ليست مهمة سهلة إحداث التحولات في المفاهيم والمواقف الجماهيرية، من دون أن تكون هناك رؤية إعلامية ممنهجة وواضحة المعالم والأهداف ضمن برنامج زمني دقيق، فذلك يتطلب جهداً مكثفاً ومضاعفاً بمشاركة جميع الأطراف المعنية، لاسيما الطرف الأهم، وهو الرأي العام. إن المتتبع والمراقب لتطورات ملفات الفساد في الكويت يجدها متجذرة، بل هي منظمة إلى حد كبير، ولعل تضخم هذه الملفات في عام 2020 وحده يبرهن على كل ذلك. لاشك أن تحقيق مشاركة شعبية في التصدي للفساد، وترسيخ الوعي فيه جماهيرياً عند فئات المجتمع وشرائحه كافة، يحتاجان إلى إعادة النظر في حجم الشفافية في الجهاز الحكومي ومراجعة كل العقود والممارسات والسياسات أيضاً، وهي الحلقة المفقودة منذ زمن. لا يمكن للخطط وبرامج وآليات الإصلاح والتصدي لمنابع الفساد أن تشق طريقها في ظل بيروقراطية حكومية مزمنة وثغرات قانونية في رحم عقود الدولة، بسبب تأخر تاريخي للمعالجة الجوهرية والعميقة للجهاز الحكومي العليل إدارياً وهيكلياً. آليات الوقاية التي تناولتها السيدة أبرار الحماد، الأمينة العامة المساعدة لقطاع الوقاية في هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، في القبس 21 فبراير 2021، هي أولى الخطوات بالاتجاه الصحيح وبداية عملية، لكنها منقوصة النجاح، لطالما هناك عثرات حكومية قبل عثرات الوعي والتفاعل الجماهيري لدى قطاعات شعبية واسعة، بسبب أن معظم منابع الفساد هي حكومية المنشأ وليست خارج هذا النطاق. لا شك أن مواجهة تحديات تجفيف منابع الفساد تتطلب العمل بشكل غير نمطي وعبر وسائل غير تقليدية في نوافذ الاتصال والتواصل الجماهيري، لذلك لابد من التوسع بوتيرة عمل منظمة وسريعة في «الوقاية»، وليس الوقاية المتمهلة والمتهاونة كما جرت عليه العادة في الممارسات الحكومية بشكل عام. بداية موفقة أن تتبنى هيئة «نزاهة» حملات إعلامية وقائية وتوعوية عبر نوافذ التثقيف للصغار والمهتمين من جمعيات نفع عام وأفراد وجهات، على أن تتضمن شفافية في مسارات خطط «الوقاية» الإعلامية وحجم التفاعل الجماهيري عبر قياس اتجاهات الرأي باتجاه الشرائح المستهدفة مجتمعياً ومؤسسياً، وإعلان التطورات كافة بعلانية مطلقة. وينبغي عدم حصر التحرك التثقيفي والتوعوي عبر نوافذ الإعلام الرسمي، ففاقد الشيء لا يعطيه، لذا لابد من إشراك الإعلام الخاص بشتى وسائله في حمل رسالة «الوقاية» وترجمتها ضمن سياق متكامل. لقد تعثّرت العديد من الدراسات الرصينة والمبادرات المهنية المعمقة برؤى واقعية وبرامج تفاعلية، في تحقيق إصلاحات وتحولات شتى منذ ما يقارب 30 عاماً، ولعله من المفيد للغاية أن يطلع قطاع الوقاية في «نزاهة» على هذه الأعمال وطبيعتها، للتعرف على مصادر التعثر في خلق جسور التواصل والتفاعل الجماهيري من جهة، ومواضع القصور أيضاً من جهة ثانية، في الجهاز الحكومي ككل. هل يعقل أن يشارك في حلقة نقاشية، حول «هل الغش سلوك أم نتيجة لظواهر في التعليم؟» بتنظيم «نزاهة»، فرد متهم بالتزوير في أوراق رسمية، وعليه مخالفات مالية وإدارية وأكاديمية؟ ينبغي أن تتثبت «نزاهة» من مآرب البعض التي قد تكون وتحمل فساد الذمة والضمير. الزميلة أميرة بن طرف نشرت في القبس بتاريخ 8 أغسطس 2020 خبراً عن الأكاديمي صاحب التاريخ الأسود، بعنوان «أستاذ جامعي متهم بالاستيلاء على رواتب بلا وجه حق». القبس الكويتية