في شهر ايار من عام 2014 اصدر الرئيس الفلسطيني مرسوما بتحويل وزارة الاسرى والمحررين الفلسطينيين الى هيئة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وفيما بعد تمت عملية المصادقة على ذلك من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني، حيث توقف منذ ذلك الحين حضور رئيس الهيئة والذي هو وفق القوانين الفلسطينية برتبة وزير من حضور جلسات مجلس الوزراء وتحولت مرجعية رئيس الهيئة من الناحية الإدارية الى رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية بدلا ان كانت تابعه لمجلس الوزراء، اما المرجعية المالية فأصبحت بيد الصندوق القومي الفلسطيني بدلا من وزارة المالية الفلسطينية. كان من الواضح قبل صدور هذا المرسوم ان دولة الاحتلال واللوبيات الصهيونية والمؤيدون لها يشنون حملة منظمة على الاسرى الفلسطينيين ويعتبرونهم إرهابيين وقد نجحوا فعلا في طرح هذا الموضوع للنقاش داخل أروقة الكثير من البرلمانات الأوروبية مثال انجلترا، وهولندا وبلجيكا والنرويج إضافة الى الكونجرس الامريكي، وكذالك في اجتماعات الدول المانحة وهذا ما حذا بالكثير من الدبلوماسيين الاوروبين والأمريكيين لفتح الكثير من النقاشات وصلت أحيانا لبعضا من الضغط السياسي والتلويح بالضغط المالي على الفلسطينيين من اجل تغيير آليات عملهم مع موضوع الاسرى والمحررين، فكان المرسوم الرئاسي بتحويلها الى هيئة، والذي لم يلاقي القبول لدى الكثير من المؤسسات المعنية بقضية الاسرى او النشطاء العاملين في هذا الحقل، بل ان بعض التظاهرات والاحتجاجات الخجولة خرجت هنا وهناك تنديدا بذلك، الا ان البعض الأخر اعتبر ان تحويل الوزارة الى هيئة لن يمس بالموقف الفسطيني من قضية الاسرى طالما انها مستمرة بأداء نفس الخدمات للأسرى. في سياق التوضيح الذي أورده افيغدور ليبرمان والذي اصدر قرارا بحظر الصندوق القومي الفلسطيني في منتصف آذار 2017 يقول ” ان الصندوق يعتبر الخط المالي الأكبر والممول للسلطة بعشرات الملايين من الشواقل والتي تحول شهريا للأسرى الأمنيين في السجون الإسرائيلية” هذا دلاله واضحة ان دولة الاحتلال مصره على متابعة ملاحقتها لقضية الاسرى وإظهارهم بانهم مجرمين وإرهابيين ويجب فقط معاقبتهم، وعاد الفلسطينيين الى قناتهم ومرجعيتهم الاولى وهي وزارة المالية الفلسطينية ، بدون وضوح كامل لآليات هذه العلاقة والتي شابها الكثير من التوتر في أحيان عديدة. كان الإصرار الإسرائيلي في ملاحقة مخصصات الاسرى والأسرى المحررين واضح جدا فالأحزاب الإسرائيلية تبدي تنافسا حادا حول مقدار تطرفها حول الاسرى ومخصصاتهم بحيث تمت تهيئة الكنيست الإسرائيلي والأحزاب الإسرائيلية لهذا الموضوع الى ان قامت الكنيست بتمرير قانون خصم مخصصات الاسرى والشهداء من ضرائب السلطة الفلسطينية وتثبيته بالقراءتين الثانية والثالثة بتاريخ 11 حزيران 2018. في شهر شباط2019 صادق مجلس الوزراء الامني لدولة الاحتلال على خصم ما يقارب 138 مليون دولار من أموال المقاصة التي تقوم دولة الاحتلال بتحصيلها لصالح السلطة الفلسطينية على اعتبار ان هذا المبلغ يذهب لصالح الاسرى والمحررين. على ضوء ذلك كان الموقف الفلسطيني المعلن حاسما وقطعيا بانهم لن يستلموا اموال المقاصة منقوصة وقد بدا في حينه ان هنالك اصرارا على تنفيذ الموقف بغض النظر عن التبعات الاقتصادية، وكانت التصريحات السياسية من سلم الهرم السياسي الفلسطيني ومن الحكومة باننا لن نستلم الأموال منقوصة وان قضية الاسرى الفلسطينيين محورية وبان الفلسطينيين سيعطون الأولوية لدفع مخصصات الاسرى والمحررين ، لا شك ان هذا القرار الفلسطيني لاقى قبولا فلسطينيا واسعا على الرغم من آثاره وتبعاته الاقتصادية المؤلمة. في بداية تشرين الثاني 2019 وعلى ضوء لقاءات فلسطينية اسرائيليه عديدة قبلت السلطة الفلسطينية بإعادة استلام أموال المقاصة منقوصة بحيث بدا واضحا ان دولة الاحتلال مصممه وان الامر ليس قرارا بيد الحكومة او الأجهزة الأمنية الإسرائيلية انما هو قانون تم إقراره من قبل الكنيست وبدأ الموقف الفلسطيني خجولا غير واضح وان السلطة لا تريد الدخول في مواجهة مع دولة الاحتلال، وحتى اللحظة فان حيثيات الاتفاق المعروفة هي ما تم إعلانه من قبل الصحف الإسرائيلية، اما لماذا تراجع