نجح المنتخب التونسي في تحقيق كأس إفريقيا للمحليين 2011 عن جدارة واستحقاق، بعد مشوار ممتاز أنهاه رفقاء الذوادي بفوز كبير على حساب المنتخب الأنغولي سهرة أول أمس بثلاثية نظيفة في نهائي التأكيد، ويمكن القول إن الظروف الصعبة التي مرت بها تونس والأحداث التي عرفتها منذ شهر ديسمبر من السنة الماضية وإلى اليوم، كان لها التأثير الكبير على اللاعبين الذين لم يكن من حديث لهم منذ أن وضعوا أقدامهم على أرض النيلين سوى تحقيق اللقب وإهدائه إلى شهداء الثورة. لم يغير فقط خارطة السياسة ولكن الرياضة أيضا وكان ربما على البوعزيزي الشاب البسيط ابن سيدي بوزيد أن يحرق نفسه لتحترق تونس حتى يزرع تلك الروح القتالية وسط زملاء المساكني، فهو لم ينجح فقط في تأجيج الثورة في الشوارع والمدن التونسية بقدر ما أشعلها أيضا في صدور لاعبي منتخب تونس الذين كانوا مصرين للغاية ومتمسكين بالكأس حتى قبل قدومهم إلى هنا، وبالتالي لم ينجح البوعزيزي فقط في تغيير خارطة الأوضاع السياسية في تونس وحتى في دول أخرى عربية (مصر في انتظار ليبيا وغيرها من البلدان التي اشتعلت فيها الانتفاضة) بل غير خريطة الكرة وأعاد تونس إلى القمة بعد سنوات طويلة. اللاعبون من البداية جعلوها قضية سياسية وكان اللاعبون من البداية قد تبنوا الكأس وجعلوا منها قضية سياسية بحتة، حيث لم يكن الحديث إلا عن الثورة، الشعب والشهداء، كما أن موقفهم بمساندة الثورة كان ابتداء من المباراة الأولى أمام أنغولا عندما توجهوا من الفندق إلى الملعب بأقمصة بيضاء عليها عبارة “إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”، وهو الموقف الذي قيل إنه بمبادرة فردية من اللاعبين ولم يستبعد البعض أن يكون وراءه أيضا علي الحفصي رئيس الجامعة الذي كان قبل أيام قليلة في عين الإعصار بحكم أنه أحد نواب حزب التجمع الدستوري حزب الرئيس المخلوع الذي يطالب الشعب التونسي وإلى غاية كتابة هذه الأسطر بإبعاد مسؤوليه عن النظام ومحاسبتهم. القصداوي يشرح معنى “تونس حرة” التي رفعها أمام الجزائر ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب، فأمام الجزائر أخرج سلامة القصداوي من جوربه ورقة كتب عليها “تونس حرة”، وهو اللاعب الذي اقتربنا منه وبعد التهنئة سألناه عما أراد أن يعبر به من خلال تلك الرسالة فقال: “لم نستقل إلا يوم 14 جانفي الماضي ولم نشعر بطعم الحرية إلا بعد ذلك اليوم عندما أصبح كل واحد منا قادرا على التعبير بكل ما يجول في خاطره، ونتيجة لحرية التعبير هذه أردت أن أقول للعالم بأسره إن تونس حرة ومرت الرسالة رغم أنها كلفتني بطاقة صفراء”، وعن سبب رفع تلك الورقة في مباراة الجزائر بالتحديد قال: “لا يوجد أي سبب سوى أنها كانت متابعة أكثر باعتبارها مباراة داربي”. إرادة اللاعبين كانت أقوى من ضغط التصريحات وضعف التحضير ورغم التصريحات والكلام المتواصل عن الثورة والضغط الذي تشكل على لاعبي تونس، إلا أنه لم يؤثر عليهم تماما بل بالعكس زادهم تعلقا برغبتهم في العودة بالكأس حتى تتجول في المدن التونسية على غرار القصرينوسيدي بوزيد التي اندلعت منها الأحداث، كما لم تؤثر في اللاعبين فترة التوقف