دورة استثنائية وعودة متجددة لمهرجان كان السينمائي في دورته الخامسة والسبعون التي تواصلت أعمالها في الفترة من 17 – 28 ماي، والتي ازدحمت اختياراتها الرسمية بكم متميز من النتاجات السينمائية تحمل توقيع عدد بارز من اهم صناع السينما العالمية حطوا رحالهم على شاطئ الكوت دو زور في تنافس هو الثراء لصناعة السينما وهو الرهان والنبض المستقبلي لحرفة واجهت اقسي التحديات جراء جائحة كورونا التي عصفت بالعالم وبصناعة السينما والترفيه بشكل عام . وحينما نتوقف عند نتائج الدورة الاخيرة علينا ان نعرف بان لجنة التحكيم بقيادة الممثل الفرنسي فنينت ليندون قد واجهت تحديات كبري، وكانت امام مصاعب جمه من اجل توزيع عادل للجوائز الذى ذهبت وبنسبة كبيرة للأعمال المستحقة بالذات فيما يخص السعفة الذهبية التي حصدها الفيلم السويدي "مثلث الحزن" للمخرج روبن اوستلاند الذى كان قد فاز في العام 2017 بجائزة السعفة الذهبية عن فيلم "المربع" الذى يظل واحدا من التحف السينمائية المثيرة للجدل . في فيلم "مثلث الحزن" نحن كما في جميع افلام اوستلاند ما هو ظاهر وما هو مبطن، الحكاية هي السخرية المفرطة عن عارض ازياء وصديقته العارضة يحصلان على رحلة مجانية على متن احد السفن السياحة (كروز) ليجدا انفسهما امام مغامرة تنتهي بانفجار السفينة والتمكن من الوصول الى شاطئ احد الجزر حيث يجد الجميع انفسهم وهم في الغالب من الاثرياء انفسهم غير قادرين على تامين قوتهم واحتياجاتهم الضرورية التي تقوم بها احد العاملات من شرق اسيا (الفلبين) والتي تقوم بمهمة الصيد واشعال النار والطبخ وهذا ما يجعلها لاحقا تطلب بان تكون الرئيسة على الجميع وكان اوستلاند يدق الناقوس بان العالم سيكون للفقراء العاملين المجتهدين اما الاثرياء فلن يكون لهم مكان حيث لا نفع للثروات والمال امام الكسل والتراخي، هكذا هو المتن الخاص بالعمل علي الصعيد الروائي اما الشكل فهو الذهاب الى السخرية من كل شيء اعتبارا من الكابتن المدمن الى التفرقة بين الركاب والعاملين وايضا البطالة التي تحاصر الجميع في زمن ينعم به الاثرياء بكل شيء، فيلم عميق كلما ذهبت الى ابعاده بالتحليل والتأمل . فيما يخص جائزة التمثيل النسائي والتي ذهبت الى الممثلة الايرانية زار امير ابراهيمي عن فيلم "العنكبوت المقدس" للمخرج علي عباسي والذى تجسد خلاله دور صحفية تصل من طهران الى مدسنة مشهد من اجل البحث عن تفاصيل مجرم يقوم يوميا باغتيال احدي بائعات الهوي ضمن فتوي الجهاد ضد الفساد ، شخصية مكتوبة بعناية تدافع عن المرأة، واهمية ان يتم تحقيق العدالة بواسطة القانون وليس عبر ان يحقق كل شخص العدالة بأسلوبه وبطريقته عندها ستعم الفوضى ويقتل القانون، سينما من نوع مختلف تلك التي يقدمها المخرج علي عباسي وايضا فريقة ونخص الرائعة زار امير ابراهيمي وايضا الممثل مهدي باجستاني . جائزة افضل ممثل ذهبت الى النجم الكوري الجنوبي سونج كنج هو والذى قدم شخصية سكرتير في مكتب استقبال الاطفال الذين تعجز اسرهم عن رعايتهم لتقوم الدولة بالأمر ولكنه بدلا من ان يسلم الطفل للإدارة يأخذه معه ويقنع زميلة في العمل بان يقومان ببيعة لهذا يتحول الى سمسار يبحث عمن يدفع اكثر للتبني من اجل التخلص من ظروفه المادية