الفلسطينيين فيكاد لا يوجد اي تصريح رسمي فلسطيني وتبقى قضية الاسرى ومخصصاتهم قضية خلافية. هي حرب إسرائيلية معلنه على الرواية الفلسطينية وربما تكون اخطر من كل القضايا السياسية الاخرى، فدولة الاحتلال تعبر بذلك عن رفضها انها دولة احتلال ولا تتعطي اي اعتبار لكل القوانين الدولية وان الأراضي الفلسطينية ملك تاريخي لها واما من يتصدى لذلك فهو إرهابي ومجرم يجب معاقبته، لهذا فان الأحزاب الإسرائيلية وبعض المؤسسات الصهيونية أبقت على ملاحقتها لقضية الاسرى سواءا بالسعي لقوانين جديدة لتجريم الاسرى والنيل من حقوقهم او بتهديد المؤسسات الفلسطينية التي تتعامل معهم. قبل ان يصدر قائد جيش الاحتلال في الضفة الغربية قراره القاضي باعتبار أموال مخصصات الاسرى أموالا محظورة بدأت دولة الاحتلال بالاستيلاء على أموال الاسرى المقدسيين عبر مداهمه بيوتهم ومصادرة اية أموال يجدونها وهذا ما مثل تضيقا للخناق على الاسرى وعائلاتهم، واما عندما صدر القرار في نيسان 2020 فقد أخذت الأمور منحى آخر يمثل استمرار للحرب على الرواية الوطنية الفلسطينية. اما الغريب في الأمر والذي مثل استهجانا شعبيا وحتى رسميا في بعض الأحيان فهو موقف البنوك الفلسطينية التي بدأت بإغلاق حسابات الاسرى وأعادت مخصصاتهم الى وزارة المالية مطلع نيسان الحالي، حيث انها تلقت رسالة تحذريه من موريس هيرش والذي كان يوما المدعى العام الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهو حاليا مدير مؤسسة ” نظره للإعلام الفلسطيني” ولا يمثل اي موقع احتلالي رسمي يذكر البنوك الفلسطينية بضرورة الالتزام بالقانون ويذكرهم بقرار قائد جيش الاحتلال الخاص بمخصصات وأموال الاسرى ويهددهم بالملاحقة القانونية” الغريب ان البنوك استجابت على الرغم ان الرسالة من مؤسسة اسرائيليه غير حكومية، وهذا ما اثار اللغط في الشارع الفلسطيني حول ولاء البنوك الفلسطينية. موقف الحكومة الفلسطينية فكان التدخل لدى البنوك والاتفاق معها على تجميد قراراها وإعادة تفعيل حسابات الاسرى وتشكيل لجنة لدراسة الموضوع والخروج بتوصيات، وهنا تبرز العديد من الأسئلة الجوهرية والمحورية وبعضا منها معتمدا على سياق التعامل مع قرارات وقوانين إسرائيل تجاه مخصصات الاسرى. اولا – هل النقاش يجري في إطار ايجاد بدائل للبنوك ؟ وبالتالي القبول ضمنيا بموقف البنوك وتخوفاتها من الملاحقة القانونية الإسرائيلية، وهذا يذكرنا بموقف تحويل المتابعة المالية لهيئة الاسرى من وزارة الماليه الى الصندوق القومي وبعد اغلاقة العودة ثانية لوزارة المالية. ثانيا – هل ستتخوف السلطة الفلسطينية من الدخول في صدام جدي مع البنوك التي قد يهدد بعضها بالانسحاب من السوق الفلسطيني وتقبل اي السلطة بايجاد بديل مثل بنك البريد، مع العلم ان بنك البريد لن يكون بعيدا عن المطاردة الاسرائيلية؟ للعلم فان احد البنوك الفلسطينية قد توقف قبل عامين عن فتح حسابات للاسرى بعد ان رفعت قضايا ودعاوي ضده فى الولاياتالمتحدة ولم يكن موقف رسمي او شعبي اتجاه هذا البنك. ثالثا – طلما يدور الحديث عن بدائل فان بعضا من الدول الأوروبية تطرح ان يتم تحويل الاسرى ومخصصاتهم الى وزارة التنمية الاجتماعية بحيث تقوم اسر الاسرى بتلقي مخصصات محددة وثابتة لكونها فقدت معيلا لها او احد الافراد المعيلين لها، وهذا احد اخطر الحلول فهو يفرغ قضية الاسرى من اية مضامين نضاليه ويساوي بين طريقة تعامل بعض الدول في العالم مع سجنائها المدنيين واسرهم، وفي اعتقادي لن يرضي دولة الاحتلال. كان الشعار الفلسطيني دوما ان الاسرى ومخصصاتهم واسرهم خط احمر، ولكننا تجنبنا المواجه امام هذه القضية المحورية وتقبلنا دوما سياسة البحث عند بدائل وهربنا الى الامام تخوفا من المواجهة وربما اوهمتنا بعض الدوائر الاوروبية و الامريكية بان بدائلنا ستكون مقبولة على الاسرائليين، ان دولة الاحتلال التي ضمت يوما ما القدس وهضبة الجولان وستقوم قريبا بضم مناطق واسعه من الضفة الغربية ستستمر دوما بالحرب علينا وعلى روايتنا، وان القبول باستمرارية الهروب للامام في قضية الاسرى سيفرغ مشروعنا الوطني من اهم محتوى نضاله له، لهذا فان قضية الاسرى وحساباتهم البنكية ليست بحاجة الى لجنة فنيه للنظر فيها انما بحاجة الى قرارات سياسية وربما مصيرية.