ما زال الشارع الرياضي الجزائري مذهولا من تفضيل بعض نجوم المنتخب الوطني للوجهة الخليجية، رغم أنهم كانوا يقولون مرارا إنهم يسعون للبقاء في أوروبا قصد الحفاظ على مكانتهم الدولية وضمان الإحتكاك اللازم. وحسب الأحداث الفارطة، فإن كريم زياني ومراد مغني لم يتلقيا عروضا أوروبية رسمية وإقتصر الأمر على إتصالات فقط، بينما أبدت الأندية القطرية جدية في مفاوضاتها وهو أمر حفزهما كثيرا خاصة في ظل السمعة الطيبة التي أصبح يحظى بها "دوري النجوم" كما يسمى نظرا لإستقطابه كبار اللاعبين العالميين بداية من ڤابريال باتيستونا سنة 2003 وصولا إلى زي روبيرتو الذي وقع للغرافة قبل أيام. خمسة جزائريين هذا الموسم و"مازال الخير القدّام" وقد وصل التمثيل الجزائري في قطر عددا قياسيا لم يسبق أن حدث من قبل، وذلك بفعل تواجد خمسة لاعبين، ثلاثة منهم دوليون وهم: الظهير الأيسر نذير بلحاج مع السد، وسط الميدان الهجومي مراد مغني مع أم صلال ووسط الميدان كريم زياني مع الجيش، هذا دون نسيان لاعبين آخرين غير دوليين، ويتعلق الأمر بالمدافع بوعلام خوخي الذي إلتحق بالعربي سنة 2009 وبرز بشكل لافت الموسم الماضي إلى درجة أن المسؤولين هناك فكروا في تجنيسه، إضافة إلى المغترب كريم بوضياف الذي إستقدمه المدرب جمال بلماضي إلى لخويا من نانسي، وأستدعي العام الماضي لتربص المنتخب الأولمبي الجزائري. موسم 2003-2004 كانوا أربعة جزائريين وكان رقما قياسيا وعلى صعيد متصل، يعتبر موسم 2003-2004 آخر موسم شهد حضورا مكثفا للاعبين الجزائريين في بلاد ولي العهد تميم بن حمد، حيث كان عددهم أربعة وهم: وسط الميدان كريم كركار الذي إلتحق بالسيلية بعد تجربة فاشلة في مانشستر سيتي الإنجليزي، صانع الألعاب جمال بلماضي المنضم إلى الغرافة قادما من مانشستر سيتي أيضا، المدافع نور الدين دريوش الذي أمضى مع العربي قادما من شبيبة القبائل أين ساهم في التتويج الثلاثي بكأس "الكاف"، وأخيرا علي بن عربية المنتقل من مانشستر سيتي أيضا إلى الريان أين مكث مدة موسمين قبل تغيير الوجهة نحو السد. زياني يرفع عدد الجزائريين إلى 18 في تاريخ البطولة القطرية أما بالنسبة للاعب فولفسبورغ السابق كريم زياني، فقد كان اللاعب الجزائري رقم 18 الذي تطأ قدماه أحد الأندية في البلاد الأولى عالميا من حيث إنتاج الغاز الطبيعي، حيث سبقه دوليون آخرون كان أولهم لخضر بلومي الذي وقع مع العربي سنة 1988، وثانيهم رابح ماجر الذي إنخرط في صفوف نادي قطر سنة 1991، أما آخر اللاعبين المنضمين فمن بينهم يزيد منصوري الذي أمضى مع السيلية قبل عام ويوجد حرا من أي إرتباط حاليا، إضافة إلى مراد مغني القادم من لازيو روما إلى أم صلال قبل أسابيع قليلة من إمضاء اللاعب الأسبق لسوشو. "الميركاتو" ما زال مفتوحا والعدد لن يتوقف ويبدو أن تهاطل المهارات الكروية الجزائرية على قطر لن يتوقف عند هذا العدد فقط، فهناك عديد الشائعات التي تتحدث عن وجود إتصالات أو إهتمامات تجاه لاعبي "الخضر"، على غرار نجم وفاق سطيف خالد لموشية الذي يتردد اسمه بين الحين والآخر