في لقاء علمي نظم مؤخرا بدار الفنون بمدينة الدارالبيضاء المغربية، تم تقديم كتاب "البناء الإنساني للإسلام"، وهو مجموعة من الحوارات أجريت مع المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية محمد أركون قبيل وفاته في سبتمبر2012. وقام بتنشيط هذا اللقاء العلمي الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية رشيد بنزين، الذي أنجز هذه الحوارات مع عالم اجتماع الديانات والناشر الفرنسي جان لويس شيغيل، كما قدم الكتاب إلى جانبه الأكاديمي المغربي محمد العيادي صاحب كتاب "المفكرون المغاربيون المعاصرون". وبحسب رشيد بنزين فإن الكتاب، جاء بغاية تعميق أغراض السؤال في موضوع الإسلام والمكانة التي تحظى بها الظاهرة الدينية في مجتمعاتنا. وتم تجميع هذه المادة تبعا له، خلال مناقشات وحوارات مستمرة، لكن ابتداء من أفريل 2009 تدهورت الحالة الصحية لمحمد أركون ليتوفى بعدها في باريس في 14 سبتمبر 2010 ولم تتح له فرصة الاطلاع على المخطوط. وقال بنزين إن الناشرين تابعوا عملهم بالاتفاق مع ثريا اليعقوبي أركون، زوجة الراحل، التي رافقته خلال هذه السنوات في أشغاله، والتي أضافت بعض المعطيات بعد اطلاعها المتأني على المخطوط. ويقوم هذا الكتاب مقام مدخل لأنثروبولوجيا الإسلام التي كان محمد أركون أحد مؤسسيها. ويعرض الكتاب لمختلف المفاهيم التي نحتها وكذا الأشغال المعرفية التي نهل منها، علاوة على بعض العناصر البيوغرافية غير المعروفة. ويستعرض الكتاب في 12 فصلا مسار ونتاج المفكر، مقدما للقراء بانوراما شفافة لما كانت عليه الورشة الفكرية التي قلب جنباتها محمد أركون بعناية نظرية و مفاهيمية، حرص على أن تكون متعددة التخصصات ومفتوحة على آفاق جديدة. ويقول الفيلسوف وعالم الاجتماع إدغار موران، في تصدير للكتاب، "إن محمد أركون يعرض علينا في هذا المشروع، المعركة الثنائية أو المزدوجة لحياة بأكملها. وهي معركة على جبهتين وواجهتين: جبهة نقد العقل الإسلامي والثانية واجهة العقل الغربي. فقد قاده نقده للعقل الإسلامي المغلق، بشكل جريء وحذر، إلى بناء أجهزة وسندات عقلانية منفتحة توفر إمكانية إجراء نقد أبستمولوجي". ويرى موران، بأن الأمر يتعلق بضرورة لا يمكن لأي حقيقة، سواء أكانت دينية أو علمية، أن تستغني عنها. كما أن هذا النقد هونقد تاريخي يموقع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقوله أوكلامه ضمن تاريخ ملموس. ويتعلق الأمر أيضا بنقد سيميوتيقي ينهل من منهجية غريماس ونموذجه الفاعل. وأخيرا يموقع أركون أصالة الإسلام في العالم ضمن أنثروبولوجيا دينية. أعلنت ثريا اليعقوبي أرملة الراحل محمد أركون بمناسبة تقديم هذا الكتاب، عن إطلاق موقع إلكتروني خصص لأعمال وفكر أركون ومؤسسة تحمل اسمه، وذلك في انتظار إنشاء مركز ثقافي بمدينة الدارالبيضاء يضم معظم مؤلفاته. ويتيح موقع "فونداسيون- أركون. أورغ"٬ للمتصفح الاضطلاع على أكثر من 130 شريطا تحتوي على 230 ساعة من الحوارات والمحاضرات٬ وأكثر من 10 ساعات لتسجيلات الفيديو٬ ووثائق عديدة أخرى مكتوبة٬ وصور ونصوص غير منشورة. كما يضم الموقع السيرة الذاتية للمفكر وخصوصا مساره العلمي بجامعة باريس 3 بالسوربون الجديدة، بالإضافة لمجموعة من الصور. وتهدف "مؤسسة محمد أركون للحوار بين الثقافات" التي تأسست بالدارالبيضاء ل"جمع وحفظ المكتبة الشخصية للأكاديمي محمد أركون" و"تأسيس مركز بحث مفتوح على كل الجامعات في العالم" وأيضا "نشر وترقية فكر محمد أركون في المغرب والعالم".