الجزائر وتونس تُنسّقان لتأمين الحدود    مخططات مغرضة تستهدف الجزائر    وزير الاتصال ينظم مأدبة افطار لفائدة الأسرة الإعلامية الوطنية    الجزائر تُحضّر لإطلاق الجيل الخامس للنقّال    الجزائر تستنكر صمت مجلس الأمن    الوادي : تشييع جثمان شهيد الواجب الوطني الطيار المقدم نصر بكوش بمقبرة سيدي يوسف    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى أزيد من 49 ألف شهيد و 112 ألف جريح    قوجيل: الجزائر تمضي بثبات نحو استقلالها السياسي والاقتصادي    الخارجية تُصدر بيانًا حول رفض فرنسا تسليم بوشوارب    وزيرة البيئة تؤكد أن الدولة عازمة على تحقيق نقلة نوعية في تسيير قطاع البيئة    الرابطة الأولى: فوز شباب بلوزداد على اتحاد بسكرة (4-2)    المغرب: تحذير من مخاطر الاختراق الصهيوني الذي طال كافة المجالات في المملكة    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    نسبة جاهزية موزعات البريد الآلية بلغت 96 بالمائة عبر الوطن    تشغيل: بن طالب يبرز جهود القطاع في عصرنة المرفق العمومي ضمانا لجودة الخدمات    سويسرا : يوم تضامني مع المعتقلين السياسيين الصحراويين و حملة توقيعات للمطالبة بالإفراج عنهم    السيد سايحي يبرز مجهودات الدولة في توفير الهياكل الصحية عبر مختلف ربوع الوطن    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفية بالإذاعة الوطنية فاطمة ولد خصال    اليوم الدولي للغابات: تنظيم حملات للتشجير والتحسيس حول الحفاظ على الثروة الغابية بغرب الوطن    سعداوي يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة لتسيير الفصل الثالث في أحسن الظروف    حوادث المرور بالمناطق الحضرية: وفاة 13 شخصا وإصابة 456 آخرين خلال أسبوع    نحو إدراج التراث الأثري لمدينة تبسة ضمن القائمة الإرشادية للتراث العالمي بالجزائر    وزير الداخلية و الجماعات المحلية و التهيئة العمرانية في زيارة عمل إلى ولاية قسنطينة    حشيشي يؤكد على ضرورة الالتزام بآجال المشروع الجديد لضغط الغاز بغرد النص    وفاة الصحفية السابقة بالإذاعة الوطنية فاطمة ولد خصال    بطولة إفريقيا للمحليين 2025 : المنتخب الوطني يجري ثاني حصة تدريبية له    مونديال 2026: "الخضر" يكثفون تحضيراتهم قبل التوجه إلى فرانسيس تاون    الجمعية الثقافية السينمائية "أضواء" تحيي الذكرى ال63 لعيد النصر    روتايو.. شر بشري وغباء إداري    "بريد الجزائر" يطلق صفحة خاصة بتطبيق "بريدي موب"    لهفة الصائمين تعترض مساعي الحد من تبذير الخبز    في باكستان.. حرصٌ على اللباس المحتشم    ورشة مفتوحة لتغيير وجه المدينة    اختبار صعب ل"الخضر" في طريق التأهل لمونديال 2026    يوسف بلايلي سلاح بيتكوفيتش في مباراة بوتسوانا    جبهة وطنية إعلامية للدفاع عن صورة الجزائر    نجوم في بيت الفن والسمر    المسموح والممنوع في الخدمات الرقمية نحو الخارج    خطوات جديدة لمرافقة وترقية الاستثمار    7 متنافسين على المقعد الرياضي الأكثر نفوذا    الجزائر تدين بشدة الهجوم الإرهابي على موكب الرئيس الصومالي    الخضر يبحثون عن الفوز للاقتراب من المونديال    مهرجان للإنشاد والمديح بسكيكدة    حج 2025 : اجتماع تنسيقي لمتابعة عملية تسيير رحلات الحج    قال إن المنتخب الجزائري يملك توليفة رائعة من اللاعبين.. صهيب ناير سعيد باللعب مع الجزائر    متى يباح الإفطار للصائم    أجمل دعاء يقال في رمضان    الذكرى ال63 لعيد النصر: تنظيم ندوة فكرية حول تجليات عيد النصر في المخيال الأدبي والفني الجزائري    نسيج وجلود: رقم أعمال المجمع العمومي "جيتكس" يرتفع ب15 بالمائة في 2024    فتح 2000 مطعم وطنيا لتقديم وجبات للمحتاجين وعابري السبيل    اتخاذ إجراءات ضد 53 مستورد للمورد    هل حافظت "طيموشة 3" على التألّق نفسه؟    