لفت انتباهي ذات مساء وأنا عائدة إلى المنزل، طفل صغير لا يتعدّى عمره الثامنة عاما، رفقة والدته وخالته وابن خالته، يتحدّث بطريقة عجيبة، طبعا ستقولون شيء عادي وفقا لسنّه، لا لم تدهشني طريقة كلامه، بل كلامه في حدّ ذاته، والله كأنّني أسمع شابا طائشا أو مدمنا على المخدرات يتكّلم، وما زاد في اندهاشي هو تلفّظه أمام والدته بكلام بذيء، وتبادله هو وابن خالته لكلمات السب والشتم، في حين لم تبدي السيدتين أيّ ردّة فعل لإسكاتهما أو نصحهما، نظرت إليه نظرة استغراب وتخيلت حاله حين يبلغ سنّ المراهقة ثمّ الشباب. أسماء زبار استفحلت في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة عن مجتمعنا المسلم المحافظ، إذ أضحى الواحد منّا لا يستطيع الخروج رفقة عائلته، وحتى إن كنّا لوحدنا فالأمر سيجعل من الطريق أو الشارع أطول بكثير منه في الحقيقة، كلام بذيء، سب وشتم، يدوّي في آذاننا هنا وهناك، في المقاهي، في الشوارع، في الطرقات، وحتى وإن كنت ساكتا ولا معرفة لك بأحدهم فيقصدونك ويوجّهون الكلام لك، والضحية الكبرى في هاته الظاهرة، هم السّكان القاطنون في الأدوار الأولى من العمارات في بلدية وادي قريش، وباب الوادي و بلوزداد وغيرها من الأحياء الشعبية، و إن تجرأ أحدهم على توبيخهم أو إبعادهم فسيتحوّل الموقف إلى شجار وستستعمل فيه جميع أنواع الأسلحة البيضاء، ويتحوّل الموقف إلى جريمة والتي تنتهي في غالب الأحيان بالقتل. .. انعدام الحياء ولا مبالاة الأسرة وراء السبب قال (إسماعيل.ض) صحفي، إنّ انتشار الكلام البذيء وسط الشباب وأمام الجميع هو نتيجة حتمية لانهيار سلم الأخلاق في المجتمع الجزائري و تراجع أدوار كلّ من المدرسة، المسجد و المنظومة الأسرية على وجه الخصوص، ووافقه الرأي أحمد (مهرج أطفال) أنّ سبب انتشار الكلام البذيء هو الأسرة بالدرجة الأولى لأنّه إذا صلحت صلح المجتمع، فالطفل إذا شبّ على شيء شاب عليه فالذي تعوّد في عائلته على التلفظ بالسبّ والشتم يبقى على هذه الحال وتصبح هي الطريقة التي يتكلّم بها مع الآخرين، وأضاف" أصبحنا لا نستطيع الخروج مع عائلاتنا بسبب ما نسمعه في الشّارع من سب وشتم دون أيّ حياء، وهذا راجع لنقص التربية والأخلاق، فالرّسول صلى الله عليه وسلم يقول "من رأى منكم منكرا فليغيّره" يجب تغيير هذا السّلوك عن طريق الحملات التحسيسية بدور الثقافة والشباب وفي المؤسسات التربوية..."، أمّا (صارة.م) فقالت" انتشار السبّ والشتم والكلام الفاحش يعود إلى التربية الناقصة، فالوالدين ينسيان أن يعلّما أبناءهم ثقافة الكلمة الطيبة، واللباقة في الحديث مع الآخرين، فأنا شخصيا معجبة جدّا بالألفاظ الرائعة التي نسمعها في المسلسلات العربية التي تعبّر عن الاحترام والتقدير للآخرين مثل: الله يسلمك، أطال الله عمرك..