجل عند مدخل المدينة ولم تتغير بني عباس منذ سنوات الثمانينات، وهناك بعض البنايات والأقواس مهددة بالسقوط والإنهيار ولحسن حظ السكان هذه المدينة أن مساكنهم مبنية على أرض مرتفعة في شكل العقرب، وهي غير مهددة بفيضانات النهر والوادي التي خلفت خسائر كبيرة خلال موسم الأمطار الماضي في كل من مدن بشار والعبادلة وكرزاز، والطريق في بني عباس بحاجة الى صيانة للقضاء على الحفر، ويستحق تاريخ بني عباس لأن يذكر بتفاصيل موسعة ويبقى الهدوء ميزة كبيرة لهذه المدينة مما يدل على تمسك، سكانها بالعادات والقيم وإحترام الآخرين حيث لا تسمع صوتا مزعجا لأبواق السيارات ولا كلمات بذيئة. وعندما نخرج من بني عباس يبرز على الطريق الوطني رقم 6 قصر إيڤلي، وتظل هذه الطريق في حالة يرثى لها، وتعرف إيڤلي بمصنع الحليب، وبخضرها وخاصة بخبرة ومهارة سكانها في مجال البناء حيث ينجزون أعمال بناء كثيرة يقبل عليها الخواص في إيڤلي، ومن إيڤلي الى تاغيت هذه المدينة الأسطورية المعروفة والمشهورة بكثبان الرمال التي تجرى عليها رياضة التزحلق على الرمال مما يصنع فرح الأطفال وقد تزامنت زيارتها لتاغيت بتنظيم مهرجان الفيلم الدولي التاغيت الذهبي وقد نصبت خيمة كبيرة لإحتضان هذا الحدث بحضور عدد كبير من السياح الأجانب والجزائريين وواحة تاغيت توفر لزائرها نظرة ولوحة بانورامية تحبس الأنفاس وساحرة وخلابة، وقد قيل نشاهد البندقية ثم نموت، ونقول هنا نشاهد تاغيت مرة لنعود مرة ثانية. ويميز سكان تاغيت بأنهم بسطاء ومتواضعين ويتعايشون بإنسجام مع من يزورها لكن ما يفتك هو مدخل المدينة الذي ينتصب فيه قوس ضخم كرمز للترحيب بالزوار، لكن ما يؤسف له حقا هو أن تشققات كثيرة قد ظهرت على هذا القوس مما يهدد بإنهياره وتشوهه مع أن إصلاحه يتطلب القليل. والطريق بين تاغيث وبشار هو خطير لتعدد الإنعطافات فيه مما يتسبب في حوادث خطيرة وأخيرا نصل الى بشار وما يؤسف هنا هو تراكم أكياس القمامة بمختلف الألوان، وهناك مركز مراقبة أمني لا يعمل بإنتظام وحسب شكل سائق السيارة، وفي نفس السياق أجاب أحد الشباب عندما سئل عن أولئك الذين يحاولون الهجرة من البلاد بكل الوسائل، قائلا في بلادنا هناك العديد من الحراڤة لأن هناك الكثير من الحڤارة. وفي داخل مدينة بشار نجد ممهلات كثيرة مما يجعل حركة المرور أمرا صعبا ومتعبا.