عن التدرب التي استمرت أكثر من أسبوعين عندما كان “ضرب الكرطوش” على حد تعبير الهيشري الذي قال: “أجزم أنه من الصعب جدا الفوز بلقب بعد أسبوع فقط من التحضير في المغرب انتقلنا بعده إلى الخرطوم”. مباراة الجزائر الأصعب حسب الجميع وأجمع لاعبو تونس على أن مباراتهم أمام المنتخب الوطني الجزائري كانت الأصعب في الدورة بما أنهم كانوا في طريق مفتوح في كل اللقاءات، حتى أمام المنتخب الأنغولي في اللقاء الأول بما أن تعادلهم كان في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل ضائع، في الوقت الذي كان المنتخب الجزائري الوحيد الذي أدخل الشك في نفوس لاعبي الطرابلسي حسب تعليق الأخير، خاصة في الشوط الثاني من مباراة نصف النهائي التي تأهلوا فيها بركلات الترجيح كما هو معروف. والشوط الثاني أمام أنغولا الأروع والأجمل والأمتع في الوقت الذي كان فيه الشوط الثاني الذي قدمه المنتخب التونسي أمام أنغولا في النهائي هو الأروع والأمتع والأجمل، ليس فقط لأن نسور قرطاج تمكنت من تسجيل 3 أهداف خلاله، ولكن بالنظرة إلى السيطرة بالطول والعرض على المنافس الذي حصر في منطقته ولم يتجاوز إلا في مناسبات قليلة خط وسط الميدان، فقد تعدت السيطرة إلى لعب استعراضي حرك الجمهور السوداني الحاضر الذي وجد نفسه مطالبا بلعب دور المناصر بعد أن تابع الشوط الأول متفرجا. حضور بلاتير يعطي التتويج التونسي طابعا مميزا وجاء حضور رئيس “الفيفا” جوزيف بلاتير ليعطي صبغة أكثر أهمية لهذه المنافسة (يقول عنها حياتو إنها ثاني أهم منافسة تنظمها “الكاف” رغم أنها غير معتمدة)، حيث تسلم منه لاعبو تونس ميدالياتهم في انتظار الاعتراف بالمنافسة، وفي سياق متصل طالب رئيس الاتحاد الإفريقي حياتو باحتساب نتائج مباريات “الشان” في تصنيف “الفيفا” الشهري كما لم يتردد بلاتير في الإعجاب بشكل المنافسة وحماسها وشوهد يصفق في المنصة الشرفية إعجابا بما قدمه لاعبو تونس الثوار في النهائي. الطرابلسي:“أردنا الكأس لأجل الثورة، ستزور منزل البوعزيزي، وأحرجنا فقط أمام الجزائر” مبارك تتويجكم باللقب، ماذا تقول عنه؟ نحن سعداء لأنفسنا وسعداء لتونس، تمكنا من العودة باللقب بعد أن قطعنا على أنفسنا عهدا بأن هذه الكأس ستتجول في شوارع وأحياء المدن التونسية، كل المدن من سيدي بوزيد إلى القصرين، ومن بنزرت إلى بني قردان، إرادة اللاعبين كما شاهدتهم كانت قوية، تمسكوا بهدفهم رغم المباريات الصعبة التي لعبوها، وأعتقد أننا لم نخيب واستحقينا اللقب بالنظر إلى ما قدمناه في كل الدورة. من البداية كان الإصرار وسط اللاعبين على تحقيق اللقب لأجل الثورة، رغم الضغط كنتم في الموعد، هل هو تأكيد على قوة منتخبكم؟ إرادة اللاعبين صنعت لهم الفارق، لقد شاهدتهم الروح القتالية التي لعبوا بها، وتمسكهم باللقب، على كل حال منتخبنا كان الأكثر عطاء وأنا هنا أتقدم بتحية كبيرة إلى اللاعبين الذين طبقوا التعليمات، وكانوا في المستوى خلال كل المباريات، خاصة أنهم أعادوا الفرحة إلى التونسيين بعد أيام عصيبة للغاية وأكدنا أن الرياضة يمكن أيضا أن تضمد جراح الشعب العظيم والأبي. في هذه الدورة شاهدنا العديد من الأفعال التي تعبر عن إدخال السياسة في الرياضة من خلال ما لبسه اللاعبون قبل مباراة أنغولا، إضافة إلى تصرف القصداوي أمام الجزائر، ما رأيك أنت؟ هذا ما يدخل في إطار حرية التعبير، اللاعبون أرادوا من تلقاء أنفسهم أن يقولوا أشياء كثيرة، وشخصيا لم أكن أعرف أن القصداوي مثلا خبأ تلك الورقة في جوربه، على كل حال هو نوع من التعبير عن الذات وتأكيد على التغيير الذي عرفته البلاد منذ تاريخ 14 جانفي الماضي. هل يمكن القول إن التغيير السياسي كان له فأل خير عليكم؟ ربما كان دافعا للاعبين وحافزا لهم، خاصة أن بلادهم اشتعلت، وعاشوا صورا رهيبة كل واحد في المنطقة التي يسكن فيها، وأرادوا أن يفرحوا أنفسهم أو عائلاتهم قبل كل شيء. هل للمرحوم بوعزيزي يد في هذا التتويج؟ هو من كان وراء العهد الجديد الذي تعيشه تونس، والكأس ستزور بيته بإذن الله. هل تعتبر مواجهة الجزائر الأصعب لكم في هذه الدورة؟ كانت الأصعب على الطرفين، وبمثابة اختبار لقدرات كل منتخب، كان لنا شوط ولهم آخر، الجميل أن الطرفين لم يلعبا بالحسابات ودخلا في المباراة، أحرجنا قليلا خاصة في الشوط الثاني حين عمدت إلى إحداث بعض التغييرات لإعادة التوازن ولكننا عدنا في الوقت الإضافي ولو آمنا أكثر بقدراتنا ولم نتخوف لكنا قادرين على استغلال الانهيار البدني للمنتخب الجزائري، على كل حال التوفيق كان معنا ومررنا إلى النهائي لنؤكد أحقيتنا باللقب. ماذا تضيف؟ أنا سعيد لتونس أكثر وأتمنى هذه الكأس أن تكون بمثابة عهد جديد للكرة يكتبه هؤلاء الشبان. أول لاعب إفريقي يحقق كأس إفريقيا للمنتخبين الأول والمحلي شاذلي: “حققت الكان ولكن هذه الشان لها طعم مميز” قال عادل شاذلي اللاعب الإفريقي الوحيد الذي حقق كأس إفريقيا الأولى وكأس المحليين إنه سعيد للغاية باللقب الجديد الذي ضمه إلى رصيده، وأضاف: “من الطبيعي أن أفرح لكل لقب أحققه، شخصيا سبق لي أن رفعت كأس إفريقيا 2004 في تونس في أجواء خارقة للعادة، لكن هذه المرة كأس المحليين ورغم أنها أقل قيمة إلا أن طعمها مميز بسبب الظروف الصعبة التي تنقلنا فيها إلى الدورة، خاصة أن بعض التونسيين نسوا أصلا إن كان لهم منتخب، ولكننا نجحنا في لفت كل الأنظار إلينا وأكدنا أن اللاعب التونسي عندما يريد يستطيع ولا يمكن لأي شيء أن يقف في طريقه، مثلما لم يقف أي منتخبنا في وجهنا خلال هذه البطولة، حيث سجلنا في كل المباريات التي لعبناها”. “أهدي اللقب إلى كل من آمن بثورة الشعب” وقال شاذلي مواصلا كلامه: “هذه الكأس غالية للغاية لأنها كانت نتيجة إصرار اللاعبين ورغبتهم في العودة باللقب إلى تونس، وبالمناسبة كأقدم لاعب في المنتخب أهديها إلى كل من آمن بالثورة العظيمة التي بدأت من المواطنين المسحوقين والمظلومين الذين تعذبوا قبل أن يسمعوا صوتهم إلى كل العالم، ويؤكدوا أن تونس يجب أن تعيش حرة ديمقراطية لأننا في سنة 2011 ولسنا في عصور الاستعمار”. أصداء من الفرحة التونسية ^^ كالعادة، بعد نهاية المباريات يحتفل لاعبو تونس بترديد أهازيج “غدارة شوطة الجويني غدارة” ويتعلق الأمر باللاعب السابق للإفريقي المتواجد في البعثة التونسية، حيث يتفاعل الآخر مع الأهازيج بالتصفيق