عن عمر ناهز ال87 عاماً، رحل، أول أمس، فنّان الكاريكاتير الفرنسي موريس سيني (1920 – 2016)، المعروف اختصاراً باسم "سيني"، في مستشفى "بيشار" في باريس، بعد عملية جراحية باءت بالفشل. عُرف سيني بكتاباته ورسوماته الساخرة والمثيرة للجدل، وأيضاً بتعرّضه إلى العديد من المحاكمات بتهمتي "معاداة السامية" و"ازدراء اليهود"، في مسيرة طويلة انتقل فيها من الغناء إلى الكتابة الساخرة والرسم والنشاط السياسي المثير للمتاعب، توّجها بعشرات المجلّات والكتب والقصص المصوّرة الساخرة. وُلد سيني في العاصمة الفرنسية، في 31 ديسمبر 1920. تعلّم الرسم وفن التصميم في سن الرابعة عشرة. وفي الأربعينيات، امتهن الغناء، حيث أسّس سنة 1946 فرقةً موسيقية أطلق عليها اسم "أولاد الشارع"، وكانت تنشط ليلاً في مسارح ونوادي باريس الليلية. نشر أولى رسوماته في صحيفة "فرانس ديمونش" سنة 1952، ونال "الجائزة الكبرى للسخرية السوداء" سنة 1956 عن كتابه المصوّر "شكاوى من دون كلمات". التحق بأسبوعية "ليكسبريس" كرسّام سياسي وكاتب عمود ساخر، وبدأ يُرسّخ مكانته كواحد من أبرز رسّامي الكتاب الساخرين ورسّامي الكاريكاتير. عُرف بمناهضته الشديدة للاستعمار الفرنسي خلال حرب الجزائر. وكان وقتها على علاقة وثيقة بالمحامي المعروف جاك فيرجاس، زوج المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ومحامي "جبهة التحرير الوطني"، الذي ساعده في إصدار مجلة "Siné Massacre" الساخرة سنة 1962 التي تبلور فيها أسلوبُه الخاص ككاتب ورسّام "عدمي" معادٍ للاستعمار والسلطة الدينية. التحق سيني سنة 1981 بهيئة تحرير مجلّة "شارلي إيبدو"، التي صار أحد ألمع رسّاميها وكتّابها، وحوكم عام 1982 بتهمتَي "معاداة السامية" و"التحريض على العنصرية"، بسبب تصريحات أدلى بها إلى إحدى الإذاعات الفرنسية. بعد 27 عاماً من النشاط، جرى طرده من "شارلي إيبدو" بسبب مقال ساخر نشره في جوان 2008، تطرّق فيه إلى الأصول اليهودية للرئيس الفرنسي، حينها، نيكولا ساركوزي. لاقى سيني تعاطفاً كبيراً في الأوساط الثقافية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتُبر طردُهُ تحوّلاً جوهرياً في الخط التحريري للمجلّة التي أصبحت تركّز على انتقاد الإسلام والمسيحية وتتفادى التعرّض إلى اليهودية. بعد الهجوم على الصحيفة في جانفي 2015، نشر سيني مقالاً مثيراً للجدل انتقد فيه هوسها بالسخرية من الإسلام وإصرارها على نشر رسوم مسيئة للنبي محمد في السنوات الأخيرة. لم تنته مسيرة سيني مع "شارلي إيبدو"؛ إذ أسّس برفقة عدد من أصدقائه مجلّة "سيني إببدو" التي تحولت مؤخّراً إلى مجلة شهرية. في عددها الأخير كتب مقالاً استشعر فيه موته القريب: "الموت يحوم حولي ويتشمّمني كخنزير. ما يقضّ مضجعي هو أنني سأموت قبل أولئك الحقيرين الذين سيفرحون حتماً عندما يسمعون خبر وفاتي".