، هذه الكلمات موجودة في ثقافتنا لكننا لا نستعملها، حيث ألفنا الخشونة في الكلام وأدّى الأمر إلى تفشي الكلام البذيء وسطنا وأصبح أمرا عاديا نسمعه في كلّ مكان". من جهتها قالت (سميرة موظفة)، "الكارثة الكبرى هي أن تسمع بنات في قمة الجمال والأناقة يتفوهن بألفاظ السب والشتم في الشارع فما بالك الشباب"، أمّا السيدة (فتيحة) فقالت بخصوص الأمر" قلة الحياء وانعدامه أصبحت سمة غالبية الشباب اليوم، بل هناك من يقول أنّ هذه الألفاظ عادية في بعض جهات الوطن وأنّهم من أصول المنطقة الفلانية فهل التقليد يكون إلا في السب والشتم؟". أما (رشيدة.ز) محاسبة، قالت" سبب هذا الكلام البذيء في الشارع هو عدم احترام الآخرين، الشخص الذي يتحدث في الهاتف في الحافلة ويتلفظ بعبارات السب والشتم أمام الناس دون أن يشعر بالخجل هو شخص يفتقد لأدنى حياء واحترام، هذه كارثة نشهدها يوميا، إنّ الشعب الجزائري مسلم، ومن القيم الإسلامية تلك التي تحثّ على مكارم الأخلاق؟". رأي على النفس: "اضمحلت القيم الأخلاقية بصفة رهيبة "من سنة 2006 إلى 2012 قال المختص النفسي بولقرع مخلوف، للحياة العربية، أنّ انتشار الكلام البذيء والفاحش أمام الجميع سببه تراجع وتلاشي الوازع الثقافي والديني والاجتماعي في المجتمع، إضافة إلى دور الأولياء، فالتربية وحدها لا تكف، يجب عليهم أن يحسّنوا اختيار المكان الذي يدرس فيه أبناؤهم وأين يمارسون النشاط الثقافي أو الرياضي، كما أكّد المختص أنّ آخر الإحصائيات النفسية والاجتماعية توصّلت إلى أنّه من سنة 2006 إلى 2012 اضمحلت القيم الأخلاقية بصفة رهيبة، وتراجعت الأمور الايجابية كالاحترام والتربية الحسنة...الخ، وأضاف الأستاذ إلى أنّ الانشغال المادي الذي أصبح هوس الوالدين لتوفير كلّ الأمور المادية من ملابس وألعاب...، على حساب الجانب الروحي التربوي والنفسي زاد من انتشار هذه السلبيات في المجتمع، كما أنّ إهمال الأم لواجبها في تربية أولادها أحسن تربية، وخروجها للعمل لتوفير الملبس الجيد والكماليات الأخرى زاد من الطين بلة حيث لم تعد تستطيع التحكم في أولادها أو مراقبة سلوكهم اليومي. ..إلى الوالدين: "لا تتشاجرا ولا تسبّا بعضكما البعض أمام أولادكما" أكّدت المختصّة الاجتماعية طايبي أمال للحياة العربية أنّ انتشار الكلام البذيء والسبّ والشّتم وسط الشّباب وأمام الجميع سببه قلّة مقدار الاحترام في المجتمع، حيث أنّ الناس لم تعدّ تحترم بعضها البعض كالسّابق ولم تعد تعرف معنى الاحترام أو تعمل به في حياتها اليومية، وهذا يرجع أيضا إلى الوالدين وطريقة تربيتهم وتعاملهم مع الأولاد فالأبوين اللذين يتشاجران ويسبّان بعضهما أمام الأبناء كأمر عادي يجعل الأولاد يرون أمر هذا الكلام عادي أيضا، لأنّ القدوة بالنسبة لهم هم الآباء طبعا، كما أنّ عدم الاحترام بين الجيران و الحي والمشاجرة بينهم تخلق نوعا من اللاإحترام عند الأطفال فهم ينشؤون على استعمال ألفاظ السبّ والشتم منذ الصغر ويتعوّدون عليه ليصبح الأمر عادي لديهم، وأضافت المختصة أنّ جماعة الرفاق تؤثر بشكل رهيب على سلوكات الفرد وكيفية تعامله وتكلّمه، فغالبا ما يقلّد الصاحب صاحبه في الكلام، أي يصبح يتكلّم مثله، فالشّخص الذي يسبّ ويشتم كثيرا غالبا ما يكون رفاقه مثله تماما لأنّه تعوّد على التكلّم بهذه الألفاظ البذيئة، وأكدت الأستاذة أنّ الوسط الذي يعيش فيه الفرد يؤثر