هناك، والأمر نفسه بالنسبة لعبد المالك زياية في حال مغادرته لإتحاد جدة، هذا دون نسيان تواجد لاعبين جزائريين في وضعية حرجة حاليا في أوروبا على غرار جمال عبدون وحسان يبدة، إذ قد يضطران لقبول أحد العروض الخليجية رغم أن رغبتهما عكس ذلك. "زينة الحياة الدنيا" تبقى الدافع الأول وكما يعلم الجميع، فإن السبب الأول لقبول اللاعبين الجزائريين فكرة اللعب هناك هي العروض المالية المغرية، لأن الأجور المقترحة لا يمكن لأغلبهم أن يجدوها في أي مكان آخر، ناهيك عن أن نسبة إقتطاع الضرائب ضئيلة للغاية مقارنة بإيطاليا أو فرنسا، دون نسيان الحياة الفارهة التي توفرها الدوحة التي تعتبر قطبا سياحيا في الخليج العربي ومن أغلى المدن في العالم، ورغم كل هذا إلا أن المطلوب على الصعيد الرياضي ليس بالشيء الصعب مقارنة بما هو عليه الحال في المسابقات الأوروبية. صيام رمضان براحة وغياب العنصرية يلعبان دورا مؤثرا وعلى صعيد الإمتيازات دائما، فإن اللعب في قطر سيخلص اللاعبين من عديد المشاكل الخاصة التي لطالما أقلقتهم في القارة العجوز، ومن بينها مسألة صيام شهر رمضان والذي يتزامن هذا العام مع فصل الصيف فترة التحضيرات التي تكون مرهقة بدنيا، الأمر الذي سيجعل المتواجدين في أوروبا مجبرين على الإفطار، وهو أمر مستحيل طلبه من إداريي أحد فرق الخليج الذين يقدسون الشهر الفضيل مثلهم مثل بقية المسلمين. هذا، وهناك سبب ثان أيضا هي العنصرية التي إشتكت منها بعض العناصر خلال فترة تواجدها في أوروبا، وهو أمر يفترض أن لا يحدث في "دوحة الخير". التألق شبه مضمون لأنهم برهنوا في مسابقات أكبر وناهيك عن الدوافع الخاصة، هناك عامل آخر يشجع اللاعبين على إختيار عروض الخليج، وهو التألق شبه المضمون هناك على إعتبار أن المستوى الفني في أوروبا يكون أفضل من "دوري النجوم" وهذه حقيقة لا ينكرها أي شخص عارف بخبايا المستديرة الساحرة، وبالتالي فاللاعب لن يكون مطالبا ببذل مجهودات خارقة من أجل مكانة أساسية. حتى في قطر لم ينضموا إلى نواد قوية! من جهة أخرى، فالمثير للإهتمام كذلك هو أن أغلب الأندية التي إنضم إليها لاعبونا في قطر لا تنتمي على الإطلاق إلى مجموعة الكبار أصحاب الجماهيرية، فهناك فقط نذير بلحاج مع السد الذي يعتبر أول وآخر فريق ينال كأسا أسياوية للأندية وذلك سنة 1988، وبوعلام خوخي الناشط مع "العربي" الذي يملك شعبية واسعة لكنه بعيد عن الألقاب منذ أكثر من عشر سنوات. أما البقية فهم مقسمون على أم صلال والجيش ولخويا وكلها أندية حديثة النشأة وصعدت لمنصة الإنجازات في الآونة الأخيرة فقط، عكس الريان والغرافة على سبيل المثال اللذان يملكان قاعدة جماهيرية واسعة –خاصة الأول- إضافة إلى تألق شبه دائم محليا. مغني الإستثناء وقد يعود بقوة كما ننوّه أيضا إلى أن مراد مغني هو المرشح الوحيد للرجوع إلى المستوى الأعلى بداية من الموسم القادم مقارنة بالدوليين الآخرين زياني وبلحاج، فصاحب الأصول البرتغالية أمضى على عقد يمتد لعام واحد وهو يبلغ من العمر 27 سنة فقط. بينما يمتد عقدا كريم ونذير إلى 2014 