الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام كلنا قرانا وسمعنا قصة سيدنا يونس عليه السلام وكيف لبث في بطن الحوت بعد أن حاول تخليص الناس من عبودية الأصنام إلى عبودية الله سبحانه وتعالى ، لكن الله أراد له ان يبقى أسيرا في بطن الحوت وكان بطن الحوت مثل الزنزانة المتحركة لكنها زنزانة تغوص في أعماق المحيط .. زنزانة في ظلمات ثلاثة ظلمة بطن الحوت وظلمة عمق المحيط وظلمات الليالي الطويلة التي أمضاها سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت ورغم كل ذلك فإن بطن الحوت بكل ظلماته أكثر حنانا ورحمة من ظلمات زنازين ومعتقلات الاحتلال الصهيوني حيث يقبع المعتقل الفلسطيني المناضل كريم يونس الذي يتشابه اسمه الأخير مع اسم النبي يونس عليه السلام بينما اسمه كريم فهو اسم على مسمى حيث جاد بعمره وتاريخه لأجل حرية وطنه ولا يزال يدعو إلى حرية الشعب الفلسطيني من غطرسة الاحتلال الصهيوني المجرم وانا هنا لا أقارن بين نبي وإنسان ولكنني اربط الأمور ببعضها وان كان صبر كل المعتقلين الفلسطينيين يجعلهم في مراتب راقية تقترب من مرتبة الأنبياء لصبرهم وصمودهم وتضحيتهم وتحديهم لكل ظروف الموت فهم ينتزعون الحياة من بين أنياب عدو مجرم لا يعرف للإنسانية معنى .. ان من اغرب ما قاله المناضل المعتقل كريم يونس للتدليل على عمق المعاناة مشيرا إلى باب فولاذي اسود ثقيل : لقد شاهدت تغيير هذا الباب الفولاذي مرتين لأنه كاد ان يذوب من الصدأ وتلف الحديد .. لكن معنوياتنا لم ولن تتلف ) ونفس المقولة كررها من قبله المناضل المعتقل نائل البرغوثي واللذان يشتركان في لقب عميد الاسرى وأقدم سجين سياسي في العالم حيث اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني المناضل كريم يونس من على مقاعد دراسته في الأول من حزيران 1983 قبل ما يقارب من الأربعين عاما ولا يزال معتقلا إلى اليوم مع رفاق دربه الذين تجاوز بعضهم الأربعين عاما اعتقال في تراجيدية إنسانية لا يمكن لعقل بشري ان يتصورها إذ كيف يستمر اعتقال إنسان إلى هذا الحد مهما كانت التهمة وكيف يبقى إنسان معتقلا وقد تجاوز عمره الستين عاما .. أليس من حقه ان يتقاعد وان يسمحوا له أن يموت في بيته بين إخوانه وأقاربه وللأسف ليس بين أولاده لان الاحتلال حرمه من فرصة الزواج والإنجاب بسبب اعتقاله منذ شبابه بتهمة حيازة أسلحة والانتماء لحركة فتح وقتل جندي صهيوني ولقد حكم عليه الاحتلال بالإعدام شنقا من شدة غيظهم منه بسبب شراسته وعناده وتحديه لهم وعدم سقوط كبرياؤه أبدا ثم تم تغيير الحكم للمؤبد المفتوح ولا يوجد في إى قانون في العالم كلمة مؤبد مفتوح إلا عند الاحتلال الصهيوني حيث لا معايير قانونية ولا أخلاق إنسانية في التعامل مع كل الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم المعتقلين الفلسطينيين وجثث الشهداء فيما يسمى مقابر الأرقام وهي جريمة دولية أخرى تكلمنا عنها سابقا. إن المناضل كريم يونس يمضي محكوميته ويتنقل بين السجون والباستيلات الصهيونية بشكل دوري وإجباري خوفا من قدرته على اكتساب محبة المعتقلين بسرعة ويمضي شهورا في زنازين العزل الانفرادي وحيدا في