على كلامه وتصرفاته، حيث هناك أحياء السب والشتم عندهم أمر عادي كأي كلام آخر للتعبير عن ما يريد الحديث عنه. كما أكدت المختصة أنّ عدم تحمل المسؤولية الجماعية هو أمر أدّى إلى تفشي هذا الكلام الفاحش وسط شبابنا اليوم، فالشخص الذي يسمع شابا يسبّ ويشتم لا ينهيه بحكم تفادي المشاكل فيقول في نفسه لم يشتمني أنا، كما أشارت المختصة إلى أمر مهم هو أن الإنسان المتقدم في السن فقد قيمته الاجتماعية، في العائلة بالدرجة الأولى وعند الجيران والحي وكلّ السلّم الاجتماعي، فعدم احترام كبار السن يساهم في تفشي هذه السلوكات غير التربوية، وإضافة إلى هذا هناك أمر آخر هو خروج الأم للعمل فتصبح الأم تتصرّف تصرّف الشارع لاحتكاكها اليومي به هذا ما يؤثر على الأولاد منذ الصغر. رأي الدين: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت" أكّد الشيخ أبو الحسن الجزائري في اتصال ب" الحياة العربية" أنّ انتشار الكلام البذيء وسط الشباب سببه هو عدم الحياء وقلته، كما أنّ الرفاق الذين يسبون ويشتمون يؤثرون في بعضهم، فيصبح الذي لا يسبّ يتكلّم مثلهم تماما، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنّ ممّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت". فالحياء هو مادة المسلم الأولى، "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت إن ذهبت أخلاقهم هم ذهبوا"، فالشاب أو الشابة إذا ذهب حياءه يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه، فالكلام السيئ يجر بعضه البعض وتساهل الإنسان في الكلمة يدفعه للتساهل في أمور أخرى أخطر، فالكلمة إذا ملكتها ملكت نفسك وإذا لم تملكها ملكتك هي، وأضاف الشيخ أنّ الشاب يتكلم إذا كان الكلام نافعا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت"، وفي حديث آخر "من صمت نجا"، فالكلام الطيب يجعل صاحبه طيب ومحبوب، وأكّد الشيخ أن الفرد الذي يحسن اختيار ألفاظه هو من المقربين لله قال الرسول صلى الله عيه وسلم"من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". كما أشار المتحدث إلى أنّ الكلمة الخبيثة تفتح أبواب الشر والفتن، فكم من حروب كانت بدايتها وسببها كلمة، وأضاف الشيخ أنّ التعاون بين أصحاب الحكمة والمعرفة أمر لابد منه لنشر ثقافة الاحترام والكلام الطيب بين الناس فيصبح الصغير يحترم الكبير والعكس، من هنا تتولد الألفاظ الطيبة ويصبح الفرد ينتقي منها ما هو أجمل وأطيب للحديث مع الناس مثلما يختار من المائدة ما هو أشهى وألذ، هكذا هو الحال بالنسبة للكلمة. في نظر القانون: "السبّ العلني جنحة يعاقب عليها القانون" أكّد المحامي وزناجي نوردين للحياة العربية، أنّ سبب استفحال الظاهرة هو الانحطاط الأخلاقي بالدرجة الأولى، أما من الناحية القانونية فيقصد بالسب في معناه اللغوي الشتم سواء كان بإطلاق اللفظ الدال عليه أو المعارض التي تدل عليه، أما اصطلاحا فهو خدش شرف شخص عمدا دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة إليه. أما السب في معناها القانوني في المادة 297 من قانون العقوبات كما