الثورة قتلت أحلام المبدعين السينمائيين الشباب يحل، لأوّل مرة، بالجزائر في إطار فعاليات الطبعة السابعة لمهرجان وهران للفيلم العربي هو المخرج الشاب أحمد فؤاد من مصر، يفتح قلبه في هذ الحوار مع ”الفجر” ويتحدث بكل صراحة عن فيلمه المشارك في منافسة الأفلام القصيرة بعنوان”3 شمعات” وواقع السينما بمصر. كما يجيب على ”هجرة” السينما المصرية إلى مهرجانات الجزائر وبلدان المغرب العربي بعد تأجيل مهرجانات سينمائية بمصر بسبب الثورة. عرضت في اليوم الأخير من منافسة الافلام القصيرة فيلمك الموسوم ب”ثلاث شمعات” حول ما يدور العمل، وما هو مغزى ”ثلاث شمعات”؟ الفيلم يتحدث عن ليلة في حياة ثلاثة أطفال والدهم، يتوفى في سن مبكرة وأمهم مريضة بعلة مزمنة ويتحول بشكل مفاجئ الطفل الأكبر الذي إلى رب أسرة يحمل على عاتقه أعباء البيت، حيث تواجه متحديات كثيرة، أبرزها أن يوفر لأخوية وأمه أبسط مقومات الحياة، ولكن الصعوبات المحيطة به تجعل لا تسمح له بتوفير كل ما يريدونه. هنا يبدأ أخاه الأصغر في التفكير في طريقة لمساعدة أخيه الأكبر، وبالتالي يحلم حلم صغير وهو الذي لا يعرف أنه لا توجد نور ولا كهرباء في المنزل، ما يجعل يراجع دروسه رفقة أخيه الأصغر على شموع موقدة، ولذللك يسعى اكبرهم إلى سبيل لتحقيق حلم أخويه لمراجعة الدروس فقد ابتكر مصدر نارة عن طريق دينامو الدراجة، وهو ما تحول الى اختراع كبير. فالمغزى من هذا الفيلم أنّ الطفل المصري يتصف بالذكاء من خلال طرف التفكير المتعددة التي لديه مثل باقي أطفال ”الغرب”، غير أنّ الظروف والإمكانيات والظروف المناسبة غير متاحة لهسواء كان يسكن في منطقة جبلية أو منعزلة في الريف. وبالتالي إراداته وطاقته تموت لا محالة. وأعتقد أن الطفل المصري اليوم لو نشتغل عليه ونعلمه ونعطيه كامل حقوقه في أساسيات وثانويات الحياة سيكون له شأن كبير، سيكون نابغة في الوطن العربي وفي العالم أجمع في المستقبل إن شاء الله. هل تنطبق هذه الفروقات وهذه المعاناة على الطفل الذي يعيش في المدينة؟ بالتأكيد، الطفل المصري في المدينة أوالريف يعاني ربما نفس المشاكل، ويمكن أن يكون نفس المثال الذي شاهدته في الفيلم هو نفس النموذج الموجود داخل المدينة وداخل الأحياء الراقية، حيث الفكرة هنا ليست مجرد أنّه لا توجد كهرباء ونور، رغم أنه يوجد مكان توصيلها بالمنزل، لكن الكهرباء بالذات لا تصلهم، ولهذا فقضية المراجعة هي ذاتها مشكلة التعليم في مصر باسرها ككل. بالمقابل الطفل المصري ذكي ومبتكر ونحن كشعب نبتكر الحلول الخاصة بنا حتى نحل مشاكلنا وانشغالاتنا، وليس هناك أي أحد يقدم لنا الحلول، فمن حق الطفل العيش بكرامة وفي مستوى راق من خلال توفير أساسيات الحياة التي بها يفرض قدراته وموهبته ويفجر طاقاته في ميادين مختلف. ودائما نقول إنّ هذه الظروف الصعبة والمحيطة بفكره وقفت ضده وضد إخراج فكره. لأنني أؤكد أنّ المصري والعربي بمثابة جوهرة وماسة في جيب عليها تراب ولا أحد ينظر إليها، إنها تحتاج اليوم إلى عوامل مساعدة واهتمام ورعاية لتصقل مواهبها وتنتج منها تحفة فنية إن صحّ التعبير. لك تجارب في الفيلم الوثائقي وتعد ”ثلاث شمعات” أو تجربة إخراج لك في مجال الفيلم القصير، فكيف ترى أنت كمخرج حديث في عالم السينما وضع الفيلم القصير في مصر؟ واقع الفيلم المصري القصير مؤلم جدا، لأنّ كل التمويل الذي تستفيد منه الأفلام القصيرة من الخواص وليس من الدولة. وفي هذا السياق فيلم ”ثلاث شمعات” تم تمويله من مكافأة مالية كنت قد فزت بها في أحد المهرجانات في جائزة أحسن فيلم، وبالمناسبة تقدر جائزة أحسن فيلم في هذا المهرجان بقيمة 50 أو 60 جنيه مصري، أي بما يعادل حوالي 10 دولار، وهذا العمل حينما فاز بهذا المبلغ دفعني إلى إكمال إخراج فيلم ”3 شمعات” على حسابي. وللتنويه ينطبق الوضع عديد الفنانين والسينمائيين وكذا المواهب السينمائية في مصر، فالفيلم القصير لا يجد تمويلا من داخل مصر ومن الخارج فإن الحصول عليه صعب، بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي يعرض فيها بالنظر إلى عدة أسباب، أبرزها قلة ومحدودية عروض الأفلام القصيرة في مصر، وإذا كانت فإنها تقدم بشكل متسرع فتعرض على سبيل المثال عشرة أفلام وراء فيلم بعد فيلم، إلى جانب الحضور الذي لا يزيد عن 15 شخصا داخل القاعة. ناهيك عن الدعم الإعلامي الذي يروج لصناعة الفيلم القصير الغائب تماما. حيث تتكلم الصحافة عن أفلام ولا يتحدث النقاد عنه من أجل أن يتم تحليله للوقوف على الأخطاء والنقائص واماكن الوقة والتميز وغيرها من العناصر التي يجب النظر اليها لمعرفة العيوب وتدارك الأخطاء والهفوات بهدف تطويرها، وأشير فقط إلى أننا نحن كمخرجين من مصر نجد كل التفاصيل المهمة في مهرجانات عربية وأجنبية من خلال مشاركتنا بها، وبالتالي من يحالفه الحظ وينتج فيلم قصير فإنّه حتما يشارك به في مهرجانات بالخارج غير بلده ليتعلم النقد ويحتك بتجارب مخرجين آخرين عرب وأجانب معا، قد تساعده في إنتاج أفلام مقبلة. تقصد من كلامك أنّه لا توجد مهرجانات سينمائية مخصصة للفيلم القصير بل للفيلم الروائي الطويل؟ لا، هناك بعض المهرجانات الخاصة بالأعمال القصيرة والوثائقية، لكن أتحدث عن العدد فالموجود قليل وغير كافي ولا يعتبر مؤشرا لتطويرها، حيث يغيب تسليط الضوء على الأفلام المصرية القصيرة، ومثال ذلك أنّ في كل مهرجان عالمي يقدم خلاله نقدا للأعمال حتى تراجع ما أخطأت فيه وما مدى تميزها لينطلق المخرج بصنع فيلمه على الطريقة الصحيحة، إما أن يستمر ويصبح فنان مبدع أو يصحح أخطاءه ويصبح فنانا يقدم شيء جيد أو يبتعد تمام وبشكل نهائي عن السينما. وحسب منظوري هذا هو التقييم الحقيقي في المهرجانات، بينما في الفعاليات السينمائية المصرية فهناك عرض للأفلام القصيرة دون تسليط الإعلام الضوء عليها نظرا لانعدام التسويق للمنتجات السينمائية، كما يغيب إقبال تلفزيوني لعرضها في التلفزيون المصري أو القنوات الخاصة. ألا تعتقد أنّ الإشهار لها عبر القنوات الفضائية والتلفزيونية المحلية عامل آخر يحد من انتشار الفيلم القصير في مصر وفي العالم العربي. بطبيعة الحال تنعدم عدة معطيات وظروف داخلية تساعده على الانتشار محليا أو على المستوى العربي، فيما يحظى باهتمام واسع من طرف المهرجانات الخارجية، وبالتالي يطرح سؤال، لماذا لا يوجد تسويق سينمائي في مصر؟ بعيدا عن معوقات السينما، هل أثرت ثورة ال25 جانفي، على الإبداع السينمائي بمصر أم أنّها فتحت له الأبواب؟ قبل الثورة كانت عندنا مشاكل في اقتحام المجال الفني والسينمائي تتعلق أساسابالذين يتحكمون في شؤون السينما المصرية وفاعلين في مختلف زواياها وبعد ثورة 25 يناير، توقعنا أننا نحن كمبدعين جدد سنكون الجيل القادم للسينما المصرية، ولكن الظروف التي مررنا بها السنة الماضية، وهذا ما جعل السينما المصرية في الحضيض بعد عدم وجود إنتاج سينمائي بسب ما حدث لأكثر من سنة، حيث تدمرت صناعتها تماما ولم توجد خطط انتاج سينمائية، وفي هذه الفترة بالتحديد لم يكن فيه أي إنتاج مصري في السينما، عدا القلة القليلة منها اقتصرت على صناعة الأفلام الطويلة ولهذا السبب فرصتنا كنات قليلة بالحضور والتواجد بات ضئيلا بصفة اكبر من قبل ثورة 25 يناير، باعتبار لا وجود لأيّ خطة انتاجية مقبلة ومستقبلية وبالتالي لم يبق حلم لتقديم شيء سينمائي للجمهور