نشرت : المصدر موقع "الخبر" السبت 19 يناير 2019 11:16 يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. جعل الله عزّ وجلّ القلوب تحيا بالموعظة، قال عزّ من قائل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الحديد:16-17. قال العلامة ابن كثير رحمه الله: (فيه إشارة إلى أنّه تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلالتها، ويفرج الكروب بعد شدّتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان [الوابل] كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النّور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل). وتدبُّر القرآن الكريم يُعمِّق الجذور الإيمانية في النّفس، ويجعل المسلم أكثر تركيزًا وانتباهًا في عباداته، ويزيد معرفته بربّه عزّ وجلّ، ويساعد على تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، وهو غذاء للروح وعلاج للنّفس، ويربّي العقول ويُنَمّيها، ويصقل المواهب. ولقد أوصى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتلاوة القرآن الكريم، وجعله روحًا للمؤمن، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أنّ رجلًا جاءه فقال: أوصني، فقال: سألتَ عمّا سألتُ عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلك، فقال: "أوصيك بتقوى الله، فإنّه رأس كلّ شيء، وعليك بالجهاد، فإنّه رهبانية الإسلام، وعليك بذِكر الله وتلاوة القرآن، فإنّه روحك في السّماء، وذِكرك في الأرض" رواه أحمد. وعلى المؤمن أن يستعين على إصلاح قلبه بتدبُّر كتاب الله تعالى وتفهُّم معانيه، فالقراءة بالتدبُّر من أعظم ما يُصْلِح القلب ويشفيه من الأمراض النّفسية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} يونس:57، والموعظة الّتي بها شفاء القلوب هي القرآن، ويقول سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء:82. وقد سمَّى الله القرآن الكريم روحًا في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} الشُّورَى:52، لأنّه تحيا به القلوب، كما أنّ الروح يحيا بها البدن. ويقول الله جلّ وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرَّعد:28، وقد قيل: إنّ الذِّكر هنا هو ذِكْرُ العبد ربَّهُ بأنواع الذِّكر، وقيل إنّ المراد بذِكْر الله هنا هو القرآن، والأرجح أنّه يشمل الأمرين، وتلاوة القرآن من ذِكْر الله سبحانه وتعالى. ولا يتِمّ الانتفاع بالقرآن الكريم إلّا مع التدبُّر، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق:37، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته، وألْقِ سمعك، واحضر حضور مَن يخاطبه به مَن تكلّم سبحانه منه إليه، فإذا حصل المؤثّر وهو القرآن، والمحلّ القابل وهو القلب الحيّ، ووجد الشّرط وهو الإصغاء، وانتفَى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء آخر، حصل الأثر وهو الانتفاع بالقرآن والتذكّر". وقد رسم الصّحابة مَنهجًا في تدبُّر القرآن الكريم، يقول سيّدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات، لم يُجَاوِزْهُنّ حتّى يعرف معانيهنّ، والعمل بهنّ" أخرجه الإمام أحمد بسند حسن. وقال العلاّمة أبو عبدالرّحمن السُّلَمي: "إنَّا أخذنا القرآنَ عن قوم، فأخبرونا أنّهم إذا تعلَّموا عشرَ آيات لم يجاوزوهنَّ إلى العشر الأُخر حتّى يَعملوا ما فيهنَّ من العلم"، قال: "فتعلَّمنا العلمَ والعملَ جميعًا، وإنَّه سيَرِث هذا القرآنَ قومٌ بعدنا، يشربونه كشربهم الماء؛ لا يجاوز تَرَاقِيَهم"، قال: "بل لا يجاوز هاهنا"، ووضع يده تحت حَنَكِه. كما أنّ دوامَ ذِكر الله سبحانه وتعالى على كلّ حال، باللّسان والقلب، يساعد على إصلاح القلب، يقول تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، ويقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "مثل الّذي يَذْكُر ربَّهُ والّذي لا يَذْكُر ربّه كمثل الحيّ والميت" أخرجه البخاري. وأقلّه أن يحافظ المرء على الأذكار أدبار الصّلوات المكتوبة، وأذكار الصّباح والمساء، وأذكار الأحوال المتنوّعة.