مع حلول شهر رمضان المعظم تعرف مدينة البويرة هذه الأيام تناميا كبيرا في عدد المتسولين، بينهم رجال ونساء وحتى أطفال يترصدون يوميا المارة باستعمال كلمات تستعطف القلوب، إما باستعمال الأطفال او لافتات كتب عليها عبارة "انا مريض" او "انا رب عائلة" ومعاق وغيره، بغية التحرش بجيوب المواطنين للحصول على دنانير معدودات . أخذ التسول هذه الأيام اتجاها آخر بالبويرة، فبعدما كان طريقة لإعالة اسر معوزة، أصبح سبيلا لكسب أموال بطريقة سهلة، فلا نكاد نمر بحي من احياء المدينة، إلا ونلمح في أركانه عددا من المتسولين، بثيابهم الرثة وعادة ما ترفق جلساتهم أمام أبواب المساجد وعلى حافة الطرق بوصفات طبية كدليل على المرض بهدف الحصول على المزيد من المال. وفي الكثير من الأحيان يحدث شجار بين هؤلاء المتسولين سببه الرئيسي هو التسابق الى الأماكن الإستراتيجية لممارسة التسول، وغالبا ما تكون هذه الأماكن التي تعود بالفائدة عليهم معروفة بينهم، خاصة أيام الأسواق الأسبوعية وأسواق الجملة إلى جانب أيام الجمعة. ويختار المتسولون الجلوس أمام المساجد التي يكثر فيها المصلون. والاخطر في هذه الظاهرة انه عادة ما يكون المتسول وعلى وجه التحديد المتسولة مرفوقين بطفل او طفلين، ومنهم من يقول ان هؤلاء الاطفال مستأجرون بحجم ساعي من أوليائهم بمقابل مادي. الظاهرة التي أضحت اليوم تشوه الوجه العام للمدينة فسرها البعض بالعادية خاصة وأننا على بعد أيام قليلة من حلول الشهر المعظم. وفي هذا الصدد، قال مواطن: «لم يكن أمامي من خيار سوى أن أفتش في جيوبي الخاوية عن بعض القطع النقدية ومدها لسيدة تحمل بين يديها طفلا رضيعا تسألني صدقة لتشتري بها -كما قالت- الدواء لزوجها الذي يعاني مرضا خبيثا، أعطيتها قطعتين لم أذكر قيمتهما وفررت تفاديا للإحراج، ذاك أن بعض المتسولين باتوا يحتقرونك بنظرات مستهزئة إذا لم تمنحهم صدقة معتبرة»، ويضيف عن البعد الذي أخذته ظاهرة التسول في البويرة، حيث صارت الممارسة عادية بعض الشيء، لكنها مع بداية رمضان من كل عام تصير جد مقلقة، حيث ينتشر المتسولون في فضاءات بشكل كبير وملفت للانتباه، والأمر يبرز عبر سائر المناطق الحضرية والقروية للولاية. ويصطدم المتجول بأعداد هائلة من المتسولين الذين ينتشرون في كل مكان، في الشوارع الرئيسية والأزقة، في الحدائق والساحات العمومية، عند إشارات المرور وفي مفترقات الطرق، وبوسط طريق المدينة عند ازدحام السيارات، في الأسواق الشعبية والمقاهي، في مواقف السيارات ومحطات المسافرين، وحتى أمام مراكز البريد والبنوك، وعند أبواب المساجد والمقابر. في كل هذه الأماكن، يستوقفك متسولون من الجنسين، ومن مختلف الفئات العمرية، أطفال، نساء، رجال، شيوخ وعجائز، وحتى الفتيات الشابات أصبحن يمتهن هذه المهنة بكثرة، والعديد منهن يعملن بالتنسيق مع شباب منحرفين يضمنون لهن الحماية نظير مقابلا ماديا أو جنسيا. وعموما فإن الظاهرة استفحلت بشكل لافت للانتباه في مدينة البويرة وباقي المناطق المجاورة عشية الشهر الفضيل، وفاقت كل الحدود بحسب جنس المتسول، فبعدما كانت في وقت سابق مقتصرة على النساء والأطفال دون الرجال، أصبحت اليوم هذه الفئة أيضا أكثر ممارسة لهذا النشاط حيث يغتنمون