والرقص. ^^ تهافتت العديد من وسائل الإعلام في نهاية لقاء تونس على اللاعب التونسي عادل شاذلي، على اعتبار أنه أول لاعب إفريقي يحصل على “الكان” و«الشان” في الوقت نفسه، ومن المحتمل جدا أن تكون هذه هي الدورة الأخيرة التي يلعبها عادل بعد أن سبق له وأن أعلن عبر “الهداف” أنه سيعتزل. ^^ تعانق الدراجي والمدرب سامي الطرابلسي بحرارة في نهاية المباراة وأزالا الشائعات التي تتحدث عن توتر علاقتهما بعد أن أقدم الممرن على إحالة نجم الترجي التونسي على كرسي الاحتياط في الوقت الذي تعود فيه الأخير على اللعب أساسيا في مختلف مشاركاته الدولية. ^^ تهافت الجمهور السوداني على غرف حفظ ملابس منتخب تونس من أجل الحصول على أقمصة اللاعبين، غير أن أغلبهم فضلوا الاحتفاظ بها للذكرى، فيما انتزع أحدهم وبالقوة قميص خالد السويسي، كما لم يجد شاذلي ما يمنحه لبعض الأنصار بعد أن أخذوا منه كل شيء ماعدا حذاءه. ^^ الجمهور السوداني الحاضر كان متفرجا إلى غاية (د48) بعد أن افتتح مجدي الطراوي باب التهديف لينتفض الكل في تشجيع متواصل للتشكيلة التونسية، وازداد التفاعل بعد الهدفين الثاني والثالث مع تجاوب لا يوصف مع الأداء الاستعراضي للتشكيلة التونسية التي أقنعت وأمتعت. ^^ رغم أن العكايشي لاعب النجم الساحلي لم يلعب اللقاء النهائي ولم يشارك إلا في مناسبات قليلة، إلا أنه كان أكثر الفرحين بالتتويج بدليل أنه انتزع من صحفي قناة “حنبعل” الميكرفون وشرع في لعب دور الصحفي مع زملائه، في أجواء مرحة للغاية. ^^ فضل الحارس الثاني رامي الجريدي أن يقوم بدورة شرفية بكأس إفريقيا للمحليين، من أجل شكر الشعب السوداني على ما قدمه للمنتخب التونسي من دعم كبير رغم أن هذا الجمهور وقف مع الجزائريين في مباراة نصف النهائي التي جرت بالخرطوم. ^^ اختير الذوادي أفضل لاعب في مباراة النهائي وتحصل نظير ذلك على كأس من قبل اللجنة المنظمة للدورة، والحقيقة أن مردود زهير كان ممتازا، حيث كان وراء الهدف الأول وسجل الثاني بعد تمريرة سحرية وصلته من المساكني انفرد بها وجها لوجه، ويستحق هذا اللاعب الذي تتردد أخبار عن تنقله إلى فرنسا لإجراء اختبارات في أوكسير أن ينال لقب أفضل لاعب في الدورة. ^^ قاسمت “الهداف” لاعبي منتخب تونس الفرحة في غرف حفظ الملابس، وفي غمرة الأجواء الاحتفالية تقدم منا أسامة الدراجي وقال لنا: “من فضلكم أهدوا هذه الكأس إلى الجزائريين”. ^^ لا زالت الأحداث السياسية تطغى على يوميات لاعبي تونس بدليل أنهم في طريق توجههم إلى المطار تحدثوا عن الاعتصام الذي يقوم به التونسيون في القصبة مطالبين برحيل وجوه النظام السابق، كما تحدثوا أيضا عن عدم بث نشرة الأخبار الرئيسية في تونس في سابقة أولى بعد أن قرر عمال القناة الوطنية (التسمية الجديدة) شن إضراب مطالبين برحيل المدير العام. ^^ التقى لاعبو المنتخبين الجزائريوالتونسي في مطار الخرطوم الدولي، وهناك استغل زملاء حاج عيسى الفرصة ليهنؤوا لاعبي تونس باللقب الذي تحصلوا عليه، علما أن التوانسة عادوا في طائرة خاصة حطت على الرابعة صباحا (بالتوقيت الجزائري) بتونس، في الوقت الذي عاد فيه “الخضر” عبر الخطوط التركية.