ما أشبه اليوم بالبارحة بالأمس ضحكت ألمانيا علينا كثيرا وبكت في النهاية واليوم تنتظرنا إنجلترا بكل كبرياء، لكن باحترام . سنة 1982 هلّل الألمان للقرعة وهناك حتى من أهدى الفوز العريض مسبقا لكلبه ومن توعّد بتسجيل ثمانية أهداف. كانت المباراة الأولى لنا في المونديال ولم يكونوا يعرفون عن لاعبينا المحليين شيئا فكانت المفاجأة مدويّة وأتيناهم من حيث لم يحتسبوا، فجاء العنوان الشهير “الجزائر تهزّ العالم وتُركع الألمان”. يومها لم نكن ننتظر شيئا وكان عزاؤنا تشريف الألوان فقط، لكن النتائج أظهرت أنه كان لدينا منتخب عالمي. واليوم سنواجه انجلترا بمدرّبها الدّاهية فابيو كابيلو. إسمان وحدهما كافيان لبث الرعب في نفوس المنافسين، لأنهما، وبكل بساطة، لا يتركان أي مجال للمصادفة وكل شيء عندهما بحساب. إن كان الألمان استهزؤوا بنا بالأمس، فإن الإنجليز “شادّين قدرهم” معنا. فكل تصريحاتهم، وإن أكدت على أن الفوز سيكون من نصيبهم، إلا أنها كانت تركز على وجوب احترام الجزائر، وهذه فلسفة كابيلو الذي يرفع دائما شعار “أحترم كل المنافسين، لكن لا أهاب أي فريق”. المفارقة هذه المرة جاءت من الجزائريين أنفسهم. ربما السخط العام على سعدان وبعض اللاعبين بعد الخسارة أمام سلوفينيا ولّدت شعورا بالإحباط والتشاؤم أدى إلى الاستهزاء بمن كانوا يعتبرونهم أبطالا في أم درمان. كثير من التعاليق في الشارع تؤكد أنه لا أمل لنا اليوم. وإن كنت لا أؤمن بالاستسلام ووضع السلاح قبل المعركة، إلا أن ما شدّ انتباهي تلك البراعة في اختراع الروايات إلى حد يجعل التشاؤم محبّذا. بصراحة، ماذا لدى الإنجليز أفضل منا؟ لم يأتوا من كوكب آخر، بل هم أناس مثلنا يتعبون ويغفلون ويتغافلون ويُخطئون تماما مثلما نفعل نحن. لديهم لاعبون يلعبون في أوروبا ولدينا لاعبون حتى من بطولتهم. لديهم مدرب “ثعلب”؟ ألم يقل سعدان “أنا ثعلب ونص”. هذا كابيلو الذي يتباهون به ونهابه مثلما نهاب الموت لم يدرّب إلا الفرق الجاهزة التي لا مشاكل فيها. ولم يختبر “تحت” حتى نعرف معدنه. لو درّب تابلاط مثل سعدان لتخلى عن الكرة منذ زمان، لكن سعدان كان يعرف أنه “مخّ” وأنه سيأتي يوم “يدوّخ” فيه الجزائريين قبل المنافسين في أكبر المحافل العالمية. وماذا سينفع عقل كابيلو والعلم الذي تلقّاه في أكبر المعاهد أمام القلب الجزائري. فليحضّر كيفما شاء وليخطّط وليخترع أبرع الخطط التكتيكية، ففي النهاية سيصل إلى معادلة مستعصية الحل إسمها “القلب” والقلب بين أصبعي الرحمان يقلّبه كيفما شاء ولا حيلة للبشر في ذلك. سعدان قالها أول أمس صراحة للاعبيه: “انجلترا ليست لها نقاط ضعف ولم يبق أمامكم إلا القلب”. وإن كان الأمر كذلك لماذا نحتاج إلى مدرب نصرف عليه 245 مليون في الشهر. لدينا القلب والقلب “ خالص من عند ربّي” وأكثر ما نحتاجه محضّر نفسي أو حتى شريط أغان وطني لا يتعدّى ثمنه 50 دينار وسنفوز على انجلترا و”ربّي كبير”. ماذا سيدرس عنّا كابيلو وهو يرى في كل مباراة وجها مخالفا لسابقه. لك الله يا كابيلو وأنت محتار بأي خطّة ستواجه بها الجزائر في ظل الفوضى التي ألحقها دهاء سعدان بملاحظاتك، دهاء ما بعده دهاء جعلك غبيا لم تستنتج أنك أضعت وقتك فقط وأنه كان عليك أن لا تدرسنا أصلا لأن النتيجة النهائية هي أننا لا نلعب بخطة وهذه هي نقطة قوتنا، وإن أردت أن تفوز علينا عليك أن تتخلّى عن كل الأوهام التي درّسوك إياها في مركز “كوفيرتشانو” التافه وأن تؤمن بالحظ فقط. ماذا لدى الإنجليز أفضل منا؟ هل لاعبوهم رجال لأنهم يخونون زوجاتهم وقضايا الطلاق تلاحقهم في كل مكان. نحن أرجل منهم فمنّا من يضع حتى “المناڤش”. لديهم بيكام سيد الموضة في الشعر... منّا من يصبغ الشعر ويغيّر صبغة اللّه وكأننا سنشارك في كأس العالم للحلاقة. لا لا .. هم إنجليز ونحن “ماناش كرعين معيز”. وحتى أغنية “كليمونتاين” التي أرادوا أن يوهمونا أن أحد مشاهير غنائهم ألّفها حبّا في جميلات جميلاتهم كشفنا حقيقتها. فما هي إلا ل “معزة” ونحن أيضا نغنّي للمعيز والنعاج ونضيف إليها حتى الراعي مسكين مشكلة واحدة فقط لم نجد لها حلاّ. وهي توقيت المباراة. روراوة يظل يدّعي أن له نفوذا في “الفيفا” وأن بلاتير صديقه وحبيبه، لكن ليته نجح في تغيير موعد المباراة من الساعة السابعة إلى الساعة صفر إن أمكن. فالسابعة تعني سبعة أهداف وهذا كثير على أبطالنا، وعدا ذلك ليس للإنجليز حل سوى الاستسلام لكتيبة “دزّ القدّام”. هذه هي الحالة النفسية للأنصار الجزائريين ساعات قبل الموعد الحاسم. موعد يحبس الأنفاس ما كنّا لنصل إليه لو تنفّسنا جيّدا أمام سلوفينيا. وحتى أولئك الذين لديهم شجاعة في التفاؤل بتحقيق نتيجة إنما يطلقون العنان لرأيهم على سبيل “تاغنّانت الجزائريين” ليس إلا، من باب “معزة ولو طارت”. لكن ما هي إلا كرة والكرة تدور يوم لك ويوم عليك. ومن يدري؟ لعلّ الله يحدث أمرا ومن يتفاءل خيرا يجده وشرّ النفوس نفس يؤوس تتمنى الرحيل قبل الرحيل. ولاعبونا لا زالوا لم يفكّروا في الرحيل بعد، ولازالوا يؤمنون أن من يأبى صعود الجبال يبقى أبد الدّهر بين الحفر.