بهجة رحال ونوري الكوفي نجما النوبة    الحويني في ذمة الله    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    هذا موعد أول رحلة حج    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوضاع العالم وصعوبات الاستقلال الأخلاقي
نشر في الحياة العربية يوم 23 - 04 - 2022

كنت قبل أيام في ليالي رمضان الطويلة أقرأ للمرة الثانية أو الثالثة كتاب فرنك فردي: «في التسامح، دفاع عن الاستقلال الأخلاقي». وهو يتميز على الكثير من مؤلفات المفكرين اليساريين والليبراليين بالتركيز على الصعوبات الذاتية للتيقظ الأخلاقي. إذ تعودنا أن ننسب للسلطات السياسية الاستئثار بالضغط على المثقفين وأهل الرأي للحيلولة دون مخالفة توجهات تلك السلطات فيما تعتبره مصالح وطنية أو قومية. فرنك فردي يعتبر ضغوط السلطات عبئاً أصغر إذا قورن بضغوط التنبه أو الضرورات الأخلاقية، والتي لا تلعب فيها السلطات ولا اتجاهات الرأي العام دوراً بارزاً. وأبرز مثالٍ على ذلك هذه الأيام الحرب الروسية على أوكرانيا. فالدول العربية اتخذت في معظمها موقف الحياد الإيجابي إذا صح التعبير، فتركت المجال للمثقفين والإعلاميين لكي يعبر كل عن توجهاته وتحليلاته وميوله دونما تعرضٍ ظاهرٍ لحرية التعبير في هذا الاتجاه أو ذاك. ولذلك آثر البعض منا المصير إلى التحليلات الاستراتيجية في العلاقات بين الغرب الأوروبي والأطلسي من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة أخرى. في حين اتجه البعض الآخر إلى إدانة تلك الحرب معتبراً إياها عدواناً موصوفاً على حريات الشعب الأوكراني وسيادته واختياراته السياسية. ومضت قلة ثالثة للتركيز على العوامل الإنسانية المعنية بحيوات الجمهور وأحداث القتل والتهجير، معتبرة ذلك كله مأساة إنسانية. وهي القلة التي أقلقها كما أقلق كثيرين في الغرب والشرق عجز النظام الدولي ومجلس الأمن – على كثرة انعقاده أخيراً – عن إيقاف تلك الحرب بأي ثمن حفظاً للحياة الإنسانية ولا شيء غير.
في مثل هذه الظروف يبرز مثالا السلام والعدالة. وهما مثالان يكادان يكونان في العالم المعاصر في حالة تناقضٍ وتضارُبٍ دائم. لأنه يكاد يكون من المستحيل أن يتلاقيا أو يجتمعا عند محاولة فض نزاعٍ ما. فالمظلومون أو الذين يتعرضون للعدوان يريدون الأمرين معاً وبخاصة العدالة. أما في المشهد العالمي فالجميع يطالبون بوقف الحرب، على أن يجري التفكير فيما بعد – بعد وقف إطلاق النار – في المثال الآخر، مثال العدالة. وهناك تسليمٌ من جهة أُخرى أن السلام دون عدالة لا يكاد يتحقق أو يستمر. إنما في ظروف الأزمات المشتعلة ولالتقاط الأنفاس يستسلم الجميع – بمن في ذلك الأوكرانيون – لوقف النار أو ذاك السلام المنقوص.
وأكاد أذهب – ولست وحيداً في ذلك – إلى أنه ما عانت أمة من الأُمم في العالم الحديث والمعاصر، كما عانى العرب من تعذر تلاقي السلام بالعدالة، وفي قضية فلسطين أولاً، ثم في سائر القضايا والمشكلات في سوريا وليبيا واليمن والعراق… ولبنان. ودائماً يتكرر في أحاديث الملاحم العربية والإسلامية التعبير بأنها «فتنة على دَخَن». بمعنى أن النار الظاهرة لا تخمد إلى غير رجعة بل يظل الدخان في الأجواء نذيراً بعودة النيران للاشتعال. والدخان اليوم يتصاعد كما في كل عامٍ من المسجد الأقصى وما حوله.
