أصبحت القيود المفروضة بسبب الجائحة على الاختلاط الاجتماعي والحركة عموماً جزءاً لا يتجزأ من حياتنا خلال فترة قصيرة لا تتعدى 18 شهراً، لدرجة أنه أصبح من الصعب تخيل شكل الحياة في تلك الأسابيع الأولى التي انتشرت فيها جائحة "كوفيد" في المملكة المتحدة. وسادت حينها حالة قلق معتدلة مع اكتشاف الإصابات الأولى في برايتون وهوف، ثم ازداد التوتر على وقع تفشي المرض المحتم قبل أن ندخل في الأخير حالة الإغلاق الشامل: حين منعنا من مغادرة منازلنا أكثر من ساعة يومياً، مخصصة لشراء الاحتياجات الأساسية أو ممارسة الرياضة. وضعت أقفال محكمة على بوابات ملاعب الأطفال، وأغلقت المسابح، وألصقت أشرطة لاصقة تمنع الجلوس على مقاعد المتنزهات، ومنع استخدام الأجهزة المخصصة للاستعمال الجماعي… كنا نخرج للسير يومياً، وبدأ بعضنا يمارس رياضة الهرولة فيما التزم آخرون بموعد رياضة يومي مع جو ويكس أو يوغا مع أدريان عبر قناة "يوتيوب"، ولكننا أصبحنا إجمالاً كثيري الجلوس، وملأنا وقتنا بمشاهدة الشاشات وملازمة الكنبات. وبهدف تهدئة القلق ومحاربة الملل، أصبح الطعام شاغلنا. تعود الشهرة السيئة لصناعة الخميرة وخبز الموز [الإقبال عليهما] إلى رغبتنا المطلقة والجماعية بدفن مشاعرنا القاتمة، التي تضمنت بالنسبة لكثيرين صدمة الفقد والحزن، في الطعام. وكان هذا التغيير في السلوك أوضح بعد بالنسبة للأطفال، الذين تعد الحركة الدائمة وضعهم الطبيعي. في المرحلة الدراسية الأولى، يقضي الأطفال نصف نهارهم في اللعب وتعلم الدروس خارجاً، مما يعكس رغبتهم الطبيعية باكتشاف حركتهم أثناء التعلم. ومع سلبهم سهولة الحركة، أخذ وزن أطفالنا يزيد. تظهر الأرقام التي كشف عنها هذا الأسبوع أثر الجائحة على أجسام الأطفال. فربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عاماً، أي من بلغوا نهاية المرحلة التعليمية الابتدائية، يصنفون الآن في خانة السمنة، بزيادة 21 في المئة عما كانت عليه قبل عام فقط. ولا يبلغ أصحاب الوزن الصحي من بينهم سوى 57.8 في المئة. كما تأثر الأطفال في الفئة العمرية 4-5 سنوات جداً بارتفاع معدلات السمنة من 9.9 إلى 14.4 في المئة في غضون سنة واحدة فقط. ولا تأخذ هذه الإحصائيات الفقر والحرمان بعين الاعتبار، ولكن يمكننا التوقع بثقة أن أي تحليل مفصل سيكشف تحول الأطفال الذين يعيشون في بيئة محرومة إلى السمنة أكثر من غير فئات خلال الجائحة. فمن أكبر نقاط التفاوت خلال أولى مراحل انتشار وباء فيروس كورونا كانت قدرة الوصول إلى المساحات الخارجية الخاصة: فالأطفال الذين لديهم حديقة يمكنهم اللعب فيها استطاعوا بلا شك أن يتمتعوا بمستوى أعلى من النشاط الجسدي مقارنة بأولئك الذين اقتصر خروجهم على ساعة واحدة يومياً كان على مقدمي الرعاية أن يحرصوا فيها كذلك على توفير الطعام والمستلزمات الأساسية الأخرى. يختلف احتساب السمنة بالنسبة لأجسام الأطفال، وقد شكك بعض الخبراء في أن هذه الأرقام تقيس بشكل دقيق مشاكل الوزن التي قد يواجهها هؤلاء الأطفال عند بلوغهم سن الرشد، ولكن في كل الأحوال، إن وتيرة التغيير مخيفة. بغض النظر عن ميزات نظام القياس أو قصوره، فهو يعكس تغييراً سريعاً في الوزن والسلوك. وأصبح سوء تخطيط الإغلاق الأول ظاهراً للعيان. لم نعلم بالتحديد عندها أي عدو وبائي نواجه، ولكن عندما ننظر الآن إلى منع الأطفال من اللعب في الهواء الطلق وتشارك المساحات الخضراء وحبسهم داخل المنازل، حيث لا يمكنهم التفاعل مع أي شخص سوى عبر الشاشات، ندرك أن هذه القرارات كانت جزءاً من سياسة عامة سيئة مضرة بنمو الأطفال وأكثر فئة تأثرت بها هي الفقراء. وعندما يقول بوريس جونسون إن ذلك لن يتكرر، لا يعني أننا ما عدنا بحاجة إلى أي نوع من القيود لأن المعركة قد انتهت، وكيف له أن يعرف أساساً؟