وكان التألق هذه المرة من نصيب أسود الأطلس الذين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن اصبحوا أول منتخب افريقي، واول منتخب عربي أيضاً، يتأهل إلى الدور الثاني. ولم يكن التأهل عادياً بل جاء بعض عروض قوية ومقنعة، وبعد تصدر مجموعة ضمت معه بعض أعرق المنتخبات الأوروبية. في المقابل لم ينجح منتخب الجزائر في تكرار العروض الرائعة التي قدمها خلال مونديال إسبانيا وخرج من الدور الأول، ولقى المنتخب العراقي نفس المصير مكتفياً بشرف المشاركة الأولى. الطريق إلى المكسيك في التصفيات الآسيوية، لم يكن طريق منتخب العراق مفروشاً بالورود، فالفريق لم يكن قادراً على لعب أي مباراة على ارضه بسبب الحرب العراقية الإيرانية، فتارة لعب في الكويت وتارة في الهند، قبل ان يستقر اختياره على مدينة الطائف السعودية، ولكنه رغم ذلك حافظ على تماسكه ونجح في تحقيق الإنجاز بفضل حنكة المدرب واثق ناجي ومن بعده المخضرم عمو بابا. وبعد تصدره لمجموعته في الدور الأول على حساب كل من قطر والأردن، كانت المواجهة الأصعب للفريق في الدور الثاني أمام الإمارات بقيادة البرازيلي كارلوس البرتو باريرا، ولكنه نجح في المرور بعد فوزه في أبو ظبي 3-2 ثم خسارته في الطائف 1-2، ليتأهل بفضل تسجيله أهداف أكثر خارج ملعبه. في المرحلة الأخيرة تجاوز أسود الرافدين عقبة سوريا بتعادلهم خارج ملعبهم سلبياً ثم فوزهم في الطائف 3-1. وفي المقابل جاء تأهل المنتخب الجزائري عن القارة السمراء بعد فوز تاريخي في المرحلة الأخيرة على تونس خارج ملعبه ذهاباً بنتيجة 4-1، ثم فوز كبير آخر بثلاثية نظيفة في مباراة العودة في الجزائر. أما أصعب العقبات أمام المغرب فكانت في المرحلة قبل الأخيرة من التصفيات أمام مصر، ولكنها نجحت في تحقيق تعادل ثمين في القاهرة ذهاباً، قبل أن تفوز في الدارالبيضاء بهدفين دون مقابل سجلهما بودربالة والتيمومي. وتجاوز الفريق بعد ذلك في المرحلة الأخيرة نظيره اللليبي بفوز عريض في الرباط 3-0 ثم خسارة في ليبيا بهدف دون مقابل، ليعود للنهائيات بعد غياب دام 16 عاماً. مجموعات صعبة اسفرت قرعة النهائيات التي اقيمت في مدينة مكسيكو سيتي عن مواجهات صعبة للمنتخبات العربية الافريقية، مع وقوع الجزائر في المجموعة الرابعة مع البرازيل بطلة العالم ثلاث مرات وإسبانيا وأيرلندا الشمالية، في الوقت الذي وجد فيه منتخب المغرب نفسه في مواجهة ثلاث منتخبات أوروبية عريقة هي إنكلترا والبرتغال وبولندا ضمن المجموعة السادسة. ولم يكن حظ العراق أفضل فقد وجد نفسه في المجموعة الثانية مع فرق تملك الكثير من الخبرة على المستوى الدولي وهي المكسيك صاحبة الأرض والباراغواي وبلجيكا. ولكن ما بعث بعض التفاؤل على هذه المنتخبات هو أن نظام البطولة الجديد كان يقضي بتأهل افضل أربع ثوالث في المجموعات الست إلى الدور الثاني، كما أن الأجواء الحارة في المكسيك كانت مناسبة لهم أكثر عن تلك المنتخبات الأوروبية، مع العلم أن الأيام الأولى من البطولة صادفت الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك. المنتخب المغربي بعد غياب دام ستة عشرة عاماً عن الساحة العالمية، عاد أسود الأطلس إلى المونديال مع جيل من أبرز الأجيال في تاريخ الكرة المغربية، إن لم يكن أبرزها على الإطلاق، مع أسماء مثل الحارس الأسطوري بادو الزاكي واللاعبين محمد التيمومي وكريماو ومصطفى الحداوي وعزيز بو دربالة وعبد الرزاق خيري. وكان