إطلالة صغيرة على نافذة فنان كبير.. وهو يمر بفرشاته على بصمات الحياة فيحيلها لحظات تأمل تستحق حدقاتنا من أزقة معسكر المخضبة بالفن والإبداع.. يجوب الفنان محمد سحنين بالزائر المتذوق في الدلالات والإيحاءات والقيم الجمالية والتعبيرية لتلك الخطوط فيجعله أكثر قرباً من اللوحة وأكثر قدرة على الدخول إلى عوالمها. حيث تبدو الزهور أكثر جمالاً وفتنة عندما نؤطرها بالخطوط اللينة بينما تبدو الصخور أكثر صلابة وقسوة وشدة عندما نحيطها بالخطوط المنكسرة. والمشاهد الذوّاق هو الذي يحاول التحاور مع مفردات لوحة سحنين وعناصرها ويلاحظ مدى الانسجام والتوافق بين خطوطها وأشكالها وألوانها وموضوعها -ليصل إلى حالة من حالات النشوة والانبهار. الفنان التشكيلي محمد سحنين من مواليد معسكر25/10/1982، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمعسكر ثم التحق بعدها مباشرة بالمدرسة الجهوية للفنون الجميلة بالباهية وهران. درس خلال مدة ثلاثة سنوات بالجذع المشترك الذي يمس ممارسة ومعرفة كل الاختصاصات الفنية. دراسة الخط العربي، الزخرفة، الهندسة الداخلية، النحت، الفنون الدعائية والأشهارية، الفنون التطبيقية، المنظور، الخزف، الرسم الزيتي، الدراسات الوثائقية المرسومة، الرسم الفحمي والرصاصي. مباشرة بعد حصوله عن شهادة الباكلوريا الفنية انتقل إلى الجزائر العاصمة لتحضير الشهادة الوطنية للفنون الجميلة التي نالها بامتياز، اختار بعدها تسجيل نفسه باختصاص الرسم الزيتي بالدراسات العليا للفنون الجميلة لمدة خمسة سنوات أخرى وهو الآن على قدم وساق في أعداد مناقشة أطروحة التخرج هذه الأيام. سحنين محمد من الفنانين الشباب الواعدين الذي له القدرة والقوة بمهارات وأساليب مختلفة واختلاف التجارب التي قام بها في عدة ورشات حرة خارج المدارس تحت إشراف فنانين كبار من مختلف الدول الأوروبية التي لتجاربها وفنونها علاقة بالموروث الثقافي العربي الإسلامي وخاصة منها ايطاليا واسبانيا في فنون التصوير والحفر والطباعة. ومن الأساتذة الإيطاليين قام سحنين محمد بعدة معارض وطنية وأخرى دولية، مشاركات في عدة ورشات فنية بربوع البلاد في معظم الولايات، احتك خلالها بالقدرات الأخرى الموازية في نفس الفنون، تأثر بها وأثر، وآخرها ورشة الريشات الثلاث الفنية الموسيقية، الشعرية والتشكيلية التي نظمتها فراشة الشعراء الدكتورة ربيعة جلطي وكان له مع الشاعرة فوزية لرادي مجموعة من الأعمال المشتركة، بين شعر ورسم، الصائفة الماضية، من جملة ما قام به كم ثنائي من فنانين شعراء، موسيقيين وتشكيليين بأعمال مشتركة، موسيقى وشعر، شعر وفن تشكيلي، فن تشكيلي وموسيقى، صائفة 2006 بلبج تيبازة مدة عشرة أيام. أملنا كبير وطمعنا أكبر في أن تعرف كيف تحتفظ الجزائر بهذه الكفاءات قبل أن تتسرب وتضيع منا ويستفيد بها الآخر، ونحن أحوج الناس إليها بعد أن استوت وهي على أبواب الرحيل... طلبا للعيش الكريم وحياة أفضل مما نحن عليه الآن... وللضرورة أحكام... ...