وسط النيران والركام والدماء في كل مكانٍ ما معنى الاستقلال الأخلاقي أو الاستقامة الأخلاقية؟ في كل الأزمات الحاضرة يبرز طرفٌ قومي يتجه لضرب الآخرين الذين يرى فيهم ضعفاً وتعرضاً بحجة حفظ أمنه أو الدفاع عنه. وهذا الضعيف الذي يتعرض للضرب لن يتوقف ضربه إلا إذا خمدت مقاومته تماماً. وإذا خمدت مقاومته تماماً فقد تأبد انتصار القوي. إنما خلال جولات الكر والفر لا يبقى الطرفان وحدهما في الصراع، بل تتقدم أطرافٌ أُخرى قريبة أو بعيدة إما لمشاركة القوي في الغنيمة المرتجاة، أو لاستغلال ضعف الضعيف بحجة الانتصار له! وفي كل الحالات يصير الصراع صراعات، وبالتالي يتعذر الإخماد.
ما معنى الاستقلال الأخلاقي وما فائدته؟ إذا كان المقصود بالاستقلال الأخلاقي تحقق فائدة حاضرة لإحدى قيمتي السلام أو العدالة؛ فإن التوقعات من وراء الموقف تصبح عبثية أو دون فائدة. وها هو نعوم تشومسكي يكتب في إدانة الإمبريالية الأميركية منذ خمسين عاماً من دون أن يؤثر في طغيان الولايات المتحدة أو زحوفها. وها هو البرلمان الروسي يهدد من يعارض الحرب على أوكرانيا بعقوباتٍ بالسجن والغرامة باعتبار أن الحرب حربٌ وطنية، وفي معارضتها خيانة للوطن الروسي! ومن لا يصدق أو يخشى فلينظر ويعتبر بما حصل للمعارض نافالني وأمثاله ممن صاروا في خبر كان. لكننا هنا نعود لضغوط السلطات، وهو الأمر الذي ما قصدناه من هذه المداخلة. الاستقامة الأخلاقية تجد قوتها في ذاتها، وفي قدرتها على التأثير في الضمير العام. إنما من جهة أُخرى فإن الأوروبيين وهم يتأملون ما يحصل لماريوبول يتذكرون ما حصل في أعوام 2013 – 2016 لحمص وحلب والغوطة بالكيماوي وبالبراميل المتفجرة والطائرات والمدفعية. وكأنهم يقولون: لو أمكن منع النظام السوري وروسيا وإيران من ارتكاب مذابح المدن تلك، لما حصل الآن ما يحصل للمدن والبلدات الأوكرانية!
إن أهمية الضمير الأخلاقي، والاستقلال الأخلاقي، هو في إطلاله على الضمير العالمي وإنسانية الإنسان. وهي اعتباراتٌ ما كانت مطروحة عند النزاع على فلسطين في الأربعينات من القرن الماضي، وصارت ممكنة الآن. يومها تصور العالم القضية قضية شعبٍ تعرض للهولوكوست وهو يبحث عن وطن، فجرى تجاهل الحق الفلسطيني لصالح الحق في الإنقاذ من الإبادة! ما كان هناك ضميرٌ عالمي رغم ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واليوم هناك ضميرٌ إنساني يتقدم حتى على اعتبارات الميثاق والإعلان. هل في ذلك عزاء؟ قد لا يتعزى بذلك الأكثرون، لكن هذا هو معنى الاستقلال الأخلاقي، والضمير الأخلاقي، وإنسانية الإنسان.
ليكن الأمر واضحاً. ما عاد من الممكن الغفلة أو الاستسلام للعجز وقلة الحيلة. بل هناك خيارٌ واحدٌ ووحيدٌ هو التنبه والتنبيه واليقظة. التنبه الذاتي، واستحثاث الآخرين على الانتباه. هناك كما قال ماكس فيبر: أخلاق الالتزام، وأخلاق المسؤولية. وقِدماً ضرب لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثل السفينة الواحدة للمصير الإنساني الواحد. وهي سفينة ذات طبقتين. فإن لم يتنبه الذين في أعلاها إلى ما يفعله الذين في أسفلها هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً… وتلا رسول الله بعد هذا المثل قوله تعالى: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب».
الآلام البشرية لا تُطاق. ونحن أفراداً كنا أو جماعات عضوٌ من هذه الأعضاء المتألمة. وما عاد ممكناً القول: انجُ سعد فقد هلك سَعيد. إذ لا نجاة لأحدٍ منا إذا هلك جوارنا الإنساني. والذين يصلون في الأقصى تحت الحراب الإسرائيلية، والذين يقاتلون الروس في ماريوبول وخاركيف وأوديسا، سيان، في تمثيلهم للضمير الإنساني والمصير الإنساني الواحد.
يفتخر الغربيون دائماً بالفردانية التي قام عليها الغرب الحديث. لكن الاستقلال الأخلاقي اليوم يصل الفرد بالجماعة في الضمير العام.
الشرق الأوسط اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.