مشروع لم تصنعه الدولة، صنعه أفراد منذ أربعة أيام (4 سبتمبر) أكملت شركة غوغل عامها الخامس والعشرين. قصة نجاح سطرها علماء الكمبيوتر لاري بيدج، سيرجي برين وسوزان وجسيكي، من مرآب منزل الأخيرة التي أصبحت المديرة التنفيذية ليوتيوب. وقد نمت الشركة، التي بدأت من مرآب المنزل لتصبح جزءا من مؤسسة ألفابت، لتقدم العديد من المنتجات خارج نطاق محرك البحث الشهير غوغل، مثل جي ميل وخرائط غوغل، وغوغل كلاود، وكروم، ويوتيوب، ووركبليس، ونظام التشغيل أندرويد، والتخزين السحابي درايف، وترجمة غوغل، وصولا إلى سيارات ذاتية القيادة.. واليوم تسعى إلى أن تكون في مركز الصدارة بسباق الذكاء الاصطناعي. قصة النجاح التي حققها لاري وسيرجي وبدأت من المرآب، حقق مثيلا لها في عام 2004 مارك زوكربيرغ، ولكن من غرفة نومه هذه المرة. بالطبع لسنا مضطرين إلى الحديث عن الشركة التي أطلقها باسم فيسبوك والتي تضم مليارات المستخدمين حول العالم. تجربة ستيف جوبز مع شركة آبل لا تختلف عن تجربة غوغل وفيسبوك؛ بدأت القصة عام 1976، عندما التقى مع ستيف ووزنياك ورون واين في مرآب بمنزل والديه في لوس ألتوس، كاليفورنيا. وقام الثلاثة بتأسيس الشركة باسم "أبل كمبيوتر"، وهذه كانت البداية الرسمية لرحلتهم في عالم التكنولوجيا وصولا إلى أيفون. لن نتحدث عن الماضي، نكتفي بذكر هذه النماذج الحديثة جدا، والتي بدأ أقدمها في السبعينات، والتي تمتلك فيما بينها أكثر مما تمتلكه معظم الدول العربية. هؤلاء وأسلافهم لم يكونوا بحاجة إلى التفاخر بالماضي، لأن الماضي الأميركي قد يعتقد البعض أن لا وجود فيه إلى ما يدعو إلى التفاخر. وبينما غرقنا أصحاب "الماضي المجيد والتاريخ العريق" في التفاخر بماضينا، وآبائنا، وأجدادنا، وزعمائنا وقادتنا ننبش في الكتب الصفراء ونزور الحقائق، غرق الأميركيون في البحوث العلمية وفي بناء المستقبل. منذ 16 قرنا تقريبا، قال الحجاج بن يوسف الثقفي قولته الشهيرة: كن ابنَ من شئت واكتَسِب أدَباً يغنيكَ محمُودَه عن النّسب إنّ الفتَى من يقولُ ها أنا ذا ليسَ الفتَى من يقولُ كانَ أبي من منا لم يردد يوما قولة الحجاج؟ ألف وأربعمئة عام ونحن نردد قوله ونعمل عكس نصيحته. الأميركيون لا يعرفون الحجاج، ولكنهم يقولون منذ تأسيس دولتهم "ها أنا ذا". ثقافة الكاوبوي أنجبت الولاياتالمتحدة، الدولة التي تحتل اليوم المركز الأول في العالم اقتصاديا وعلميا، بينما نفتش لأنفسنا عن مكان في المرتبة خمسين أو ستين أو سبعين. في أميركا، الفرد هو من يصنع الثروات، والفرد هو من يصنع الفن والثقافة، الحكومات تكتفي بإدارة شؤون الدولة وتنظيم العلاقات الخارجية، وأحيانا المؤامرات. هوليوود، وهي أنجح مشروع ثقافي تجاري عرفه العالم، لم تصنعه الدولة، صنعه أفراد. السينما في دولنا العربية كانت مشروعا حكوميا، لم ينجُ من سلطة الحكومة أي شيء، بل وصل الأمر حدا أن رأت الحكومات في نجاح الأفراد تهديدا لسلطتها. باختصار، الدولة في الولاياتالمتحدة موجودة لخدمة الفرد وخدمة العلم والثقافة والفن والابتكار، في دولنا الفرد موجود لخدمة الدولة والزعيم. وبعد هذا كله نتساءل: لماذا فشلنا ونجحوا؟