انصهار في بوتقة الإنسان المبدع الخلاّق يوظف سحنين الخطوط والفراغات المحيطة بها ليخلق منها أشكالاً هندسية أو نباتية أو حيوانية أو آدمية أو طبيعية أو تجريدية أو مزيجاً من بعض هذا وذاك، أو من كل هذا وذاك. ليصل بالنتيجة إلى مجموعة من التكوينات المعمارية والبنائية الموزعة في أرجاء اللوحة وكل فنان تشكيلي مهما كان انتماؤه المدرسي يحاول جاهداً المحافظة على التوازن في توزيع هذه التكوينات المعمارية والبنائية في أرجاء اللوحة. فلا تكون كثيفة جداً في زاوية من زوايا اللوحة، بينما تخلو بقية أرجاء اللوحة منها. ولا يبعثرها في أرجاء اللوحة كيفما اتفق. بل يحاول أيضاً الربط بين هذه التكوينات المعمارية بشكل فني ومدروس لتبدو لعين المشاهد كتلة واحدة يشد بعضها بعضاً. كما يحاول أن يخلق من هذا التوزيع نوعاً من أنواع الإيقاع الحركي الذي يأسر عين المشاهد ويجعلها تنتقل من شكل لآخر بلهفة وشوق ونشوة. دون أن يتطرق إليها السأم والملل. مبتعداً ما أمكن عن التناظر والتماثل. الذي يفقد العمل الفني بهجته وسحره. المتذوق المتابع لتطوّر الفنون الجميلة عبر مسيرتها الطويلة وما طرأ عليها من إضافات وإبداعات، وقفزات يستطيع بحسّه السليم وعينه المدرّبة، إدراك المضامين الجمالية والتعبيرية والفكرية التي حاول الفنان محمد سحنين تجسيدها في اللوحة وارتشافها وتذوّقها. ... لوحات سكب فيها روحه وعواطفه ألواناً لوحاته الفنية التشكيلية هي مساحة مسطحة رسمت فيها يد الفنان خطوطاً وأشكالاً وسكبت فيها روحه وعواطفه ألواناً وضمنّها عقله قيماً وأفكاراً وأهدافاً. تحدث سحنين مع المتذوقين بلغة العيون والأبصار. مترجمة لهم أحاسيس الفنان ومشاعره ورؤاه في فترة زمنية معينة. فهي نتاج عمل عقلي وعاطفي مشترك ومتماسك. كل منهما محرّض للآخر ومكمل له في حركة كروية دؤوبة. فهي ليست نتاج عمل عاطفي بحت، ولا نتاج عمل عقلاني بحت.. لأن الفن عصارة عمل حضاري. والحضارة لا تقوم بالعاطفة وحدها، ولا بالعقل وحده. بل هي نتاج انصهار الإثنين معاً في بوتقة الإنسان المبدع الخلاّق. لكل لوحة نسبها وأبعادها وشكلها الخارجي العام. فمنها المستطيلة والمربعة والمستديرة، ومنها الكبيرة والصغيرة، ولكل شكل من هذه الأشكال الموضوع الذي يناسبه ويتلاءم معه. فاللوحات التي تعبّر عن الطبيعة الخلوية البحرية تختلف نسبها وأبعادها عن اللوحات التي تمثل الطبيعة الصامتة أو تلك التي تعبّر عن الصور الشخصية (البورتريه) أو تلك التي تعبّر عن الملاحم والبطولة. وكلما استشعر المتذوق الانسجام التام والتوافق بين المفردات والصيغ المرسومة داخل هذا الفراغ والمساحة الإجمالية لهذا الفراغ، شعر بالمتعة والألفة لما يشاهد. والعكس صحيح، وهذا يتطلب التدريب المستمر للعين باعتبارها الحاسّة التي نرتشف بواسطتها الملامح الجمالية للأشكال المرئية. سعياً للارتقاء بعملية التذوق، يستطيع المشاهد الذوّاق أن يحكم من النظرة الأولى على أثاث غرفة بأنه غير منسجم مع مساحة هذه الغرفة وفراغها رغم فخامة هذا الأثاث وجماله- في حين ينبهر مشاهد آخر بفخامة هذا الأثاث وجماله دون أن يفطن إلى عدم انسجامه مع مساحة الغرفة وفراغها لافتقار هذا المشاهد إلى العين المدرّبة وحس التذوق العام. تلك الأفكار والرؤى والعواطف التي تحاصر الفنان سحنين وتعشش في مخيلته ودخيلته زمناً. حتى تضطره لتفريغها وسكبها على سطح اللوحة الفنية. محاولاً التعبير عنها بوساطة عناصر الشكل التي تقدم ذكرها. وهي نتاج لثقافة الفنان وعقائده وعاداته وتقاليده ورؤاه في الحياة والمجتمع والطبيعة. فقد يكون مضمون اللوحة محاولة للتعبير عن المرأة أو الحب أو السلام أو الحرب، أو الجمال أو الطبيعة، ويمكننا القول: إن الأفكار والرؤى والعواطف التي يسعى الفنانون للتعبير عنها وتجسيدها لا حصر لها.