* لعبيدي تبحث رد الاعتبار لمهرجان وهران للفيلم العربي * قاعات العرض المغلقة وضعف الصناعة السينمائية عرقلت تطور الفن السابع رغم هيمنة وسائل الإعلام وقنواتها المختلفة على أسلوب الحياة المعاصرة، مازالت السينما تملك سحرها الخاص، وفاعليتها وتأثيراتها على قنوات التلقي، وبالعودة إلى السينما الجزائرية فنجد أنها رغم قلتها استطاعت أن توجد لها مكانة في المحافل السينمائية الدولية من خلال أفلام "وقائع سنين الجمر" للخضر حامينا الذي نال السعفة الذهبية بمهرجان كان بفرنسا 1975. وتظل هذه الأفلام بعيدة عن المشاهد الجزائري الذي وجدت من أجله، و بالنظر لهذه الأهمية التي تشكلها السينما. حاورته : نسرين أحمد زواوي ولمعرفة واقع السينما الجزائرية، تقربت "الحياة العربية" من الناقد السينمائي الجزائري أحمد بجاوي، وكان لها معه هذا الحوار الذي تطرق فيه إلى العديد من المواضيع المرتبطة بالسينما الجزائرية. بداية، نوّد أن تطلعنا عن واقع الراهن للسينما الجزائرية؟ السينما الجزائرية شانها شأن باقي السينما في العالم، إن الحديث عن واقعها يقود للحديث عن صناعة السينما في الجزائر، هناك جوانب مهمّة تساعد على تطور هذا الفن في الجزائر يتقدّمها الجانب الإبداعي الذي يحتوي على مؤهلات وكفاءات بشرية قادرة على صنع الفارق في صنع أو إخراج أي فيلم في شكل لائق على جميع الأصعدة. إلى جانب القدرات الإبداعية التي يتمتع بها شباب اليوم، وحسب ما أعتقد أنها أحسن من تلك التي كانت لدى شباب السبعينيات والثمانينيات، رغم كل الأقوال التي أثيرت حولها من طرف البعض، ولكن بين هذا وذاك تنقصنا صناعة حقيقية للسينما بالإضافة إلى السيناريو، والإمكانيات المادية التي تلعب هي الأخرى دورا كبيرا في صناعتها مثل الهياكل، التجهيزات الاستوديوهات، القاعات السينمائية للجمهور، فأنا أعتبر أن الشرط الأساسي هو وفرة القاعات ووجود الجمهور الذي يعتبر المؤهل الوحيد لكتّاب السيناريو لإنتاج مواضيع مميزة وقابلة لأن تكون فيلما سينمائيا. هل تعني أن ترهل السينما الجزائرية يعود إلى "السيناريو"؟ إلى حد كبير نعم، إن الضعف الأساسي للسينما الجزائرية هو كتابة السيناريو الذي غالبا ما يكون سطحي، و لجان القراءة المختصون على مستوى مراكز استقبال الأعمال غالبا ما تقدم تقرير تأكد هذا الكلام، فبذلك يمكن اعتبار هذا من أكثر المشاكل التي تؤرق الإنتاج السينمائي الجزائري. بصفتك خبير في هذا المجال، ما هي الاقتراحات التي تراها مناسبة للنهوض بهذا الفن؟ السينما حالها حال باقي الفنون، وحتى ننهض بها يجب أن نهتم بالجمهور ونشجعه على دخول قاعات السينما من خلال تلقينه الثقافة السينمائية، وهذا دور المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات التي يمكن لها أن تساعد في هذا الشأن ، فشخصيا لا أستطيع تصور سينما دون جمهور، ونجاح الفيلم من عدهم هذا يحدده الجمهور، ولهذا فنحن مطالبون بتغير عقليتنا ونتحول من التفكير في البحث عن المهرجانات والمشاركة فيها إلى أمر أهم هو الاهتمام بقاعات سينما تكون قاعات متعددة الخدمات تغير عادات الجمهور وتجعل من السينما مجال للفسحة، دون أن ننسى أيضا التكوين الذي يعد الركيزة الأساسية في فن الإبداع السينمائي. في رأيكم ما هي المواضيع التي يمكن لها أن تعود بالجمهور إلى قاعات السينما؟ كثيرة هي الأعمال التي استقطبت الجمهور وكثيرين هم من السينمائيين الجزائريين الذين كانت لهم خبرة في الخارج وأنتجوا أفلاما قوية يمكن أن نقول بأنها أضافت أشياء كثيرة للسينما الجزائرية، على غرار رشيد بوشارب الذي نجد فيه القدرة على محاورة الجمهور، كذا إلياس سالم في فيلم "مسخرة" الذي أثبتت تجربته أن الجمهور الجزائري بحاجة إلى أفلام خفيفة الظل تمتاز بروح الفكاهة، لأن الجمهور بحاجة إلى من يسمع له و يحاوره و ليس من يفرض عليه حياة لا تمثل واقعه. تألقت السينما الجزائرية بأفلام جسدت الثورة التحريرية، لماذا لم تصنع الأحداث الراهنة ما صنعته الثورة التحريرية ؟ إن الثورة الجزائرية تعد من أهم الثورات التي شهدها القرن الماضي، بدايتها وانطلاقتها أدخلت الشك في نفوس الشعب، ولكن بعد سبع سنوات أصبحت الثورة معروفة على الصعيد العالمي، وكان للسينما بمجمل ما تناولته من أحداث في أفلامها دورا كبيرا في التعريف بها، لا سيما السينما الثورية في الجبال التي ساهمت في إبراز كفاح الشعب الجزائري واستماتته ضد العدو، فمن المستحيل أن تقارن بين ثورة من هذا النوع وهذا الحجم بما يحدث اليوم في الجزائر، أنا أرى أن الثورة الجزائرية و حتى فترة العشرية السوداء ولو بدرجة أقل استطاعتا تحريك الإنتاج السينمائي العربي وبالخصوص الجزائري لأنها ثورة تحرر الشعوب من النظرة الإستعمارية. كيف تقرأ دعوة المختصين في مجال التاريخ السينمائيون لتجسيد أعمال تتناول السير الذاتية لشخصيات صنعت مجد الجزائر؟ هناك مشاريع كثيرة أنتجت بهذا الخصوص، على غرار فيلم كريم بلقاسم الذي عرض مؤخرا بقاعة الموقار للإعلاميين و المختصين، في انتظار عرضه للجمهور، كذلك فيلم أحمد زبانة، إلى جانب مجموعة أخرى من الأفلام القصيرة التي تناولت سير مختلفة كالفيلم الوثائقي الذي أنتج حول ابن باديس، والفيلم الطويل عن حياة الشيخ محمد المقراني، كما أن هناك مشاريع أخرى لا تزال قيد الدراسة سيتم الإعلان عليها في وقتها، لكن تجسد بطولات شخصيات يتطلب دراسات و قراءات لا تحتمل التزييف في حقائقها. *إلى أين وصل إنتاج فيلمي العربي بن مهيدي وزيغود يوسف اللذان بقايا حبسا الأدراج لعدة سنوات؟ الكل يعلم أن التأخر في إنتاج هذه الأفلام يعود إلى السيناريوهات، باعتبار أغلب السيناريوهات غير قابلة لإخراجها في شكل فيلم مميز ويرقى إلى ذوق المشاهد، هذا إلى جانب ضعف الميزانية مخصصة لإنجاز مثل هذه الأفلام ، التي لا تكفي مقارنة مع التكليف الباهظة التي يتطلبها الإنتاج ، و هنا أدعو السلطات المعنية بضرورة فتح المجال للخواص من أجل الاستثمار. *هل من جديد حول إنتاج فيلم الأمير عبد القادر؟ لا جديد يذكر بهذا الخصوص، فبعد قرار تجميد إنتاجه الذي كان سيتم تحت إشراف المخرج الأمريكي "شارل بارنات"، لم تقدم الوزارة قرار أخر، ربما يعود للتخوفات التي تطيل إنتاجه و تقديمه وفق رؤية لا تخدم تاريخنا، ففكرة الموضوع تحتاج إلى مخرج جزائري يحمل فكر وروح جزائرية، لهذا السبب تم التراجع عن المخرج الأمريكي شارل بارنات، هذا بالإضافة إلى مشاكل تقنية أخرى تتعلق بغياب الوسائل والإمكانات الضخمة للشروع في إنجازه وكذا افتقارنا إلى مؤسسة سينمائية قوية تنجز هذا العمل. لماذا كل هذا التأخر في موعد الطبعة الثامنة من مهرجان وهران للفيلم العربي؟ يعد مهرجان وهران للفيلم العربي، من أهم المهرجانات على الصعيد العربي و ليس على القطر الجزائري فحسب، لذا فأنا أرى أن هذا التأني في تنظيم هذه التظاهرة يعني أن وزيرة الثقافة و التي هي ابنة هذا المجال تسعى إلى رّد الاعتبار له و تسعى إلى تقديمه بوجه مشرف يليق بمقام السينما الجزائرية. -في ظل هذه الظروف، كيف ترى مستقبل السينما الجزائرية؟ بصراحة رغم كل ما يجوب واقع السينما الجزائرية، فأنا متفائل لأنه عندما ترى أعمال هذا الجيل من الشباب المفعمة بحب العمل و بالبحث و تطلع على تجربة الأخر لاسيما على تجارب الدول المتقدمة فهذا مؤشر إيجابي، لكن تبقى هناك منغصات تقف عائقا أمام تطور الصناعة السينمائية في بلادنا، نذكر في مقدمتها قاعات العرض المغلقة التي لم تفتح إلى غاية الآن كما أشرت سابقا، بالإضافة إلى ضعف الجانب الصناعي والتجاري الخاص بالسينما الجزائرية.