فترة شهر الرحمة الذي يكثر فيه معظم المواطنين من العبادات بكل أنواعها بما فيها الصدقة ويزداد التسول استفحالا خلال هذا الشهر الفضيل بكافة المدن الكبرى تلمسا للصدقة، إذ ما أن تأخذ مكانك على الحافلة حتى يصعد المتسولون أفواجا تختلف أعمارهم، نساء يدعون أنهم يعولون أطفالا يتامى، ورجال يستعطفون الناس بإبراز عاهاتهم، أو مرددين لازمة "صدقة الله يرحم الوالدين ". إنّ ما يشد الانتباه هو تمركز المتسولين في رمضان أمام أبواب المساجد التي تكتظ في هذا الشهر بالمصلين، منذ صلاة الفجر وإلى نهاية صلاة التراويح. ويعتبر مسجد النور الأكثر استقطابا للمتسولين باعتباره من أكبر المساجد وكذا مساجد مجاورة في قلب المدينة، حيث يتوافد عليها عدد هائل من المصلين من مختلف أحياء المنطقة. وإلى جانب ذلك، يستهدف المتسولون، أيضا، الأسواق الشعبية لكونها الأماكن التي يكثر عليها إقبال وتوافد المواطنين فكلما حل شهر رمضان، إلا وتجد أبواب المساجد ومداخل الأسواق الشعبية والمستشفيات "محجوزة" من طرف أشخاص متسولون، وهناك من بات يكتري مكانه لمتسول آخر إذا تغيب. ولا يكاد يخلو أي مكان منهم، حتى أصبح البعض يعتبره مصدرا للرزق الوافر، حيث تلين القلوب وتكون أكثر سخاء من الأشهر الأخرى، وبعباراتهم التي تهز القلوب وبهندامهم الرث وأحيانا بأطفالهم الرضع اللذين يحملونهم، يكون المواطن مجبرا أحيانا على التصدق بعد وابل من الأدعية وعبارات الاستعطاف والترجي، فالتسول يلجأ إليه البعض لمن لا معيل له، خاصة في الشهر الكريم حيث لا يجد الشخص ما يقدمه لعائلته وأولاده، فيلجأ إلى "الطلبة" لإعالة عائلته. ممارسة موصولة بارتفاع الأسعار والفقر متسولو مدينة البويرة قدموا من مختلف مناطق التراب الوطني باتوا أكثر حذرا من الصحافة، بحيث يصعب أخذ تصريح منهم إذا ما تعرفوا على هويتك الصحفية، لكننا ملنا إلى حيلة لطرح أسئلة على عدد من المتسولين لمعرفة الأسباب التي دعتهم إلى احتراف التسول خلال هذا الشهر، فأجمعت الآراء على التأكيد على أن الفقر يبقى أهم الأسباب التي تدفع إلى امتهان التسول. ولكونهم يعجزون خلال هذا الشهر، على تلبية حاجيات العائلة من متطلبات مختلف المواد الغذائية، صرح البعض منهم أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها هي التي جعلتهم يتسولون، خصوصا في ظل تردي الوضع المعيشي والارتفاع الفاحش لأسعار المواد الغذائية خلال هذا الشهر، حيث يعجز المواطن، حسبهم، عن اقتناء أبسط حاجياته، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه. السلام اقتربت من احدى المتسولات كانت تقبع بمسجد الألمانية وصرحت لنا انها متسولة في الأربعينيات من العمر: وهي أرملة، وأم لست بنات وولدين، أنها فقيرة، ولا تجد خيارا آخرا غير التسول للحصول على المال والإنفاق على أبنائها وبناتها حيث أعجزت عن اقتناء أبسط المواد الغذائية المسؤولية في غياب معيل للأسرة، وتعرضهم لسوء المعاملة في الوسط العائلي. كما كشفت التصريحات التي استقيناها أن تزايد أعداد المتسولين يعود إلى المتسولين الموسميين الذين تعودوا التسول في شهر رمضان وفي باقي المناسبات الدينية الأخرى. وبين الحاجة والاحتيال تبقى هذه الشريحة عرضة للاهانة وسوء المعاملة.