المصري أو حتى أن يكون لك الحظ في كتابة سيناريوأو عمل شيء آخر. ولهذا يميل البعض إلى دخول التجربة الطويلة في الأفلام الروائية. أمّا النقطة الثانية تخص دور العرض التي تم غلها نتيجة الثورة وما يحدث الى اليوم وهذا ما ساهم في تقليص حظوظنا في البروز على الساحة المصرية. وقرارنا بعد الثورة اقتحام الانتاج السينمائي بقوة، ونكون نحن الجيل القادم للفن السابع المصري لكن كل هذه الآمال انتهت بالنسبة لنا، وقضي عليها وهي في المهد وبات تحقيها أصعب من قبل 25 جانفي 2011. الملاحظ على السينما المصرية والعربية أنّ المخرج تجده هو كاتب السيناريو والمنتج والممثل في رأيك لماذا هذا الاحتكار الممارس في صناعة الأفلام سواء القصيرة أو الطويلة. وهل هو راجع اصرار المخرجين على إنتاج العمل لوحدهم دون إشراك الآخرين والظفر بالغنيمة أم غياب كتاب سيناريو؟ أجيبك بكل صراحة فحسب تجربة لي من قبل هذا الفيلم في الكتابة والإخراج، حيث كنت أنا المصور والمخرج والمنتج في نفس الفيلم، والسبب يعود إلى انعدام التمويل والدعم الماي لإنجاز الفيلم والتكفل بكل مصاريف الطاقم، ولذلك لو كان لي المال الكافي لوظفت مخرج وكاتب سيناريو، وكل واحد في وظيفته ونعمل سويا، وسيكون العمل أفضل بالنظر أنّ المنتوج يسير وفق أهل الاختصاص. ورغم أنني يمكنني إتقان كتابة السيناريو لكن لا يعني أني أحسن من المختص في كتابته أو لا أتعامل معه بتعبير مغاير، إذ أحتكر كتاباتي لنفسي، فهذا من وجهة نظري خاطئ، والسبب الرئيسي هو غياب التمويل فقط. تكلمتم عن ثورة يناير وتناولتم مستقبل السينما ورهانها مع مرور الوقت، هل تعتقد أنّ الثورة فتحت هامش كبير لحرية التعبير أم ضيق الخناق عليها؟ حسب المعطيات، نحن في توجه يضم هامشا كبيرا من حرية التعبير التي لم تقض عليها الثورة بل فتحت لها أفقا واسعا، هناك أفلام كثيرة تتطرق إلى السياسة، ولكن من المخرجين المصريين مثلي من ابتعد عنها وعن الثورة، فمنذ 2011 تم إنتاج كما مهولا عن الثورة في المجال الوثائقي والقصير وغيرها، لذا أظن بأنّ الثورة لا تنتهي كل يوم جديد في الأفق يميز الأحداث ولا تستطيع معالجة الثورة بشكل نهائي، فكان من أخرج أفلام حول الحياة السياسية والثورة فأعتقد بأنه استبق الأحداث قليلا. بعد الأحداث المؤلمة التي شهدتها مصر مؤخرا تم تأجيل عدة مهرجانات، ما دفع المخرجين المصريين إلى التوجه نحو مهرجانات المغرب العربي لعرض إنتاجهم السينمائي؟ ما تعليقك؟ المشاركة في الجزائر أوالمغرب أو تونس، لا ترتبط بتأجيل مهرجانات مصرية، لأننا مهتمون بالسينما المغاربية والجزائرية باعتبارها الأقرب إلينا وإلى المدرسة الأوروبية التي نحترمها ونقدرها كذلك، فسينما المغرب العربي تجمعنا بها عديد النقاط المشتركة، إلى جانب كون الجمهور المغاربي ذواق للفن وللغة الكاميرا، دون نسيان قيمة المهرجانات المنظمة بهذا البلدان، والتي لا يسعنا تفويتها في كل مرة تقام فيه فيما تتعلق النقطة الثانية بأنّ أي انتاج جديد في مصر من سينما وتمثيل، نحاول إخراجه من مصر وعرضه في الخارج لمعرفة الصدى الذي لقيه العمل سواء على مستوى المشاركات العربية أو الاجنبية، كما نعرض في مصر، لكن بخطين متوازيين، كوننا نعرف أنّ المهرجانات المصرية تعثرت قليلا بسبب الظروف المعروفة، فمنها ما تأجل ومنها ما أقيم وغيرها، ولا يعني هناك أي اختلاف أو بما يسمى هجرة سينمائية مصرية نحو بلدان المغرب العربي فنعرض في الداخل والخارج. تواجدك في الجزائر لأوّلّ مرّة هل تكللّه بتجربة تعاون مع مخرجيين جزائريين؟ بطبيعة الحال أتمنى أن تكون لي تجربة سينمائية مع مخرجين جزائريين على مستوى الأفلام القصيرة والطويلة.