، ولكن ما يعنيه هو أن حكومته قد أرغمت على تقبل قصور تصرفها في المرة الأولى. كان الإغلاق في محله، ولكن طريقة تصميمه خاطئة. فقد ركز على هدف أساسي هو الحفاظ على الاقتصاد البريطاني عبر تفادي الشلل العام واستمرار عمل هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وهذان الهدفان ضروريان ورئيسان، ولكن لم تجرِ الموازنة على قدر كاف بينهما وبين ما كان يجب أن يتصدر الأولويات أثناء أزمة طبية: الحفاظ على صحة جيدة للناس وتعزيزها. والآن، بعد أن أصبحت هذه الأرقام المتعلقة بسمنة الأطفال مرئية ومكشوفة أمام الرأي العام، ما عاد يمكن الاستخفاف بها واعتبارها أمراً نافلاً [ثانوياً يستخف به]. ربما لعبت الجائحة دوراً غير متوقع من حيث تسببها بزيادة وزن أطفالنا، ولكنها تجر وراءها تبعات وآثاراً طويلة الأمد. يقول علماء النفس المعروفون إن اكتساب العادات الجديدة يتطلب 21 يوماً، ولكن التخلص من أي عادة متجذرة أمر يستغرق عشرات السنين. خلال العام الماضي، غيّر الأطفال نظامهم الغذائي، وخففوا حركتهم بشكل اعتادوا عليه الآن. لن تكفي إعادة فتح المدارس والمتنزهات وبرك السباحة لإصلاح هذا الضرر. وفي هذه الأثناء، ترتفع أسعار الغذاء، فالتضخم يرتفع بأسرع وتيرة منذ عقد، وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطني، ما يعني أن العائلات الفقيرة (ولا سيما تلك التي تعتمد على المساعدات الحكومية) ستكون أقل قدرة على تحمل تكلفة شراء غذاء طازج ومُغذٍ لأطفالهم، مما يفاقم المشكلة. واستجابت هيئة الخدمات الصحية الوطنية بسرعة لهذا الوضع، فأطلقت 15 عيادة مخصصة لعلاج الأطفال، وربما الأهم من ذلك، عائلاتهم. يتعلم الأطفال عبر عكس سلوك والديهم، ولا سيما خلال السنوات الأولى قبل ارتياد المدرسة. سيتلقى نحو ألف طفل علاجاً في هذه المراكز كل سنة، ولكن ليس هذا الإجراء سوى تدبير طارئ يركز على الأطفال ذوي السمنة المفرطة، أي المعرضين بالتالي لخطر الإصابة بالسكري أو السرطان أو غيرهما من الأمراض الخطيرة، ولكنها لن تساعد الأطفال الذين يزيد حجمهم على الحجم الطبيعي من دون أن يكون لهم يد في ذلك. من الضروري فرض تغيير جذري أكبر لعكس الضرر الذي ألحقته طريقة التعامل مع فيروس كورونا بصحة الأطفال. ويمكن أن يبدأ هذا التغيير من المنهج الدراسي. تأسس بالفعل صندوق (وإن لم يكن كافياً) لمعالجة التأخر في التحصيل العلمي بسبب إغلاق المدارس أشهراً طويلة. ويجب تأسيس صندوق آخر يعمل على تطبيق التغييرات الضرورية التي تركز على الجسم. قد يمول هذا الصندوق زيادة عدد الدروس التي تجري خارج الغرفة الصفية وزيادة عدد صفوف الرياضة البدنية والألعاب الرياضية التي تمولها الحكومة بعد انتهاء الدوام المدرسي ونوادي الحركة التي يستطيع الجميع حضورها. كما يجب أن تصبح المدارس مراكز لتثقيف الوالدين في أمور النظام الغذائي والتمرين الجسدي، وشكل البدانة لدى الأطفال (قد يكون أخف [وزناً] مما تتوقعون) وكيفية محاربتها عبر تغيير السلوك داخل المنزل. يثقل كاهل الأساتذة كم كبير من العمل فيما لا تحظى المدارس بالتمويل الكافي، ولكن لا يمكن لأي برنامج مساعدات حكومية الوصول إلى كل الأطفال وأهلهم. إن كانت الحكومة تؤمن فعلاً بحماية هيئة الخدمات الصحية الوطنية وإنقاذ الأرواح، وهي اللازمة التي رددتها مراراً وتكراراً خلال الأشهر الأولى من انتشار "كوفيد"، عليها برهنة التزامها بهذا الهدف الآن وتمويل هذا العمل، والاستعانة بالأشخاص الضروريين لتحقيقه. وإن طمس الموضوع الآن، سيطل برأسه من مكان آخر، كما الخلد.