الحلقة الثانية و الأخيرة فبادر هداك الله إلى تقوى الله ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى. قال الإمام ابن الجوزي: «ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج... «صيد الخاطر:153) انتهى كلامه. السبب الخامس: أداء الفرائض والمداومة عليها المحافظة على أداء الفرائض والمداومة عليها، والإكثار من النوافل من صلاة وصيام وصدقة وبر وغير ذلك، فالمداومة على الفرائض والإكثار من النوافل من أسباب محبة الله تعالى لعبده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه»، الحديث أخرجه البخاري. السبب السادس: مجالسة الصالحين الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، فالجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم، ترى في صدرك انشراحاً وبهجة ثم إياك والوحدة، احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس، وخاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، فالشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. شاهد المقال: أن تحرص أعانك الله تعالى على عدم جلوسك وحيداً، فجاهد نفسك وغالبها على الاجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم فذلك يدخل الأُنس عليك؛ فيزيدك إيماناً وينفعك علماً. السبب السابع: قراءة القرآن قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً، وهذا من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة القلوب، وانشراحاً في الصدور، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ الله تطمئن القلوب}، الرعد الآية 28. قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: «أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال تعالى {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}:أي هو حقيق لذلك» انتهى كلامه رحمه الله. فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى ما أقبل على ربه بصدق؛ فتح الله عليه من عظيم بركاته {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}،يونس الآية 57، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً}، الإسراء الآية 82. السبب الثامن: أذكار الصباح والمساء المداومة على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة، فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها، ولتحرص رعاك الله على تلك الأذكار المتأكدة فيمن اعتراهم همّ أو غم، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم»، وكذا ما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يكثر من قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل...» إلى آخر الحديث. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم قال: « يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» أخرجه الحاكم. وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجوا فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأنه كله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» أخرجه أبو داود وابن حبان. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي، إلا ذهب الله حزنه وهمّه، وأبدله مكانه فرحاً» أخرجه أحمد في مسنده وابن حيان في صحيحه، إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار في هذا الباب ونحوه. اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا ويسر أمورنا، وهيء لنا من أمرنا رشداً.