يلي "يعدّ سبا كل تعبير مشين أو عبارة تتضمن تحقيرا أو قذفا لا ينطوي على إسناد واقعة "، هذا وتتضح من هنا العلاقة بين جريمتي السبّ والقذف في كون كلّ منهما تمثل اعتداء على شرف واعتبار الأشخاص غير أنّهما تختلفان حيث أنّ جريمة القذف يشترط فيها تحديد وتعيين الواقعة، أمّا جريمة السب التي لا يشترط فيها ذلك وبالتالي فإنّ على القاضي أن يبحث أولا في العنصر المشترك بينهما والذي يتمثل في ما إذا كانت العبارة تمس بالشرف والاعتبار ثم بعد ذلك يبحث عن الاختلاف الجوهري الموجود بينهما حتى يتمكن من معرفة ما إذا كانت الجريمة تعدّ قذفا أم سبا وذلك بحسب ما إذا كانت الواقعة محددة ومعينة أم لا. وأشار المحامي أن القانون الجزائري ميز بين جريمتي السب العلني والسب غير العلني فاعتبر السب العلني جنحة على الرغم من عدم النص عليه صراحة في المادة 297 إلا أنه يمكن فهم ذلك ضمنيا عند ذكره تحقق جريمة السب غير العلني صراحة في نص مادة تحت عنوان "المخالفات المتعلقة بالأشخاص"، وأشار المتحدّث أنّ لجريمة السب ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي، يتحقق الركن المادي لجريمة السبّ بإسناد صفة أو عيب أو لفظ مشين إلى شخص محدّد وذلك علانية، وعبارة السبّ الأكثر عنفا هي تلك التي تتضمن التحقير والقدف نظرا لما تحتويه من اعتداء وكلام بذيء، والتعبير المشين. وأكد الحامي أن تقدير عبارة السب يرجع إلى القاضي باعتماده على الظروف المكانية والزمانية وذلك راجع إلى أن العبارة قد تعد سبا في مكان معين أو منطقة معينة ولا تكون كذلك في مكان آخر أو منطقة أخرى، ويستوي الأمر بالنسبة للزمان فقد يكون الكلام الذي كان يعتبر بذيئا في وقت مضى قد أصبح مألوفا في الوقت الحاضر، وأضاف الأستاذ إلى هذا يجب أن تكون عبارات السب والشتم محددة حتى يمكن القول بتحقق جريمة السب كم يجب أن تحدد هذه العبارات في الحكم القاضي بالإدانة. صفحة على الفايسبوك:"معا ضدّ الكلام البذيء والفاحش في الشارع" أصبح الفايسبوك أقوى تأثيرا على الأشخاص نظرا لشعبيته وكثرة مرتاديه، ولهذا ارتأت مجموعة من الشباب إلى تخصيص صفحة تحت عنوان"معا ضدّ الكلام البذيء والفاحش في الشارع الجزائري" حيث يرى أصحابها "أنّ الظاهرة استفحلت في المجتمع وفي الشارع حتى أصبحنا نسمعها في المحلات والمقاهي والمدراس والجامعات والأسواق وفي بعض البيوت والعياذ بالله، وأدهى منها وأمر وأعظم وأخطر وأكبر جرما سب الدين وسب الله وهو كفر بواح والعياذ بالله ولهذه الظواهر أسباب كثيرة منها ضعف الوازع الديني والتربية الإيمانية وتقصير الأهل في التربية وتقصير المعلم والأستاذ وإمام المسجد بل أحيانا كثيرة يكون هو قدوة سيئة، قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسكوت السّلطات عن مثل هذه المنكرات فإنّ الله يزع بالسّلطان ما لا يزع بالقران أصلح الله البلاد والعباد". هاته محاولة ولو بسيطة من شباب واع لمدى خطورة هاته الظاهرة وتداعياتها السلبية على الأسرة والمجتمع، ولو فكّر الجميع هكذا تفكير لاستطعنا التقليل كي لا نقول الحدّ من الظاهرة.