ظلمات أقسى وأبشع من ظلمات بطن الحوت وترفض سلطات الاحتلال أدراج اسمه في اي صفقة تبادل بذريعة ان كريم يونس يحمل الجنسية الإسرائيلية بينما يقبع كريم يونس في سجون الاحتلال مع أبناء شعبه الفلسطيني وهذا تناقض واضح ووقاحة ما بعدها وقاحة فالسجون المخصصة لمن يحملون الجنسية الإسرائيلية تشبه الفنادق خمس نجوم ولو كان يحمل الجنسية الإسرائيلية لكن في سجونهم لكنه الكذب المتوارث تاريخيا في جينات الصهاينة فهم الذين كذبوا على اللك وقتلوا الأنبياء وكل إعلامهم قائم على الكذب والفبركة لذلك لا تصدقوا اي أخبار او معلومات صهيونية المصدر. لقد تم إنتاج فيلم " مؤبد مفتوح " عن طريق مفوضية شؤون الأسرى والمحررين في قطاع غزة بالتعاون مع تلفزيون فلسطين وتم عرضه لأول مرة في مدينة رام الله بالضفة الغربية؛ في خمسين دقيقة ويروي قصة اعتقال كريم يونس، حيث تقول والدته (84 عاما) إن العائلة بحثت عن ابنها كريم لشهور – فور اعتقاله- حتى عثرت عليه في سجن عسقلان، ومن يومها تنقّل في كافة السجون الإسرائيلية، وكانت تزوره في بداية اعتقاله وهو مقيد اليدين والقدمين. وأن العائلة طرقت كل الأبواب لتحريره، وجهزت له بيتا وحلمت بعرسه منذ ثلاثة عقود من الألم، قضتها حزنا وبكاء عليه… وتخشى ان تموت قبل ان ينال حريته وكان يُفترض أن يفرج عنه ضمن ثلاثين أسيرا، بينهم 14 من الأراضي المحتلة عام 1948، وهم ممن اعتقلوا قبل توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو للسلام مع الاحتلال عام 1993، غير أن الاحتلال رفض الإفراج عنه هو تحديدا ..ثم كاد كريم يونس أن يتحرر ضمن صفقة الإفراج التي شملت آلاف المعتقلين الفلسطينيين عام 1985، لكن الاحتلال تراجع بمنتهى الانحطاط وأنزله من حافلة الأسرى المفرج عنهم في آخر لحظة. وفي نفس الفلم تقول أم كريم يونس حول المعاناة التي ذاقتها عند زيارته في السجون، " كانت المعاناة فى الوصول إلى السجون صعبة جدا ،، كنا ننطلق من الساعة الخامسة فجرا، ونستقل أربعة حافلات باتجاه معتقل نفحة الصحراوي، ونسافر ساعات طويلة ويتم تبديل الأوتوبيسات لطول المسافة ونزور أبنائنا ويتم تفتيشنا بإهانة وفظاظة ثم نعود ساعات طويلة ونصل إلى المنزل فى السابعة مساء وانتم تعلمون معنى ان تمكث في أوتوبيس لمدة 14 ساعة ؟؟ أوتوبيس قديم لا يوجد فيه تكييف و الكراسي ليست مريحة أبدا وسيء جدا في الصيف وأسوا في الشتاء وكل ذلك مقصود ومتعمد حتى نتعب جدا ولا نزور أبنائنا .. ولكننا نعاند ونصبر لأجل خاطر كريم يونس وماهر يونس وكل أبناء شعبنا المعتقلين ". وترقرقت عيناها مجددا بالدموع وهى تتذكر آخر زيارة له قائلة: "آخر مرة زرته فى السجن كانت روحه المعنوية عالية وعندما رآني، قال لي لماذا يا أمي أنت حزينة ؟ انا لم أسجن على شيء مخجل.. أنا لم أسجن على شيء تستحى منه، انا سجنت على شيء مشرف لماذا تبكي؟ إن كريم يونس ..