تعاني العاصمة من انتشار المتسولين من كافة الفئات العمرية وخاصة النساء والأطفال. وتزايدت أعدادهم بشكل كبير وملحوظ خلال هذه الاسابيع مع موجة البرد والتقلبات الجوية وبشكل مقلق لكافة السكان، حيث يتردد المتسولون على المنازل وينتشرون في الشوارع مصطحبين معهم الاطفال الرضع. ووصل الأمر بالمتسولين الى اقتحام المنازل لطلب المساعدة مدّعين الانتماء لعدد من الجنسيات وعندما يتم الطلب منهم اثبات الهوية يلوذون بالفرار، مشكّلين إزعاجا وقلقا كبيرا للمواطنين. لطيفة مروان يتخوف العاصميون من تفاقم الظاهرة، مطالبين الجهات الرسمية بوضع حد لها بعدما أصبحت تشكل ظاهرة غير حضارية وأخلاقية. "الحياة العربية" وقفت عند خطورة الظاهرة وراحت تستقصي عن حقيقة ودوافع امتهان "الحرفة" التي يستنكرها كل الناس. وفي هذا الصدد، قمنا بجولة بأحياء العاصمة، حيث انه وبمجرد دخول سوق ميسوني لفتت انتباهنا إحدى النساء المتسولات تردد الفاظا تدغدغ المشاعر من أجل كسب شفقة وعطف المارة للحصول على بعض الإعانات والمساعدات المالية، فحاولنا الاقتراب منها وبنبرات حديثها الحزينة التي تعكس الظروف المعيشية الصعبة والمعاناة المتواصلة التي تتخبط فيها تاركة وراءها تأثيرا كبيرا في أنفسنا وبحكم ما قالته "أنها كانت تنعم بكل الخيرات، واليوم هي متسولة في الأسواق والأزقة لا تملك قوت يومها بعد وفاة زوجها، حيث انقلبت كل الامور رأسا على عقب. المتسوّلة فتحية أكدت من جهتها بأن ظروفها هي الدافع الرئيسي لطلب المساعدة من الغرباء بعد ان قست قلوب الأقارب، وأما فيما يخص التكاليف المعيشية فقد أكدت أنها تعيش وتعيل ابنائها من إعانات أهل الخير -على حد تعبيرها-. أما هدى فهي لا تتكلم كثيرا، كل ما تفعله هو المراقبة بحسرة. وأوضحت انها لم تكن يوما من المتسولين، فهي"تعمل" فقط لترعى اشقاءها، وخوفاً عليهم.." لكن التسوّل اخذ اتجاها آخر، فبعدما كان طريقة لإعالة أسر معوزة، أصبح سبيلا لكسب أموال طائلة بطريقة سهلة، فلا نكاد نمر بحي من أحياء العاصمة، إلا ونلمح في أركانه عددا من المتسولين بثيابهم الرثة وعادة ما ترفق جلساتهم أمام أبواب المساجد وعلى حافة الطرقات بوصفات طبية كدليل على المرض بهدف الحصول على المزيد من المال. وفي الكثير من الأحيان يحدث شجار بين هؤلاء المتسولين أثناء التسابق على الأماكن الإستراتيجية لممارسة التسول، على ابواب المساجد ومحلات الاكل السريع، فضلا عن مواقف الحافلات على غرار موقف الحافلات الجامعية، فقد أصبح منذ ما يقارب الستة أشهر موقفا استراتيجيا لأحد المتسولين قبل أن يتم طرده بعد تذمر الطلبة من سلوكاته. وحسب شهادة الطلبة فإن هذا المتسول يقارب الستين من عمره ويبدو في صحة جيدة مع إظهاره بعض السذاجة المزيفة لإثارة شفقة الناس. وكان المتسول يستخدم كل الطرق للوصول إلى جيوبهم، ومن أهمها الدعاء بالخير، لكن إذا ما رفض أحدهم منحه ما يريده من النقود تحول دعاء الخير إلى أدعية بالشر والشتم والتهديد بأن الله سينزل عليه أشد العقوبات من مرض وفقر. وفي هذا الصدد اكد، قبيلي فريد أستاذ في علم اجتماع بجامعة الجزائر ان التسول ظاهرة قديمة قدم التاريخ. اختلفت أسبابه باختلاف الأماكن والأزمنة ونظم الحكم المختلفة عبر العصور. وكظاهرة اجتماعية نراه ينتشر فى كل المجتمعات والدول. اتخذ من الأساليب والحيل ما حيرت العلماء والباحثين فى فهمه، ومعرفة كيفية ابتداع المتسولون لطرق وأدوات جديدة كل يوم وليلة. ولو رجعنا إلى ديننا الحنيف لوجدنا أنه قد عالج هذه الظاهرة فى منبتها وجذورها. فكم من الأحاديث النبوية والآَيات القرآَنية التى نهت عنه وحذرت منه، وحثت الناس على العمل. ولعل الأوامر النبوية الداعية للعمل والتعفف عن سؤال الناس، والمحرضة على إخراج الزكاة وإنفاقها على مستحقيها، كلها أمور تحارب ظاهرة التسول فى منبعها وتحاصرها. غير أن ابتعاد الناس عن الدين الحنيف، واستسهال الكسب السريع، وانتشار الفقر بصورة غير مسبوقة، زاد من أعداد المتسولين فى الشوارع والطرقات وعلى أبواب المنازل بصورة كبيرة. فالتسول أصبح عرضًا لمرض يشل أعضاء الوطن، تقرأه فى أطفال الشوارع ووجوه المرضى، وفى الجريمة وفى كل الأمراض الاجتماعية التى تنهش تلك الأعضاء وتفتتها. لهذا، نجد أنه من غير المعقول محاربة المتسولين، عبر القبض عليهم وإلقائهم فى السجون. بل لا بد من خلق مشروعات اقتصادية توفر لهم فرص العمل، بعد إعادة تأهيلهم، وضمان تحديد الظاهرة وعدم استفحالها مستقبلاً.