من أهم أسباب التطور الهائل في مستوى المنتخب المغربي خلال السنوات التي سبقت تلك البطولة، هو تعيين المدرب القدري "المهدي" فاريا، الذي مثل أول تعامل للمنتخب المغربي مع المدربين البرازيليين. في المواجهة الأولى أمام منتخب بولندا ثالث المونديال الفائت على ملعب يونيفرستاريو بمدينة مونتريري نجح المنتخب المغربي في اقتناص نقطة ثمينة بتعادله سلبياً، في الوقت الذي حقق فيه المنتخب البرتغالي مفاجأة من العيار الثقيل بتغلبه على إنكلترا بهدف دون مقابل. واعتقد الكثيرون أن المنتخب المغربي فقد الأمل في بلوغ الدور الثاني بهذا التعادل لأن خصميه القادمين أكثر قوة، ولكنه أثبت عكس لك وقدم مستوى مشرف أمام المنتخب الإنكليزي بقيادة المدرب الشهير بوبي روبسون لينجح في الخروج بتعادل سلبي آخر ويصبح في موقف افضل من النظيره الإنكليزي الذي تذيل المجموعة بنقطة واحدة بعد أن تغلبت بولندا على البرتغال بهدف دون مقابل في نفس الجولة. وكان المنتخب الإنكليزي في ذلك الوقت يضم بعض أفضل لاعبي القارة العجوز مثل المهاجم الخطير غاري لينيكر الذي نال في نهاية البطولة لقب الهداف، بالإضافة إلى الحارس بيتر شيلتون وراي ويلكينز وغلين هودل وكريس وادل ومارك هاتيلي. في الجولة الأخيرة انتقل المنتخب المغربي إلى مدينة غوادالاخارا لملاقاة نظيره البرتغالي على ملعب الثالث من مارس، وكانت كل الاحتمالات مفتوحة حيث أن مجرد تجنبه للهزيمة يؤهله إلى الدور الثاني. وأمام أكثر من 28 ألف متفرج في الملعب، والملايين من المشاهدين في جميع أنحاء العالم، قدم المنتخب المغربي مباراة تاريخية ونجح في الفوز بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. خيري افتتح التسجيل بعد 19 دقيقة بتسديدة صاروخية من خارج المنطقة، ثم أضاف هدف ثاني بعدها بأقل من عشرة دقائق ليصعق المنتخب البيزنطي. وفي الشوط الثاني أطلق كريماو رصاصة الرحمة على المنتخب البرتغالي بإحرازه الهدف الثالث، ولم يؤثر الهدف البرتغالي الوحيد الذي سجله ديامونتينو قبل عشر دقائق من صافرة النهاية في نتيجة المباراة لتنطلق الاحتفالات في جميع أنحاء المغرب ليس فقط لتحقيق الفريق للفوز الأول في تاريخه بنهائيات كأس العالم، بل لأنه أيضاً نجح في تصدر المجموعة بعد فوز إنكلترا على بولندا ليتأهل للدور الثاني عن جدارة. في دور ال 16 شاءت الأقدار أن يلتقي المنتخب المغربي مع نظيره الألماني الغربي الذي كانت قد اصابته عقدة المنتخبات المغاربية في النسخ الأخيرة من البطولة، ففشل في الفوز على تونس في مونديال 1978، وخسر من الجزائر في مونديال إسبانيا بعدها بأربعة أعوام. ورغم صعوبة المهمة والقوة الضاربة للمنتخب الألماني مع لاعبين مثل رودي فوللر وكارل هاينز رومينيغيه وفيليكس ماغات وكلاوس آلوفس والحارس هارالد شوماخر، قدم المنتخب المغربي أداءً بطولياً خاصة حارس المرمى الزاكي الذي تصدى لكرات عديدة صعبة ليبقي على شباكه نظيفة. وعندما كانت المباراة تلفظ انفاسها الأخيرة وانتظر الجمهور صافرة الحكم واللجوء لوقتين إضافيين، فاجأ لوثار ماتيوس الجميع بتسديدة صاروخية من ركلة حرة مباشرة سكنت شباك الزاكي وأهدت الفوز للألمان لتقضي على أحلام أسود الأطلس. وأكمل المنتخب الالماني بعد ذلك طريقه نحو المباراة النهائية حيث خسر أمام الأرجنتين 2-3، في الوقت الذي كتبت فيه المغرب تاريخ جديد للكرة العربية والافريقية وخرجت مرفوعة الرأس بعد أداء أذهل العالم