كريم في اسمه وفي أخلاقه وفي مشاعره فضلا عن كرمه في التضحية بعمره لأجل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .. ومن المقرر أن يفرج الاحتلال عن كريم يونس وابن عمه ماهر يونس مطلع العام 2023، ووقتها سيكون عمر كريم (65 عاما) ويكون حينها قد أتم أربعين عاما في الاعتقال وبذلك يكون كريم يونس قد قضى أكثر منن 13.400 يوم من الأسر داخل سجون الاحتلال. ونحن نحسب الأيام حتى يتصور القاري كم يوم وكم ليلة يقضيها المعتقل في سجن موحش في صحراء جرداء في خيام متهرئة او زنزانة انفرادية وهو يرجو من الله فقط .. ان يحرره وان يعود الى أمه وأهله. الجدير ذكره أن المناضل كريم يونس استطاع أن يؤلف من داخل السجن كتابين، أحدهما بعنوان "الواقع السياسي في إسرائيل" عام 1990، تحدث خلاله عن جميع الأحزاب السياسية الإسرائيلية، والثاني بعنوان "الصراع الأيديولوجي والتسوية" عام 1993. وتم تهريب أوراق الكتب ورقة ورقة خلال أيام وشهور الى خارج السجون وتم تجميعها وطباعة كتبه وتوزيعها على أبناء شعبنا للاستفادة من كتب كريم يونس صاحب العقلية و الشخصية القوية الذي لم تنجح التجاعيد الجميلة المرسومة على وجهه ورقبته فى محو القوة التى تنبعث من عينيه، يقول احد السجانين في لقاء مع قناة إخبارية صهيونية : (انني كنت أخاف أن انظر في عيون كريم يونس .. كانت عيونه ترعبني . اشعر انها تدخل الى أعماقى . نظراته مخيفة رغم انه اكبر من والدي ولكنني اشعر انه اقوي مني .. وعندما كنت سجانا مسؤولا عن كريم يونس كنت أقيده بقوة أثناء نقله خوفا من أن يفلت يديه فيقتلني .. كنت اشعر انه حر وانني انا المسجون.. لقد أمضيت مدة خدمتي بسلام وسأرفض ان أعود الى الخدمة في مكان يتواجد فيه كريم يونس ) لقد استطاع كريم يونس أن يكمل دراسته بعد نضال طويل وإضرابات عن الطعام ثم التحق كريم بالجامعة المفتوحة قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وبعد مرات عدة من التأجيل والعرقلة من قبل سلطات الاحتلال، استطاع إنهاء تعليمه الجامعى بتفوق أذهل الجميع. لقد كان كريم يونس وما يزال، رمزا من رموز النضال الوطنى الفلسطينى، يتابع عن قرب التفاعلات السياسية وكتب رسالة للرئيس محمود عباس تقول "إننا أسرى الداخل الفلسطينى نرفض المحاولات الصهيونية العنصرية باستخدامنا ورقة مساومة للضغط على الرئيس والقيادة الفلسطينية على حساب حقوق شعبنا العادلة… ولا نتطلع إلى خلاصنا الشخصى بقدر ما نتطلع إلى خلاص شعبنا كله من نير الاحتلال". سبعة وثلاثون عاما وكريم يونس في الاعتقال يبحث عن كيانه الإنساني والوطنى والسياسي، وقد مرت عليه حروب واتفاقيات وصفقات، ولا يزال يتحدى السجان بابتسامته العريضة ونظراته الثاقبة و مقالاته السياسية والأدبية والفكرية أثناء تواجده فى السجن. سبعة وثلاثون عاما وكريم يونس يصمد ويقاوم الاحتلال من وراء القضبان، وقد أصبح يحمل لقب عميد الأسرى وأصبحت كلماته نبوءة، تلهمنا الصبر والصمود كي نخترق هذا الحصار ونعرف كيف نكتب فجر الحرية في القدس، مهما كثرت السلاسل في أقدامنا وازدحم الموتى فوق أرضنا واستمرت المذابح وارتفع صوت كل الضحايا، والأطفال المعتقلون والمعتقلون الإداريون والمعتقلون المرضى والنساء المعتقلات والشهداء المدفونين تحت ثرى فلسطين في مقابر الشهداء او مقابر الأرقام وكل المنكوبون والمبعدون والمدفونون تحت ركام القصف. المجد للشهداء … والحرية للمعتقلين … وإنها لثورة حتى النصر