اقترح النائب الفرنسي مارتنز كارلوس بيلونغو مشروع قانون على برلمان بلاده يسمح بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين الموجودة في متحف الإنسان بباريس، بعدما كانت السلطات الفرنسية قد أعادت 24 منها فقط في جويلية 2020. وأودع بيلونغو، قبل يومين، مشروع قانون "يهدف إلى السماح بالرد الفوري للجماجم المحفوظة حالياً في متحف الإنسان في باريس"، ويحث على تجاوز العراقيل القانونية الحالية التي تعيق تسليم باقي الجماجم". ويأتي هذا المشروع عشية زيارة رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن إلى الجزائر. وتعرقل السلطات الفرنسية تسليم هذه الجماجم، بحجة أنها ملك وتراث للأمة الفرنسية، ولا يملك أي طرف حق التصرف فيها، وعلى أساس أن "هذا الرفات البشري قد دُمج في المجموعات العامة الوطنية وجزء من الملك العام، وهو على هذا النحو غير قابل للتصرف به، وبعيد المنال وغير قابل للتقادم، ويستدعي تسليمه إصدار تشريع خاص يخرجه من التصنيف ملكا عاما للأمة الفرنسية. وذكرت مسودة القانون في الحيثيات التمهيدية أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان قد تعهد خلال زيارته إلى الجزائر، في ديسمبر 2017، بتسليم الرفات والجماجم، التي تعود لجزائريين قاتلوا الاستعمار الفرنسي. وتقدر السلطات الجزائرية عدد الجماجم والرفات بأكثر من 500، حيث كانت لجنة من الخبراء الجزائريين والفرنسيين قد قامت عام 2018 بتوثيق، والتحقق من أصل 45 رفاتا بشريا تستوفي الشرط المزدوج المتمثل في اعتبارها جزائرية، ويعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وتم تحديد 26 رفاتا قابلا للإرجاع، لأنها موثقة بشكل جيد. وفي 3 جويلية 2020، كانت 24 من هذه الجماجم موضوع تسليم من فرنسا إلى الجزائر، فيما بقيت جمجمتان من بين ال26 التي تم توثيقها محفوظة في متحف الإنسان في باريس ولم تشملها عملية التسليم. وأقر ماكرون، خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر، بتجاوز عقبات صعبة عند اتخاذه قراراً بتسليم الجماجم ال24 للسلطات الجزائرية في جويلية 2020، في إشارة إلى ما يعتبره التشريع الفرنسي تصرفاً في الملك العام. وكانت قوات الاستعمار الفرنسي قبل 150 عاماً قد أقدمت على قطع رؤوس المقاومين في سياق انتقامي، أبرزهم الشريف بوبغلة والشيخ بوزيان وموسى الدرقاوي ومختار التيطراوي وعيسى الحمادي ومحمد بن علال أحد ضباط الأمير عبد القادر، ونقلها إلى باريس وضمها إلى متحف الإنسان. وكشف عن وجود هذه الجماجم عام 2011 من قبل المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي، أثناء بحث تاريخي حول المقاومة الشعبية الجزائرية للاستعمار الفرنسي. وفي فبراير 2016، أطلق مثقفون جزائريون عريضة المليون توقيع لاستعادة جماجم المقاومين من فرنسا ودفنها في الجزائر. وفي 7 يناير 2018، أعلنت الحكومة تقديمها طلب استعادة جماجم تعود لقادة المقاومة الشعبية من متحف باريسي. واعتبر النائب الفرنسي في مقترح القانون أن "هذه الجماجم تعد من أسوأ فترات الاستعمار والدولة الفرنسية، وتمثل حالة من العار والاحتفال المهين وغير اللائق بالنصر على الخصم وإهدار كرامته حتى في الموت، وفي الواقع، مظهر من مظاهر ممارسة تتعلق بتدنيس الجثة والبربرية الخالصة والبسيطة التي تحميها الحجج العلمية الزائفة. وأن الغرض الوحيد منها هو ضمان التدمير والإذلال التام للخصم". وأشار إلى أن "الاحتفاظ بهذه البقايا الجنائزية كقطع ثقافية ممارسة حقيرة، وتجب إعادتها من دون تأخير أو شرط إجرائي". وشدد على أن "العودة النهائية لهذه الجماجم إلى أرضها الأصلية سيتيح تمكينها من دفن لائق، كما أن إعادتها لها ما يبررها في ما يتعلق بمبدأ الكرامة الإنسانية والأخلاق، وستكون جزءًا من عملية اعتراف فرنسا بالممارسات المؤسفة تجاه مستعمراتها السابقة"، على غرار ما تم بالنسبة ل24 جمجمة لمقاومين جزائريين التي سلمتها باريس في جويلية 2020. وتشدد مسودة القانون على التسريع في توفير إطار قانوني يسمح بإعادة مجموع هذه الجماجم، خاصة بعد التوقيع على "إعلان الجزائر تجديد الشراكة بين البلدين، المعلن في 27 أوت 2022″، خلال الزيارة الأخيرة للرئيس ماكرون، إذ تقرر إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، تتولى العمل على مسألة رفات وجثث المقاومين الجزائريين.