و2013 على التوالي، وحينها يكونان قد تخطيا حاجز الثلاثين ولن يتمكنا من العودة إلى ناد أوروبي كبير، دون نسيان عدم وجود أي فريق في القارة العجوز يقبل بتلبية شروطهما المالية الممضاة مع القطريين. أما الشابين خوخي وبوضياف فأمامهما المجال للتألق مستقبلا في مستوى أفضل، خاصة إذا واصلا التطور على منوال العام الماضي. بن عربية وعمران نموذجان للتألق ويبقى السؤال المطروح حاليا هو في قيمة الأداء الذي سيقدمه لاعبو المنتخب في البطولة القطرية الموسم القادم، خاصة أن آخر التجارب لم تكن ناجحة على غرار منصوري الذي نزل رفقة فريقه وصايفي الذي عانى من شبح الإصابات وعاد سريعا إلى فرنسا، فهل سيستمر زياني ومغني على هذا المنوال؟ أم أنهما سيسجلان اسميهما بأحرف من ذهب في سماء الكرة القطرية؟ علما أن الإعلام الرياضي هناك يعتبر المهاجم رشيد عمران وصانع الألعاب علي بن عربية أحسن جزائريين لعبا في قطر على الإطلاق. قائمة الجزائريين الذين سبق لهم اللعب في قطر لخضر بلومي (العربي)، رابح ماجر (قطر)، رشيد عمران (الغرافة)، عبد الحفيظ تسفاوت (الريان)، جمال بلماضي (الغرافة والخريطيات)، نور الدين دريوش (العربي)، علي بن عربية (السد والريان)، كريم كركار (السيلية)، أحمد رضا مادوني (الغرافة)، دزيري بلال (السد)، مهدي منيري (الخور)، رفيق صايفي (الخور)، بوعلام خوخي (العربي)، يزيد منصوري (السيلية)، نذير بلحاج (السد)، كريم بوضياف (لخويا)، مراد مغني (أم صلال)، كريم زياني (الجيش). ---------------------------------- أربعة مشاكل ستواجه لاعبين الدوليين في قطر تركزت تخوفات الجمهور على مدار الأيام الماضية من إمكانية تدهور مستوى المنتخب الوطني بسبب تواجد الكوادر في بطولات ثانوية مقارنة بألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وهم محقون إلى حد بعيد، ذلك أن أربع أوجه إختلاف بين قطر وبطولات أوروبا الكبرى تجعل مردود اللاعب مهددا بالتراجع والأفول، لكن ذلك ليس شرطا رئيسيا وحدوث العكس يبقى ممكنا على إعتبار أن المستديرة الساحرة ليست علما دقيقا. أولا: سيلعبون أقل من 30 مباراة في الموسم وهذا سيؤثر في درجة المنافسة ويتمثل السبب الرئيسي في قلة عدد المباريات التي يتم لعبها في قطر مقارنة بأوروبا، فالبطولة القطرية تحتوي على 12 فريقا فقط ما يعني أن عدد مباريات الموسم يقدر ب22، ويمكن أن يصل إلى 28 في أحسن الأحوال إذا كان هناك مشوار جيد في كأسي ولي العهد والأمير، أما بطولة الشيخ جاسم فهي بطولة تنشيطية ولا تُأخذ بعين الإعتبار، ناهيك عن أن الدوليين لن يلعبوا منافسات خارجية، هذا دون الحديث عن المستوى العام للمباريات الذي يتميز بالنسق البطيء ويجعل اللاعب لا يستهلك جهدا كبيرا، علما أن عدد 28 أصغر حتى من عدد مباريات البطولات الأوروبية لوحدها والتي تقدر ب38 عموما دون إحتساب بقية المسابقات. ثانيا: الحضور الجماهيري غائب وسيفقد اللاعبين نكهة اللعب العامل الآخر الذي لا يساعد على الإبداع هو غياب الحضور الجماهيري وعدم إمتلاك الأندية القطرية لقاعدة واسعة من