تحصلت »الجمهورية« على نسختين أصليتين من رسائل رمز الوطنية »أحمد زبانا« الذي أحيت الجزائر أول أمس الذكرى السادسة والخمسين لإستشهاده وهي تنشرها لقرائها الأوفياء كما عثرت عليها ووحدهما الرسالتان تتحدثان عن بطل ومغوار لم تتخلص منه فرنسا إلاّ بالمقصلة، ونحن نتفحص الرسالتين وقفنا على كنز لا يقدّر بثمن، ويكفي أنهما بخط الشهيد الرمز ليشكلا جوانب هامة من الذاكرة التاريخية لشهداء الثورة الجزائرية الذين أٌعدِموا مرفوعي الرأس لتحيا الجزائر بموتهم. إحدى هذه الرسائل وهي المشهورة والمؤرخة في 19 جوان 1956 بالسجن المدني بالجزائر والتي سبق وأن أنتقلت الى مسامعنا جميعا وفحواها وِالِدَيَ الأعزاء أمّي العزيزة »أكتب إليكم ولست أدري أتكون هذه الرسالة هي الأخيرة، واللّه وحده أعلم، فإن أصابتني مصيبة كيفما كانت فلا تيئسوا من رحمة اللّه، إنّما الموت في سبيل اللّه حياة لا نهاية لها، وما الموت في سبيل الوطن إلا واجب، وقد أديتم واجبكم حيث ضحيتم بأعزّ مخلوق لكم، فلا تبكوني بل إفتخروا بي، وفي الختام تقبلوا تحية إبن وأخ كان دائما يحبكم وكنتم دائما تحبونه، ولعلها آخر تحية مني إليكم، وأنّي أقدمها إليك يا أمي وإليك يا أبي وإلى نورة والهواري وحليمة والحبيب، وفاطمة وخيرة وصالح ودينية وإليك يا أخي العزيز عبد القادر وإلى جميع من يشارككم أحزانكم. السجن المدني بالجزائر: في يوم 19 جوان 1956« وقبل هذه الرسالة التاريخية كان قد كتب أيضا رسالة بها نصين من سجن وهران المدني بتاريخ 3 أكتوبر 55 قبل ترحيله الى سجن سركاجي لإعدامه، النص الأول موجه الى والديه والثاني لأخيه الهواري، وفحوى النص الأول »أنه قرّر الكتابة لهما من قبْل، لكنه لم يفعل لأنه كان ينتظر منهما زيارة، لكن بعد رفض المحكمة والقضاة العسكريين منحهما تصريحا قرّر مراسلتهما لطمئنتهما على أحواله وطلب من والدته ألاّ تقلق عليه فكل شيء على ما يرام بالنسبة إليه وهذا بفضل اللّه«. أما النص الثاني فهو موجه لأخيه الهواري الذي شكره فيها على الحوالة البريدية التي بعثها له قائلا له أنّه أصبح رجلا مسؤولا ولهذا عليه الإعتناء بوالديه وأوصاه بأبيه الذي كان بالنسبة إليه من أفضل الآباء وضحى من أجل تربيته حسب إمكانياته والآن وقد أصبح شيخا دعاه إلى الإعتناء به أكثر والتكفل بالعائلة، وتمنى أن يأخذ أخاه بالنصيحة من شقيقه الذي لا يطلب منه سوى السير على الطريق الصحيح وأداء الواجب وفي الأخير بعث إليه سلامه الحار«. والملاحظ أن الرسالتين مكتوبتين بلغة فرنسية سليمة وهو ما يوحي بأنّ الشهيد كان على قدر وفير من العلم والثقافة وكانتا أيضا بخط جميل وبقلم حبر أزرق، والملاحظ أيضا أن الرسالتين معا مكتوبتين على ورق مطبوع »إستمارة" موجهة خصيصا للمحكوم عليهم بالإعدام حيث كتبت فرنسا الإستعمارية على الهامش تعليماتها التي لا تسمح للمحكوم عليه بالإعدام إلا بالكتابة لوالديه مرتان فقط في الأسبوع وتؤكد فيها على الكتابة في الشؤون العائلية لا غير وفي خصوصيات المسجون لا أكثر وتوصي أيضا بالكتابة بوضوح وبالحبر الى غيرها من التعليمات التي ترغم صاحب الرسالة على الإلتزام بها كشرط لقبول رسالته الموجهة الى أقرب الأقربين وحتى لا ندخلكم في الملل نعرض عليكم الرسالتين كما وصلتا إلينا ولكم أن تقرؤوا ما بين سطورها من تاريخ وعظمة بطل.