والاسرية الصعبة في رحله تأخذه الى عدة مدن يابانية وكان الفيلم يشير بالاتهام الاقتصادي والاجتماعي للجميع في التورط ببيع طفل من اجل الثراء وحل الازمات ، مشيرين بأن سونج كنج هو عرف عالميا من خلال دوره في فيلم "الطفيلي" الذى فاز بأوسكار افضل فيلم ومن قبلها بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي وهو اهل للاستحقاق . من الجوائز المستحقة نشير الى جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي ذهبت مناصفة بين الفيلم البولندي "اي او" للمخرج جيرزي سكولوموفسكي والذى يرصد العالم والدمار الذى يقوم به الانسان من خلال احد الحمير الذي يبدا مشواره في سيرك وينتهي للذبح في احد المسالخ، ومعه فاز مناصفة الفيلم البلجيكي "الجبال الثمانية" الذى يتناول موضوع الصداقة وسط الحياة وسط الجبال وتقاليد الحياة هناك . جائزة أفضل اخراج هي الأخرى جاءت مستحقة للمخرج الكوري بارك شن وك عن فيلم "القرار بالانفصال" الذى صاغ رؤية بصرية ثرية وحلول اخراجية تدهش وتمتع وتحقق الثراء للموضوع والشخوص والاحداث . جائزة افضل سيناريو وذهبت الى المخرج السويدي المصري الاصل طارق صلاح عن فيلم "ولد من الجنة" الذي يروي حكاية شاب يأتى من احدي القري المصرية التي تعيش على صيد الاسماك للدراسة في الازهر الشريف ليجد نفسه في مغامرة كبري بالذات حينما يتوفى الامام الاكبر وتبدا المحاولات والتدخلات لاختيار الامام الجديد، ومنذ اللحظة الاولي لاختيار الموضوع واختيار الفيلم للعرض في مهرجان كان السينمائي علم الجميع بان هناك توجها لحمايته وتكريمه فقط لأنه يتعرض لموضوع حساس ويتناول بالنقد المؤسسة السياسية وهو ايقاع يعجب المهرجانات الاوروبية ونقادها رغم التحفظ الكبير على العمل بشكل عام لاننا امام متاهات ساسية ودينية وتلفيقات هدفها هكذا جائزة . التحفظ على الجائزة الكبرى في المناصفة بين المخرج البلجيكي لوكاس دونت عن فيلمه الرائع "كلوز" وهو احق بما هو ابعد، الا ان لجنة التحكيم قررت منحة الجائزة مناصفة مع المخرجة الكبيرة كلير ديني عن فيلم "نجوم في الظهيرة" وهو مغامرة اقرب منه ان يكون فيلما من توقيع مخرجة كبيرة ذات تاريخ سينمائي حافل وعامر . الاستحقاق الابرز جاء مع جائزة الدورة ال 75 لفيلم "توري ولوكيتا" للأخوين دردان الفائزين من ذي قبل مرتين بالسعفة الذهبية وهذه الجائزة تذكرة بالجائزة التي حصل عليها الراحل يوسف شاهين بمناسبة الدورة الخمسين عن مسيرته السينمائية ويومها عرض فيلم "المصير" داخل المسابقة الرسمية . على الصعيد الشخصي اشعر بشيء من الغياب المجحف لعملين كبيرين عن لائحة الجوائز وهما فيلم "زوجة تشاكوفيسكي" وايضا الفيلم الايراني "ليلي واخوانها" لسعيد روستائي ولا نريد الى شيء من التدخل السياسي لان مهرجان كان فوق تلك المعايير والتوجهات والا لما اختار تلك الافلام في المسابقة الرسمية لأننا أمام قيم سينمائية عالية الجودة ستحقق حضورها وأصداءها في مهرجانات وتظاهرات اخري في انحاء العالم . جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته لعام 2022 كانت الاقرب الى الصواب واختيارات النقاد ولربما الجمهور ايضا …افلام ستجد طريقها الى مهرجانات العالم خلال العام الحالي .