المشجعين، خاصة أندية الجيش وأم صلال التي يقدر محبوها بالعشرات إذا لم نحتسب روابط المأجورين الذين يتواجدون في كل مباراة للغناء، وعموما فمن المعروف أن عزوف الأنصار عن الحضور أمر يؤثر في عزيمة اللاعب ويقلل من عطائه لأنه يحب فطريا البروز خلال المواعيد الكبرى، وهو أمر يقتصر على الريان فقط وبنسبة أقل العربي والسد. ثالثا: صعوبة التأقلم مع المناخ الحار والرطوبة العالية يجب أيضا عدم نسيان تأثير المناخ الحار والرطوبة العالية على إمكانية تأقلم اللاعب الذي عاش حياته كلها في ملاعب أوروبا على غرار محترفي المنتخب، فالأكيد هو أنه سيكون أكبر عائق أمامهم من أجل فرض أنفسهم هناك مثلما فعل جونينيو وباكاري كوني ورودريڤو تاباتا الموسم الماضي. لكن الأمر الإيجابي الوحيد هو أن إعتيادهم على ذلك سيساعد أشبال حليلوزيتش في خرجاتهم لأدغال إفريقيا، وذلك طبعا إذا تم الإحتفاظ بهؤلاء داخل التشكيلة. رابعا: ضعف الكثافة التدريبية والعمل البدني هذا العامل نتاج عامل المناخ، فالحرارة الشديدة تحتم القيام بحصة تدريبية واحدة تكون ليلا في غالب الأحيان بما أن التدرب في وضح النهار أمر قريب من الإستحالة مثلما أشار إليه عديد المدربين العالميين الذين عملوا هناك، كما أن العمل البدني ليس كبيرا مثلما هو عليه الحال مع الأندية الأوروبية، وعليه فهذا الأمر يؤثر مباشرة في مردود اللاعب. اللاعبون مطالبون بالتدرب خارج أوقات العمل للحفاظ على كامل قدراتهم وإذا أراد زياني أو مغني أو بلحاج الحفاظ على مراكزهم في التشكيلة الأساسية في المنتخب الجزائري أو الإحتياط على أقل تقدير، فلا يوجد أي حل لديهم سوى مضاعفة العمل والتدرب على إنفراد خارج أوقات التدريب الرسمية والتي تكون عادة غير كافية، وهي نفس النصيحة التي كان يقدمها الشيخ رابح سعدان للاعبيه الدوليين الناشطين في البطولة المحلية في الجزائر أيام إشرافه على العارضة الفنية ما بين 2007 و2010 إيمانا منه بالفرق الشاسع الموجود بين الكرة في القارة العجوز والمنطقة العربية. وبالإعتماد على إرادتهم وحدها لكن في المقابل، مخطئ من يظن أن ذهاب زياني ومغني وبلحاج إلى قطر يعني مباشرة نهاية مشوارهم مع المنتخب، فالعودة أمر ممكن من الناحية الفنية وكل شيء متوقف على مدى جديتهم والتي تظهر من خلال العمل الفردي الذي سيقومون به للتغلب على عوامل قلة عدد المباريات والنسق البطيء لها، وأيضا غياب الجمهور وعدم وجود حافز كبير للإبداع ولفت الأنظار. البلجيكي مبينزا، الإكوادوري تينوريو والبولوني باك أمثلة حية وحتى نضع القارئ في الصورة، فهناك عديد اللاعبين الأوروبيين الذين حافظوا على مكانتهم الدولية رغم لعبهم في قطر، ومن بين هؤلاء نجد المهاجم الإكوادوري كارلوس تينوريو الذي تألق في كأس العالم سنة 2006 وحينها كان يلعب مع "السد" منذ عدة مواسم، وأيضا مدافع الريان "ياتشيك باك" الذي كان حينها قائدا لمنتخب بلاده بولندا ويشارك معه بإنتظام، دون أن ننسى البلجيكي إيميل مبينزا الذي بقي يلعب مع منتخب بلاده رغم مروره غير الموفق على الريان ما بين 2005 و2007.